عرفات بين ماذا وَمَنْ

حتى الآن يدور السّجال على النصف الأول من قضية أثار تأجيل ملفّها الغامض ريبة الكثيرين، فياسر عرفات لم يرحل البارحة أو حتى قبل عام، والرجل الذي ردد كلمة “شهيداً” ثلاث مرات، هو الآن على وشك ترديد كلمة أخرى حتى القيامة، وهي مسموماً مسموماً مسموماً.
مُبتدأ هذه الجملة السياسية هو ماذا قتل عرفات، أي ما الذي اسُتخْدم أداة لاغتياله البطيء؟ أما خبرها فهو مَن قتل عرفات؟ وبالتأكيد ليس ثمة فاصل بين اسمي استفهام هما ركنا المعادلة وطرفاها: ماذا ومَنْ؟
ما يقال علمياً، أو يُنسب إلى العلم هو أن التأكد من كون عرفات مات مسموماً لن يكتمل من دون إخراج جثمانه وفحص عينات من عظامه.. وبمرور الوقت تتضاءل فرصة هذا التأكيد، لأن السمّ الإشعاعي الذي وضع في ملابسه يتلاشى وجوده بعد مدة من الزمن، ولا ندري ما إذا كانت السنوات الثماني قد أنجزت هذا التلاشي بحيث يصبح اللغز أبدياً.
ما قتل عرفات يبقى مجالاً لمساجلات علمية، فالناس يُقتلون عادة بالسموم على اختلاف أنواعها، وبالخنق البدائي أو الرصاص، أما مَنْ هُو القاتل، فذلك هو السؤال الذي يثير الآن فضول أعداد غفيرة من الناس، سواء كانوا من الفلسطينيين أو من أية جنسيات أخرى، وأول ما ينصرف إليه الانتباه في جرائم من هذا الطراز، هو من المستفيد أو المستفيدون من غياب عرفات؟
هل هم الذين أطلقت عليهم أرملته سُهى المُسْتَورثين أو مُتَعجلي الحلول مكانه؟ أو أطراف أخرى نفذت قراراً صهيونياً بعد أن نُقل عن شارون أنه قال إنّ الموت أحياناً يحتاج إلى تدخل، وكان ذلك الرد على القول إن عرفات كان قد تجاوز الخامسة والسبعين ويعاني أمراضاً عدة.
إن الصفحات الأولى من هذا الملف ليست الحكاية كلها، فما لم يُفتح بعد هو ذلك الصندوق الأسود الذي يوضح الحقيقة كلها، ومن ثم تتحول قضية سُجلت ضد مجهولٍ إلى قضية أو جريمة اقترفها معلوم.
وإذا كان الناس في مثل هذا الحالات يسرعون إلى القرائن ويحشدونها لترجيح الشكوك، فإن ذلك لا يكفي قدر تعلق القضية بالتاريخ والقضاء، فأحياناً يكون الفاعل أبعد من كل هذه القرائن.
إن نبش القبور سواء كانت لأناس عاديين أو زعماء أو مفكرين، لم يعد مستهجناً إذا كان المقصود منه الكشف عن الحقيقة، فبعد موت نابليون بزمن طويل، اتضح بأنه مات مسموماً بالزرنيخ، وهناك من طالبوا بنبش قبر فنان إسباني عظيم الشأن هو “غُويا” لأسباب متعلقة بتشريح الدماغ، ولم يسلم حتى البرت أينشتاين من هذا الفضول العلمي.
ما سوف يترتّب على معرفة قاتل عرفات أو قاتليه، ليس أمراً عابراً، أو مجرد إثبات حالة مشكوك في صحتها، فالمسألة وطنية وأخلاقية بقدر ما هي سياسية.
والرجل الذي حوصر في أواخر أيامه، كان يتوقع العقاب من أعدائه سواء بالسم أو القصف، لكن هؤلاء الأعداء لن يصلوا إلى سريره وثيابه وحتى ملابسه الداخلية في المقاطعة التي كان محاصراً بين جُدرانها. إذاً، لا بُد من وسيط، فمن هو؟ وهل فعل ذلك بدوافع سياسية خالصة أو لأهداف قد تبدو مثيرة إذا تم الكشف عنها؟
هذا الفصل من الدراما الفلسطينية يُثير ما هو أبعد من الأسى، لأنه يفتح الباب على مصراعيه لمراجعة مواقف وميتاتٍ غامضة، ومن المفارقات أن هناك فيلماً فلسطينياً عرض قبل فتح ملف عرفات بشهر واحد، بطله شهيد واتضح أنه سُحق بسيارة تخص ذوي القربى.
صحيفة الخليج الإماراتية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس تهنّئ البابا ليو الرابع عشر لانتخابه رئيسًا للكنيسة الكاثوليكية
المركز الفلسطيني للإعلام تقدّمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بأصدق التهاني والتبريكات إلى البابا ليو الرابع عشر، بمناسبة انتخابه رئيسًا للكنيسة...

الحصاد المر لـ 580 يومًا من الإبادة الجماعية في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام نشر المكتب الإعلامي الحكومي ينشر تحديثاً لأهم إحصائيات حرب الإبادة الجماعية...

رامي عبده: خطة المساعدات الأميركية الإسرائيلية أداة قهر تمهد لاقتلاع السكان من أرضهم
المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، إن الخطة الأميركية‑الإسرائيلية التي تقضي بإسناد توزيع مساعدات محدودة...

قتلى وجرحى بتفجير القسام مبنى بقوة من لواء غولاني في رفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قتل عدد من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وأصيب آخرين في رفح، اليوم الخميس، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، فيما قالت كتائب...

شهيد وجرحى في سلسلة غارات إسرائيلية على جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن لبناني وجرح آخرون، في سلسلة غارات شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على جنوبي لبنان، اليوم الخميس، على ما...

حصيلة الإبادة ترتفع إلى أكثر من 172 شهيدا وجريحا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم الخميس، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 106 شهداء، و367 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

الادعاء الروماني يحيل شكوى ضد جندي إسرائيلي إلى النيابة العسكرية
بوخارست - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مؤسسة “هند رجب” أن المدعي العام في رومانيا أحال الشكوى التي تقدمت بها المؤسسة ضد جندي إسرائيلي إلى مكتب...