عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

لماذا امتنع الصهاينة عن التوجه للعملية البرية ضد حماس في غزة؟

لماذا امتنع الصهاينة عن التوجه للعملية البرية ضد حماس في غزة؟

قالت محافل عسكرية صهيونية أن المراجعات الأولية للحرب على غزة تظهر ان “إسرائيل” لم تكن متحمسة لعملية برية، قد تكون لها تكاليف عالية، حتى لو استقر عزمها على دخول غزة آنذاك، فيجب ان يكون بعد حساب دقيق، خاصة وقد مارست القاهرة في حينه ضغوط على حماس للموافقة على هدنة سريعة، وهبط في تل أبيب قطار جوي من دبلوماسيين يريدون وقفها، بالتزامن مع استعدادات الجيش المكثفة لتلك المرحلة.

وأضافت: القيادتان السياسية والعسكرية في ذروة الحرب على غزة أخذت في الحسبان حث حماس على قبول الهدنة دون حاجة لاستعمال القوات البرية نهاية الأمر، لأن الحديث هنا ليس عن وضع “كل شيء أو لا شيء”، مع وجود مجال واسع من الإمكانات لاستعمال الوحدات على الأرض، وتوفر درجات قوة كثيرة تحت احتلال كامل للقطاع، وهذا احتمال لا أحد في الجانب الصهيوني كان ولا زال معنياً به. وبعد مرور عدة أيام على انتهاء العملية على غزة، بدا واضحاً أن التهديد بعملية برية بقصد فرض تسوية على حماس بشروط جيدة لـ”إسرائيل”، منطقي وضروري، لكن الخطر الكامن تمثل حينها بالانسياق وراء الخطابة الصادرة عن الساسة، و”الرؤوس المتكلمة” في قاعات التلفاز بصورة قد تنتهي لخلل استراتيجي شديد.

من جهته، قال “عاموس هارئيل” المحلل العسكري أن قراءة تقييمية لأسباب عدم وصول المرحلة البرية ما زعم أنه “التفوق النسبي”، فقد حظيت المرحلة الأولى من العملية بنجاح، لأن الجيش استغل فيها مزاياه في التكنولوجيا المتطورة والتفوق الجوي المطلق والسيطرة الاستخبارية، وقد شارفت المرحلة الجوية على النفاد، بعد أن  هوجم جزء كبير من الأهداف المهمة، وبات سلاح الجو يبذل جهد في “صيد” خلايا إطلاق الصواريخ.

وأضاف: ما جعل الجيش يتباطأ في التوجه نحو العملية البرية فهمه الجيد أن هذه العملية ستجري في منطقة شديدة الاكتظاظ، وضغط زمني كبير، وكلما طالت هذه المرحلة أصبحت اختلالات مؤسفة، وقتل مدنيين، وتضاؤل الشرعية الدولية لاستمرار العملية، كما أن الاحتكاك على الأرض سيجعل دخول القوات البرية شديد السوء، والحاجة لحمايتها من الأخطار الكثيرة في القطاع ستقتضي استعمالا عنيفا جدا للنيران يزيد بصورة مطّردة عدد القتلى المدنيين في الجانب الفلسطيني، والضغط على تل أبيب لإنهاء الحرب.

وزعم قائلا: أن الكابح الأكثر تأثيرا في الحيلولة دون خروج الجيش للعملية البرية ما وصفها بــ”سياسة النيران”، المتمثلة بتوجيهات رئيس هيئة الأركان “بيني غانتس”، الذي شدد على اتباع سياسة نيران محافظة بغرض خفض المس بالمدنيين الفلسطينيين قدر المستطاع، مما يجعل النيران الجوية التي تستعملها تل أبيب أدق كثيرا وأقل تدميرا من التي تم استعمالها في “الرصاص المصبوب”، وساعدت على توريطها بتقرير غولدستون!

ومع ذلك، يختم “هارئيل” بالقول: يُشتق من هذا الانجاز نتيجة أخرى إشكالية، وهي ان قوة إصابة حماس ونشطائها المسلحين أقل كثيرا، وبدا واضحاً بعد انتهاء الحرب أنه حتى موجة الهجمات الشديدة الجوية لم تصنع ما يكفي لإصابة نظام حماس الدفاعي في القطاع، وبقي كثيرون من نشطائها في مواقعهم، ما كان يعني أن المقاومة التي ستلقاها قوات الجيش عند دخولها براً ستكون أشد، وقد يزيد عدد المصابين من الجنود بحسب ذلك، وكل ذلك منح حماس شعوراً بثقة بالنفس النسبية.

لكن ضابطاً في قيادة المنطقة الجنوبية رفض الكشف عن هويته برر عدم اللجوء للعملية البرية بالقول: هناك فرق في الخطط العملياتية، فقيادة المنطقة الجنوبية كانت تستعد حتى الفترة الأخيرة لعملية في نطاق ما، وجاء التجنيد الجماعي لقوات الاحتياط الذي أجازته الحكومة، ليوجب خطة مختلفة. وأكد أن صاحب أي عقل عسكري فهم عدم مشاركة جميع الوحدات المستدعاة من الاحتياط في العملية، لاسيما الوحدات غير القادرة على التكيف مع القوات الأكثر خبرة في الميدان، لأن الحديث هنا عن ظروف تختلف عما كان في “الرصاص المصبوب” التي تمت أكثر مراحلها بحسب خطة أُقرت قبل ذلك بزمن طويل. وأضاف: موانع أخرى منعت من التوجه برا في آخر أيام الحرب تمثلت في مشكلات لوجستية، والخشية من دخول القوات في حالة من الفوضى، وقد أُثيرت هذا المخاوف في لقاءات كثيرة مع جنود وضباط الميدان تتعلق بنوع الاستعداد اللوجستي للعملية، كاشفاً النقاب عن جهود كبيرة بذلها فرع التقنية واللوجستكا في التحسينات المطلوبة، خاصة عدم النظام، ونقص من الطعام الساخن والمعدات، بل عن عدم وجود طعام البتة أحيانا!  

وختم بالقول: رغم أنه لم يحصل لدى الجيش شك بأن الدخول البري لقطاع غزة، سيجبي من الفصائل الفلسطينية ثمنا أبهظ مما ستدفعه “إسرائيل”، لكن السؤال الذي سئل آنذاك: هل في الظروف السابقة في حينه شكل استمرار المواجهة أمراً ضرورياً، مع أمل انه يمكن صوغ مخرج سياسي، وهل ستُحسن ضربات أخرى لحماس توازن الردع على حدود القطاع؟ 

وكانت الإجابة أنه من الممكن جدا الانتهاء الآن، وتفعيل المكاسب التي حشدناها من قبل بدل مضاعفة الرهان، وينبغي عدم تجاهل مسألة طول نفس الجبهة الداخلية، لأنها مسألة سيكون من الصعب الحفاظ عليها زمنا طويلا مع رشقات صواريخ الجنوب، وإلا فإنه يخشى أنه برغم التحسينات في السنوات الأخيرة داخل الجيش، فان قرارات متسرعة كالعملية البرية ستجعله يواجه نسخة مكررة في الجنوب من حرب لبنان الثانية.

مجلة “بمحانيه” العسكرية، 30/11/2012

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات