لمى خاطر .. قلم لا يعرف الانكسار

يخطئ من يظن أن أمجاد أمتنا من صنع رجالها دون النساء، فلقد لعبت المرأة في الإسلام دورا مميزا لم تقل أهميته عن دور الرجال، كيف لا وهن اللواتي دافعن عن النبي صلي الله عليه وسلم في عدة معارك لا سيما يوم أحد! فكن مثال البطولة والشجاعة.
وفي فلسطين ساهمت المرأة في الذود عن حمى الوطن، فقدمت أبنائها شهداء، وشاركت في حمل جنائزهم على الأكتاف، واتبعت هذه المواكب بالزغاريد، زغاريد الفرح والانتصار، فكانت الأم الفلسطينية مثالا للشهامة والإباء، وساهمت في رسم خريطة جديدة للوطن وللتحولات، وخطت بقلمها وعبرات وجدانها تعابير الشموخ لشعب لطالما لا زال في الميدان ولم يتراجع.
لمى خاطر (أم أسامه)، كاتبة فلسطينية ولدت في رام الله عام 1976م حطت بها رحال الزوجية في خليل الرحمن، فتشربت هموم شعبها ووظفت طاقتها الإبداعية في كتاباتها الوصفية والنقدية لهموم شعبها الذي تبعثرت قضيته في ردهات المساومين، فلم تعط راحة لقلمها، ولم تركن للزمن، بل جعلت من هذا القلم وسيلة هجوم تفضح من خلالها كل المتآمرين على مستقبل القضية، غير مبالية بالنتائج حتى ولو أدى ذلك إلى اعتقال زوجها عدة مرات لإسكات قلمها !! أو اعتقال ابنها وفلذة كبدها للضغط عليها، ومحاولة سلطات الاحتلال لاعتقالها إضافة إلى تهديدها بالملاحقة، كل ذلك لم يؤثر على قلمها النقي الجريء الذي يأبى الانكسار.
لمى خاطر، نموذج فذ للمرأة المكافحة التي تحدت العواطف والأنوثة، وسارت في درب المواجهة نحو عزة شعبها وكرامة أمتها، تصف مجريات الأمور، وتنتقد نبرة الهزيمة ومدارسها وشخوصها، تكشف من خلال مقالاتها النارية سراب خفافيش الظلام الذين يعبثون بدم الشهداء وكرامة الأسرى، وقدسية القضية، فجعلت من هذا القلم أداة استفزاز لكل الذين لا يطيقون الكلمة الجريئة الصادقة، هزت مواقعهم وعروشهم، حركت ضمائر البعض، لكنها قهرت بكلماتها جيشا من الأذلاء الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم، فرقصوا على أنات وآهات شعبهم.
وقفت (أم أسامة) لهم بالمرصاد فكانت خير رسول لأشرف قضية، كان قلمها أمينا صادقا يكتب امتثالا لمتطلبات الشعب وحاجاته، فلم يكن قلما يبحث عن الفتات والارتزاق على بلاط السلاطين وأبوابهم، وإنما كان رمحا وسيفا في قلوب المساومين وعلى رقاب الجلادين.
كتبت بجرأة منقطعة النظير ضد الاعتقال السياسي، وخطت بقلمها نقدا لاذعا للتنسيق الأمني، انتقدت المتخاذلين ومدحت المقاومين وأشادت ببطولاتهم دون خوف أو وجل، نافحت عن الأسرى وقضيتهم ولم تكتف بالكلمات وإنما نزلت إلى الشوارع والطرقات والميادين العامة، تقود النسوة وزوجات الأسرى والفتيات للاعتصام والمطالبة بالإفراج عن الأسرى سواء في سجون الاحتلال أم في سجون الأجهزة الأمنية الفلسطينية؟!
قالت لمى خاطر في تدوينة لها: “ليس مهمّاً كثيراً الأذى الذي يلحق بالإنسان على صعيد ذاته حين يقف أمام لحظة اختبار المبادئ، ولا قيمة للبحث عن استقرار شخصي في خضمّ معركة واسعة تستهدف اقتلاع جذور النماء وسحق الإرادة وفرض سياسة امتهان المذلّة على المجموع”.
في إحدى المرات التي تم فيها اعتقال زوجها المهندس حازم الفاخوري، وهو مناضل فلسطيني معروف وأسير محرر من سجون الاحتلال، اقتحم جهاز المخابرات العامة التابع للسلطة منزلها في الخليل لثنيها عن مواصلة الانخراط في فعاليات نصرة الأقصى والترويج لها.
وكما هو دأبها لم تنحن الفلسطينية العنيدة لعاصفة إسكاتها الجديدة وإن كانت هذه المرة فلسطينية بامتياز، فدونت بعد ساعات قليلة من اقتحام منزلها في الخليل، واعتقال أشقاء زوجها على فيس بوك تعلن تحديها للواقع ورفضها الانكسار.
فبعد الفخر بشرف الرباط في أكناف بيت القدس، والدفاع عنه قالت: “يسعُ المرء أن يعيش حرًّا حتى لو كان بحكم الجغرافيا يخضع لاحتلال أو اثنين، ويسعه أن يكون قويا حتى لو جُرّد من سلاحه، هذا قراره وحده، ينجح بتنفيذه بقدر علوّ قيمة الكرامة والحرية في روحه”.
وما أروع ما كتبه الدكتور عطا الله أبو السبح وزير الثقافة الفلسطيني في حكومة الوحدة الوطنية الحادية عشرة في رسالة بعث بها لخاطر يقول فيها:
ابنتي العزيزة لمى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت – بمزيد من الفخر والاعتزاز- رسالتك إلى سلام فياض (رئيس الوزراء الفلسطيني)، واستوقفتني هذه الشجاعة النادرة، التي يفتقر إليها كثير من الذكور، بعد التسليم – بحقيقة طالما آمنت بها – بأن الرجولة موقف، وليست (جنساً) ، لقد بلغت بك الرجولة حداً أحرج الكثير من (الرجال)، فأشفقت عليهم.
ابنتي العزيزة: إن هذه الكلمات (السياط) التي ألهبت وجه الطواغيت والأزلام لجديرة بأن تعلم المظلومين كيف يكون التحدي، والمقيدين كيف يكون التمرد على القيد، وكيف يكون القلم أمضى من السيف، وأفرى من الرمح!
كم أنت عظيمة يا لمى! وكم كنت شامخة وأنت تستهترين بأنيابهم ومخالبهم وفجورهم، وعظم التحدي – يا لمى- يتجلى عندما تبلغين ذروة الشجاعة والبطولة لتسقطي الأقنعة عن تلك الوجوه السمجة، التي أدمنت التلون كحرباء، والاختباء في درقة النظام الحاكم كسلحفاة.
وقفتك الشامخة – يا لمى – تذكر بوقفة أسماء في وجه الحجاج بلا رهب أو رغب، ردت بإباء على دعوى كذوب، فقالت (يخرج من ثقيف كذاب ومبير، فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فهو أنت) بينما صاحب الجسد الطهور ابن الزبير فلذة كبدها معلق على أعواد مشانقه، لكن أسماء ببصيرتها رأت ابنها فارساً يعتلي صهوة جواده قائلة (أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟) وكذا أنت يا لمى ؟!.
داهم زوار الفجر منزلها فاعترضهم يحيى ابن السنتين .. لم يبك رغم احتضانها له بحرارة، لكنها أرادت أن تعطيه جرعة من حنان سيفتقده أياما أو أسابيع أو أشهر أو ..!! ، لكن يحيى مهندس المرحلة ورغم طفولته ودعها وهو يقول لها: امض يا أماه فإنك على الحق ؟!.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الاتصالات تُحذر من انقطاع الخدمة جنوب ووسط قطاع غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت شركة الاتصالات الفلسطينية، مساء اليوم السبت، أنها ستُنفذ أعمال صيانة اضطرارية على أحد المسارات الرئيسية في قطاع...

الدويري: عمليات القسام برفح تمثل فشلا إسرائيليا مزدوجا
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال الخبير العسكري اللواء فايز الدويري إن عمليات كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)-...

شركات طيران دولية تلغي رحلاتها لتل أبيب عقب قصف مطار بن غوريون
الناصرة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت شركات طيران دولية، صباح اليوم الأحد، إلغاء رحلاتها إلى "تل أبيب"، عقب قصف مطار بن غوريون الدولي. وبحسب...

مؤسسة حقوقية: آلاف المعتقلين بسجون الاحتلال يواجهون عمليات قتل بطيئة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام يواجه الأسرى في سجون الاحتلال تصاعدًا غير مسبوق في عمليات التعذيب والتجويع والإهمال الطبي، التي تمارسها الإدارة...

جماعة أنصار الله: واشنطن تجاهلت تحذيراتنا لأنها لا تأبه بحياة الصهاينة
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قالت جماعة أنصار الله اليمنية، الأحد، إن "الولايات المتحدة الأمريكية لا تأبه بحياة الإسرائيليين رغم توجيه تحذير لها...

مدير المستشفيات الميدانية بغزة: المجاعة قادمة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال مدير المستشفيات الميدانية بوزارة الصحة بقطاع غزة، مروان الهمص، إن أغلب سكان قطاع غزة يعيشون تجويعاً ينفذه...

إصابة 43 فلسطينيًا باقتحام قوات الاحتلال البلدة القديمة في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب 3 فلسطينيين بينهم طفل، برصاص قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي و40 آخرون بالاختناق بالغاز المسيل للدموع، إثر اقتحام...