ماذا يعني إرسال قوات عربية إلى غزة؟

صحيفة الوطن القطرية
تتسارع في الأيام الأخيرة وتصطك أفكار عديدة وأطروحات مختلفة وربما متناقضة حول حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية التي نرى أن كل الذئاب قد تجمعت على ما تبقى من أشلائها للإجهاز عليها نهائياً! ولعل أخطر ما يطرح من مثل هذه الأفكار القديمة المتجددة يجري في اتجاهين يلتقيان في النهاية عند نقطة واحدة الاتجاه الأول يقول بإرسال قوات عربية بقيادة وقوام مصري إلى قطاع غزة بحجة حمايته أولاً من الاجتياحات الإسرائيلية وثانياً مساعدته في ضبط الصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني بعد انفراد حركة حماس بالسيطرة عليه منذ أكثر من عامين.
أما الاتجاه الثاني فيدفع في طريق تصاعدي أخطر وخلاصته تقول أما وإن الفلسطينيين قد انقسموا سياسياً على نحو محزن وانفصلوا جغرافياً بين غزة حيث سلطة حماس، وبين الضفة الغربية حيث سلطة فتح فإن الأمر الواقع بعد تعثر مفاوضات عباس أولمرت أصبح يقضي بإعادة وضع قطاع غزة تحت الإشراف المصري ووضع الضفة الغربية تحت الأشراف الأردني على نحو ما كان قائماً قبل عدوان “إسرائيل” عام 1967 واحتلالها الكامل لكل فلسطين امتداداً لسيناء المصرية والجولان السورية وبعض الأراضي اللبنانية.
وأحسب أن هذه الأفكار التي تطرح في الاتجاهين بهذا الشكل والسفور إنما تعيد خلط الأوراق مثلما تعيد إنتاج الأزمة تبدأ القضية الفلسطينية من نقطة الصفر للمرة العاشرة، وهو أمر إذ نحذر من مخاطره باعتباره كميناً معادياً، فإننا نستدعي الوعي العام والقوى الوطنية والشعبية لمقاومته مبكرا قبل أن تجر بعض الحكومات العربية في السير فيه هبوطاً مرة أخرى إلى نقطة الصفر!
وأعلم أن ما أطالب به الآن يصطدم مع آراء بل مشروعات آخرين، وأعلم أن هذا كله إن كان يطرح الآن على استحياء فإنه سيصبح غداً دعوة عامة يحارب في صفوفها صناديد كثر يرفعون في وجوه معارضيهم صواريخ قصيرة أو طويلة المدى تعودوا توظيفها حسب الظروف والأهواء لاغتيال مخالفيهم في الرأي!
ولمزيد من التوضيح نبدأ بالاتجاه الأول الذي يدعو إلى إرسال قوات عربية بقيادة وقوام مصري إلى قطاع غزة، فتقول إن هذا كمين تاريخي لمصر أولاً وأخيراً، إذا ما وافقت على مثل هذه الخطوة، التي استشعر معارضة قطاعات شعبية عريضة لها إدراكاً واعياً لمخاطرها!
وهي معارضة ترى أن إرسال قوات مصرية خارج الحدود، وخصوصاً إلى غزة على الحدود الشرقية، إنما يجب أن يكون للدفاع عن الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي القائم والدائم، وإنما يجب أن يساعد في تخفيف أمراض وأوجاع الشعب الفلسطيني وفك الحصار من حوله، وليس كما يتصور أصحاب المشروع «لضبط الأوضاع الأمنية»، والمعنى الكامن لهذه العبارة هو حماية “إسرائيل” من هجمات المقاومة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه كبح جماح حماس وإيقاف سيطرتها المطلقة على غزة.
والمؤكد من وجهة نظرنا على الأقل أنه لا مصلحة عليا لمصر أن تتحول إلى ذراع حامية ل”إسرائيل”، وبالتالي متصادمة مع من يقاوم “إسرائيل”، سواء حماس أو فتح أو الجهاد أو المنظمات الفلسطينية الأخرى .. كما أنه لا مصلحة لمصر ولا لأي دولة عربية تدرك المعنى التاريخي للقضية الفلسطينية، أن تتورط في شق أو زيادة شق الصف الفلسطيني بالانحياز لطرف أو منظمة على حساب الأخرى، لقد كانت هذه أخطاء الماضي التي مارستها نظم عربية، تبينت مؤخراً كم من الجرائم ارتكبت باسم الدفاع عن القضية الفلسطينية، وليت مثل هذه النظم ترفع يدها عن تشجيع حماس على مزيد من التشدد، أو دفع فتح نحو تصعيد مستمر ضد حماس وغيرها.. مما يعمق الانشقاق الفلسطيني لصالح العدو الإسرائيلي.. إن خطوة إرسال قوات عربية مشتركة أو مصرية منفردة إلى قطاع غزة، لا يمكن أن تتم إلا في ظروف وضمن شروط واضحة، أهمها توافق واضح وطلب صريح من الأطراف الفلسطينية مجتمعة، وثانياً اتفاق عربي من خلال الجامعة العربية يلزم الأطراف العربية والفلسطينية بمثل هذه الخطوة، وثالثاً غطاء دولي تضمنه الأمم المتحدة بكل قوة وفاعلية.
كل هذا جميل وظريف، ولكنه غير منطقي إذ من الصعب، ربما من المستحيل، توفير هذه الشروط مجتمعة، في غياب الشرط العملي الأصعب، الكامن في سؤال بسيط وهو، هل يمكن تحقيق ذلك دون موافقة مباشرة وصريحة من “إسرائيل” الممسكة بأهم أوراق اللعبة وصاحبة أهم عناصر القوة، وهي قوة الاحتلال المباشر والحصار الدائم.. قوة الأمر الواقع.. أشك تماماً في ذلك، إلا إذا حصلت “إسرائيل” على أقوى الضمانات الفلسطينية والمصرية والعربية والدولية بأن كل ما يتم يصب في مصلحتها ويساهم في الدفاع عن أمنها ويساعد في تدمير كل عناصر المقاومة الوطنية الفلسطينية.
أما إذا ذهبنا إلى معالجة الاتجاه الثاني الداعي إلى إعادة وضع قطاع غزة تحت الإشراف المصري ووضع الضفة الغربية تحت حكم الأردن فسنرى انه اتجاه حتى لو تردد على ألسنة عربية إنما يترجم في النهاية المشروع الإسرائيلي القديم والمستمر وهو الوطن البديل بمعنى أنه لا مكان للشعب الفلسطيني في وطنه ولا حديث عن حق عودة اللاجئين ولا مشروعات لإقامة دولة فلسطينية مستقلة حقيقية إنما المكان والحديث هو عن الأردن وطناً للفلسطينيين خصوصاً وأن معظم أهله هم من أصول فلسطينية.
يبقى جيب غزة الصغير الذي لا تزيد مساحته عن 350 كيلومتراً مربعاً لكنه يزدحم بأكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني محاصرين محبطين مستعدين لتفجير أنفسهم في وجه قاتليهم ومحاصريهم فالحل الجذري كما يروج المشروع الإسرائيلي الأميركي الأوروبي هو إلحاق هذا القطاع الصغير المساحة المزدحم السكان بسيناء المصرية المتسعة المساحة القليلة السكان وأن تتولى مصر مسؤوليته كما كانت تفعل في الفترة ما بين حربي 1948 و1967.
ونرى أنه كمين دموي وتاريخي أخطر أمام مصر فضلاً عن الأردن بالنسبة للضفة وما نقصده أن توكيل مصر أو إغراءها بحكم غزة لا يشكل لها منحة سخية وإنما يشكل محنة قوية لأن المراد منه وضع حاملة متفجرات في صدرها فتاريخياً لا تقبل مصر أو غيرها أن تساهم في حرمان شعب يقوم دفاعاً عن حريته لاستغلاله من الحصول على حقه في وطن مستقل.
فإن كانت ظروف 1948 قد فرضت وضعاً معيناً فظروف اليوم واستحقاقات الغد مختلفة تماماً لعل أهمها أن حق إقامة الدولة الفلسطينية أصبح معترفاً به عالمياً كما أن توكيل مصر بحكم غزة في هذا الوقت بالذات يعني إعفاء الاحتلال الإسرائيلي من مسؤوليته التاريخية، مسؤولية القتل والإبادة والتدمير والاعتقال والحصار والتجويع ضد شعب كامل على مدى ستين عاماً على الأقل فلماذا نعطي شهادة حسن سير وسلوك لمحتل غاصب الآن حتى لو كانت الحجة أن مصر ستكون أرحم على فلسطينيي غزة من “إسرائيل” بل لماذا نتخيل مجرد تخيل أن يقع صدام بالسلاح بين الشعب الفلسطيني الذي يقاوم “إسرائيل” فيضطر إلى الاشتباك مع قوة مسلحة مصرية تطبق الإشراف المصري على غزة فإذا بالنتيجة الدموية معروفة، بل هي مرفوضة مكروهة، خصوصاً أنها لم تحدث تاريخياً كما حدثت في بلاد عربية أخرى. ضمن ظروف معروفة!
أدرك جيداً قوة وطبيعة ودوافع المخاوف الأمنية المصرية، من تنامي قوة حماس والتيارات الدينية المتشددة في غزة، ومخاطر إقامة إمارة إخوانية مرتبطة بحركة الإخوان المسلمين داخل مصر، أو بالتمدد الشيعي الإيراني خارجها، وأعرف أن أصحاب المشروع الإسرائيلي الأميركي الأوروبي والعربي أيضاً، الذين يحرضون مصر على إرسال قواتها للسيطرة الأمنية على غزة، يغرونها بفكرة ضمان أمنها الوطني من خطر التشدد الديني الذي يمكن أن يحاصرها من الداخل والخارج، ولكنه في اعتقادنا إغراء فاسد بثمرة فاسدة، ذلك أن الخطر الحقيقي الذي يهدد مصر استراتيجياً عبر غزة وفلسطين هو الخطر الإسرائيلي أمس واليوم والغد، وهو ما يجب التعامل معه والاستعداد له في كل حين.
أما خطر التشدد الأمني في غزة أو في غيرها، فمازال تحت السيطرة، ونظن أنه لن يستطيع الخروج من تحت السيطرة، وإلا كان قد نجح الأصل في الداخل، ونعني حركة الإخوان المسلمين، ولنا مع كليهما ملاحظات خلافية عديدة.
والخلاصة.. من الخطأ الجسيم أن نجري مندفعين وراء ترويج أفكار ومشروعات مشبوهة، دون أن نتعمق حقيقة أهدافها، وأن نقع في خطيئة خلط الأوراق لنصل في النهاية إلى نقطة الصفر، حيث تبدأ إعادة إنتاج الأزمات، دون أدنى وعي أو تعلم أو اعتبار، حتى لدروس التاريخ!
خير الكلام: بدم القلب قبل دمع العين:
ما كنت أحسب قبل دفنك في الثرى
أن الكواكب في التراب تغور
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...