الإثنين 12/مايو/2025

لماذا تخشى السلطة الحوار؟

خليل الصمادي

لا شك أن الحوار من سمات الإنسان الذي ميزه الله عن سائر المخلوقات ، فمن خلال العقل الذي امتاز به يستطيع أن يفكر ويحاور ويحل المعضلات التي لا شك أنها ستتفاقم مع مرور الأيام لولا الحوار بسبب النزاعات والحروب والاختلاف.

وليس الحوار بدعا في القرن الحالي أو الذي سبقه أو هو من إفرازات العولمة أو النظام الدولي الجديد أو القطب الواحد، بل هو موجود قبل أن تتكون المجموعات البشرية على الأرض، فرب العزة والجلال حاور إبليس عندما رفض السجود لآدم عليه السلام ، ونوح عليه السلام حاور قومه قرونا عديدة وكذا إبراهيم حاور النمرود وموسى حاور فرعون وعيسى حاور قومه ومحمد حاور الكفار والمشركين واليهود ، وكذا جميع الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام حاوروا أقوامهم طيلة فترة الدعوة ، ولم يقتصر الحوار على الأنبياء والمرسلين بل نجده ديدن القادة والسياسيين عل مر التاريخ عربهم وعجمهم كردهم وفرسهم ومسلميهم ومسيحييهم ويهودهم وبوذييهم وغيرهم من الملل والنحل.

ويبدو أن الأمم التي جنحت للحوار وأحسنت طرحه فازت وسادت وأما الأمم التي رفضت الحوار انتهت وبادت لأن الحضارة الإنسانية هي خلاصة الأفكار التي يؤمن بها الناس ويدافعون عنها ويحاجون بها جهارا ونهارا لأنها في النهاية لصالح البشرية ، وأما الذين يتهربون من الحوار أو يضعون العراقيل أمامه فهم الضعفاء الذين يخشون عرض بضاعتهم لأنها تخالف القيم والمبادئ والحق، فلا يحسن المحاور الدفاع عن أفكاره وأطروحاته ومواقفه لأنها بلا شك لو طرحت لهزمت ، لذا يتهربون من الحوار وحتى لو تهربوا فإنهم بلا شك خاسرون مع مرور الزمن وتنطبق عليهم القاعدة ” الأبقى للأصلح”.

والمتتبع في أيامنا هذه للمشكلة الفلسطينية، ولا سيما في مسألة الخلاف بين حركتي حماس وفتح أو بين رئاسة الحكومة ورئاسة الوزراء يجد العجب العجاب ، يجد أن حركة حماس دأبت على مناشدة الرئاسة إلى الحوار منذ اليوم الأول للحسم العسكري ومن كافة صانعي القرار في الحركة من رئيس المكتب السياسي للحركة إلى أصغر مسؤول فيها وبدون قيد أو شرط ، في الوقت الذي نجد فيه الرفض المطلق لكافة أشكال الحوار من قبل التيار المناوئ للحركة أي تيار فتح أو السلطة أو الرئاسة أو أوسلو مسميات شتى لهدف واحد هو إفشال الحوار.

لقد أحسن بعض المراقبين ظنا في الفريق الثاني وراهنوا على الحوار سيجرى بعد شهر أو شهرين وبرروا ذلك أن الضربة القاضية في غزة لا بد لها من أيام أو أسابيع حتى يتعافى المصاب من صدمته ، ولكن وبعد مرور شهرين أو أكثر نجد أن لا آمال في الأفق فيبدو أن المصارع الجبار تلقى الضربة على دماغه فلم يعد يحسن التفكير فهو يحاور من أخرجه من دياره واحتل ملعبه ومرتعه ونكل به في الوقت الذي يصر على عدم محاورة الشقيق والصديق والرفيق ويعد محاورته من الكبائر.

تشاءم بعض المحللين منذ أن رفضت السلطة الحوار مع حماس من بداية الحسم في غزة وقالوا : لقد خرج الأمر من أيديهم وليس باستطاعة أي مسؤول في السلطة حتى كبيرهم السيد محمود عباس من فتح أي حوار مع حركة حماس ، وزادوا أن السلطة لو حاورت حماس لانقطع عنها الدعم المادي والمعنوي والمباركة الأمريكية والإسرائيلية وقد اتهمناهم بالشط والتطرف وقلنا :”إن عقلاء السلطة ولا سيما رئيسها لا بد لهم من الحوار لأنه في النهاية لصالح الشعب الفلسطيني الذي عانى الأمرين على اتجاهين الاتجاه الأول هو الاحتلال الإسرائيلي ، وأما الاتجاه الثاني فهو الفلتان الأمني الذي كان مدعوما من قبل بعض لأجهزة الأمنية البائدة ، والذي لم يكن يرضي الكثيرين من عقلاء السلطة بما فيهم السيد عباس، وأنها فرصة للتخلص من العبث بمصير الناس والوطن.

يبدو أن الذين راهنوا على أن الحوار سيفتح بعد أن تهدا النفوس ويتعافى المصارع الجبار قد خسروا وخابوا لأن الأمر بالفعل قد خرج من أيدي أصحاب القرار في السلطة الذي أصبح شعارها ” لا حوار مع الحمساويين الأعداء بل الحوار مع الإسرائيليين الأصدقاء ” هل أصبحت حماس عدوة للسلطة أو الشعب الفلسطيني حتى يغلق الحوار معها ؟ وهل أصبح الصهاينة شركاء استراتيجيين للسلطة لعدو مشترك كما يحلو لبوش أن يتبنى مثل هذه الأطروحات النارية ؟

بالأمس وخلال المؤتمر الصحفي مع وزير الخارجية الياباني دقت  وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني  يدها على الطاولة وصرحت أن فتح الحوار بين حماس والسلطة خطأ كبير !! إنها لغة شبه دبلوماسية صادرة عن وزارة الخارجية وأما ترجمتها في وزارة الدفاع أو الداخلية الإسرائيلية كما يلي ” إن فتح أي حوار بين حماس والسلطة جريمة لا تغتفر ، وإن أي مسؤول في السلطة يفكر في فتح باب الحوار فإنه يلعب بالنار !!

لقد أصبح حالهم كما تقول الأغنية الشعبية ” نارك ولا جنة هلي ” ولا يسعنا إلا أن ندعو لهم بالتخلص من أصدقائهم الإسرائيليين والأمريكيين ، والعودة إلى حوار أعدائهم الحمساويين ، فعدو عاقل خير من صديق جاهل بل أحمق ومخادع .
 
*عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين / دمشق

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات