الإثنين 12/مايو/2025

هل كان على حماس أن تبقى في التهدئة؟

هل كان على حماس أن تبقى في التهدئة؟

صحيفة الشرق القطرية

العدو الصهيوني يلوح بحرب تسقط حماس ومن حول حماس كثيرون يبدون تخوفهم عليها – صدقاً وحرصاً – أو كذباً وتهويلاً وتخويفاً والأمور تيسير إلى التصعيد ما يوحي بأن العدو يعد للغزو عدته وفي هذا السياق يأتي توجهه لمجلس الأمن الدولي ويصدر الرسائل عبر سفرائه في العالم أن من حقه منع الصواريخ التي يطلقها الإرهابيون – يعني المقاومة الفلسطينية – ما عده البعض تهيئة للأجواء الدبلوماسية والإعلامية لعمل عسكري كبير يحسم الأمور وينهي حكم حماس في غزة.. ولا شك أن للعدو مصلحة في إزاحة أو إزالة حماس وهو حاول ويحاول وما معارك جباليا قبيل التهدئة وما الحصار ومحاولة تثوير الناس إلا في هذا السياق.. بل أكثر من ذلك فهو لم يجتمع أمره على قضية كما يجتمع اليوم على ضرورة إنهاء سيطرة حماس على مقاليد السلطة في غزة ومحاولة استعادة السلطة الوطنية منها التي صنعها على عينه ورباها في حضنه بالتأكيد ليس لتأخذها حماس وتتعزز مكانتها بها.

ولكن ثمة رابطاً آخر يربط كل مواقف خصوم حماس هو التخوف من اشتعال حرب لا تقف عند حدود ما يريدون أو يتآمرون فالاحتلال قامت استراتيجيته الحربية منذ قيام دولته على عنصري الحرب الخاطفة المفاجئة – وهي مع حماس وغزة مستحيلة – والعون الخارجي وبالذات الأمريكي تسليحاً وتمويلاً ومشاركة – وهذا أيضاً مستحيل في ظل مأزق أمريكياً في العراق وأفغانستان وحاجتها لترميم صورتها الحضارية والثقافية وبالنظر كذلك لانشغالها بالتحدي الأكبر (النووي الإيراني).. كما أن العون الخارجي في موضوع غزة يكاد نفعه وفرقه لا يتجاوز الصفر المئوي لسبب بسيط هو أن مشكلة العدو في غزة ومع حماس بالذات ليست قلة الإمكانات – كما هي عادة بين الجيوش الرسمية والتقليدية ولكنها مشكلة من الذي يقبل بمنازلة حماس على الموت، ومن الذي على استعداد ليقدم الأسرى ثم يفاوض بعد ذلك على إطلاقهم ويدفع الثمن، ولنتذكر هنا مشكلة المجتمع الصهيوني كله في قصة جندي واحد هو شاليط.. والمشكلة الأكبر التي تؤرق العدو وربما تجعله يبيت على نية ويصبح على نقيضها هي كيف سيتعامل مع تحديات ما بعد احتلال غزة – هذا لو تمكن من احتلالها أصلاً – ومن يستطيع أن ينوب عنه بعد الخروج منها وأن يواجه قوماً ذاقوا طعم الحرية والأمن ولمسوا بكل جوارحهم فارق الحياة في ظل حكم المقاومة بنزاهتها وطهوريتها وعنفوانها عن الحياة في ظل أي حكم آخر.

فلا عجب إذن أن نسمع رايس – وهي التي نعرفها – تتكلم بلغة أقرب إلى الرجاء بألا تنهي حماس التهدئة وتعطي إشارات تطمينية على المستقبل، كما لا نستغرب أن باراك – وهو مجرم الحرب المعروف – يحاول أن يجد طريقاً بين الطرق لتجنب حرب هو يعلم أن الفشل فيها وعدم تحقيق كل أهدافها سيكون الضربة القاضية لكل معادلات الردع التي قام عليها كيانه الشاذ، وخاصة بعد الفشل الذي حصدوه في حرب صيف 2006 مع حزب الله، ولا نتفاجأ إذن أن نجد الاحتلال – بكل غطرسته وسابق تجاهله لمجلس الأمن وسوء علاقته بالأمم المتحدة يرفع شكوى على صواريخ المقاومة – التي لا يزال البعض يصر على وصفها بالعبثية – ولعل من نافلة القول إن العدو لا يتردد في قرار حربه بسبب الخوف أو الخجل من حلفائه (طابور المعتلّين العرب) أو لمراعاة خواطرهم فضلاً عما يسربه الإعلام الصهيوني عن أخذهم الضوء الأخضر من هؤلاء للقيام بعملية كبيرة وهو ما لم ينفوه حتى الآن على الأقل!!

أفضل السيناريوهات للعدو أن تستمر التهدئة على الحال الذي كانت عليه لأنها تجنبه الحيرة المتواصلة بين الرغبة في إنهاء خطر حماس والخوف من التورط فيما هو أخطر وأكبر منه ولأنها تجنبه الوقوع بين ضرورتي حماية وإرضاء المستوطنين حول غزة أو هجرانهم المستوطنات وهو ما يحصل اليوم فعلياً وتتواتر الأخبار على تأكيده. العدو يريد استمرار الحال السابق تهدئة مقابل تهدئة يحاصر المقاومة ويمنع عنها الهواء والغذاء ويقوم بعمليات اغتيال مستهدف ويجرح ويجرف في غزة ويده في الضفة مطلقة اعتقالاً وتصفيات وأعوانه هناك يكملون المهمة.. إلى غير ذلك مما نعرفه جميعاً (أكثر من 195 خرقاً للتهدئة قام بها العدو خلال فترة الستة أشهر من التهدئة وقتل 22 شهيداً وجرح أكثر من ستين) ومستوطنوه آمنون ساكتون.

حماس بالتأكيد رأت كل ذلك ودفعت ثمنه والأخطر أنها رأت تحولين اثنين كبيرين وخطيرين بدآ يرشحان للتأصيل والتجذّر؛ أحدهما: متغير التوازن بين حاجات فك الحصار وحاجات القضية الاستراتيجية.

فخلال الستة أشهر من التهدئة غلبت لقمة الغذاء وشربة الماء وجرعة الدواء على الطابع العقدي والسياسي للقضية وصار العامل الإنساني يستنزف الوقت والجهد فضلاً عما يضيّعه من المكاسب التاريخية، وهنا أرادت حماس أن تعيد الأمور إلى نصابها (ليهلك من هلك عن بينة – وفضيحة – ويحيى من حيّ عن بينة – وشرف) و(ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم) خاصة أن المقاومة صارت مطاردة ممن يدّعون الوطنية ويتلزقون بالعقلانية والواقعية.. ما اقتضى إعادة الاعتبار للمقاومة كمعيار للقياس الوطني والشرفي ولتذكير من نسي أن الذين يطاردونها بأنهم في صف الاحتلال.. هذا المتغير الأول – في ظل التهدئة – أما المتغير الثاني فهو: أن الهدوء المتواصل مع الاحتلال بدأ يفرز – في الموازين الاستراتيجية – قبولاً به وتعايشاً معه ولو في الشكل الظاهري ما يؤيد من حيث غير المقصود منطق الذين قامت حماس ابتداء لتصويب مسارهم وبديلاً عنهم.

فبدت أمام الرأي العام كأنها في نفس مستوى هؤلاء – المهزومين الذين يفاوضون بلا نهاية وعلى غير هداية أو قريباً من مستواهم.. حتى صار يزايد عليها المطبعون الخائبون والقاعدون الخالفون والطاعمون الكاسون من تلاميذ دايتون وجيمس جونز ومن في لفائفهم من مرتزقة اليسار الفلسطيني الذين استبدلوا الثورية الحمراء بالبقرية الصفراء وصار لهم لسان وعلى عقيرته حجة ليقول قائلهم غامزاً في قناة حماس: لسنا مع المفاوضات المباشرة – يقصدون جماعة رام الله – ولا المفاوضات غير المباشرة – ويقصدون حماس والمقاومة – أحدهم أعلن عشية إنهاء التهدئة أنهم لن يجددوها (بطخ عن كتف غيره).. نعم؛ التهدئة أعطت هؤلاء مستمسكاً ينافحون به حماس ويزايدون عليها..

آخر القول: لقد أحسنت حماس من قبل إذ قبلت التهدئة ثم أحسنت يوم استثمرتها وضاعفت من قدرتها (الأمنية والتسليحية والسياسية) ثم أحسنت عندما بقيت فيها حتى نهايتها الطبيعية، وها هي اليوم تحسن إذ تنهيها ولا تجددها وما كان لهذه التهدئة أن تبقى للأبد أو أن يصير وجود الاحتلال وملاحقة المقاومة والنفاق طبيعياً.. ولعل من أوليات ثمار إنهاء التهدئة أن تعرض مصر على حماس إيقاف الصواريخ ليوم واحد مقابل ستين طناً من المعونات والأدوية.. وما كان الغزيون يطمعون في ستة كيلات منها قبل ذلك.. هذا على الأقل فهمنا ضمن التحليل المنطقي والسياق الطبيعي للأحداث ويبقى أن على حماس ألا تطمئن لمفاجآت عدو شاذ قامت استراتيجيته على الاختلاف مع كل شيء وعلى كل شيء.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات