السبت 10/مايو/2025

هل تأثرت المواقف الرسمية بهبّة الجماهير؟

هل تأثرت المواقف الرسمية بهبّة الجماهير؟

صحيفة الدستور الأردنية

منذ اليوم الأول للعدوان على قطاع غزة، برزت هبّة الجماهير في الشوارع العربية والإسلامية كعامل بالغ التأثير في تشكيل المواقف الرسمية في العالم العربي والإسلامي، إذ أحرج الحراك الشعبي الكثير من الأنظمة ودفعها نحو تغيير ما في مواقفها، على تفاوت بين هذا وذاك.

من يشكك في هذه الحقيقة فعليه أن يقرأ على نحو دقيق خريطة المواقف من المقاومة وقواها الإسلامية، بخاصة حماس، والقضية الفلسطينية برمتها قبل وبعد العدوان، سواء في العالم الإسلامي (تركيا كانت الأبرز على هذا الصعيد)، أم في العالم العربي، ولا حاجة هنا لتعداد الأمثلة، إذ تنطبق النظرية على معظم الأنظمة.

ثمة عاملان مهمان كان لهما دورهما في زيادة فاعلية تأثير الحراك الشعبي على المواقف الرسمية، أولهما صمود المقاومة مقابل بشاعة الجرائم الصهيونية، وثانيهما دور الإعلام الواسع النطاق في فضح تلك الجرائم وتبيان حجم التعاطف الشعبي والمساهمة في زيادة فاعليته، ولا شك أن الجزيرة والفضائيات ذات الخط القومي والوطني والإسلامي قد لعبت دوراً بالغ الأهمية على هذا الصعيد.

من دون شك كان لطبيعة المعركة والإجماع الشعبي حولها دور مهم فيما جرى، لكن ذلك لا يغير في حقيقة أن الشوارع العربية قد أحرجت أنظمتها ودفعتها نحو تغيير مواقفها شيئاً فشيئاً مع تصاعد حراكها الشعبي، ونزولها إلى الشوارع بأعداد رهيبة تجاوزت الملايين، لا سيما أن دوائر المتابعة الرسمية ليست عاجزة عن رصد الشارع ومعرفة طبيعة حراكه ومدى جديته.

منذ اليوم الأول تأثر الموقف المصري على سبيل المثال فيما يتعلق بالمعبر، وصار السلوك حياله يتغير بالتدريج، ولو في الظاهر، وإن كان بالإمكان القول إن الموقف المصري كان الأقل تأثراً بالضغط الشعبي، ربما لاعتقاده بقدرة وسائل الإعلام الرسمية على إظهار الانتقادات الموجهة للنظام بوصفها موجهة لمصر وشعبها، وتجييش الناس العاديين، بل حتى جحافل من المثقفين في سياق الرد عليها وتفنيدها.

المواقف الرسمية الأخرى تأثرت كذلك، وهناك مشاركون في قمة الدوحة ما كانوا ليشاركوا لولا الحراك الشعبي، وسعيهم لمجاملة الجماهير وكسب ودها، الأمر الذي ينطبق على مواقف برزت في قمة الكويت، والتي استجابت للحراك الشعبي، على رغم صدور بعضها عن دول لا تعرف المظاهرات، لكنها تقرأ بعناية طبيعة النبض الشعبي من خلال مواقف الناس وفتاوى العلماء وحراكهم اليومي.

من الصعب الاعتقاد بأن المواقف الأخيرة قد جاءت فقط نتاج قناعات جديدة، مع أننا نتمنى أن يكون الأمر كذلك، أقله في ظل المواقف الأمريكية والغربية المستخفة بمن يجاملونها على صعيد التسوية والمفاوضات وسائر القضايا الأخرى، وقد ثبت مراراً أن ثمن تحدي الإملاءات الأمريكية كان دائماً أقل من ثمن الانسجام معها، أو الخضوع لها بتعبير أدق.

في ضوء ذلك على الذين يبشرون بموت الشارع العربي أن يكفوا ألسنتهم، وأن يقتنعوا بأن في هذه الأمة خيراً كثيراً وحيوية استثنائية تظهر في الأوقات المناسبة. كما أن على المحسوبين على العلم الشرعي من الذين ما برحوا يرفضون المسيرات والمهرجانات وأشكال التعبير السلمي أن يكفوا ألسنتهم أيضاً، لا سيما أن أكثرهم غير مؤهل للموازنة بين المصالح والمفاسد في هكذا قضايا: هي في جوهرها من المصالح المرسلة التي يكون الأصل فيها الإباحة.

ما جرى يبشر من دون شك بزمن جديد تتمكن فيه هذه الجماهير من فرض إرادتها، ليس فقط على صعيد المواقف الرسمية من القضايا الكبرى للأمة، بل أيضاً على صعيد السياسات الداخلية المتعلقة بقضايا الإصلاح والتنمية والعدالة والحرية، وقبل ذلك وبعده المرجعية الإسلامية للدولة والمجتمع.

لكنه من جهة أخرى يفرض مزيداً من المسؤولية على القوى الحية في الأمة كي تبني على ما تحقق، ليس على صعيد قضية الأمة المركزية، والصراعات المهمة الأخرى، بل على صعيد التغيير الداخلي الذي لا يقل أهمية وإلحاحاً، مع أن القضيتين مرتبطتان ببعضهما.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات