الأحد 11/مايو/2025

العمال الفلسطينيون .. أعدادٌ تتفاقم ومعوناتٌ لا تكفي ودورٌ حكوميٌّ مرتقبٌ (تقرير

العمال الفلسطينيون .. أعدادٌ تتفاقم ومعوناتٌ لا تكفي ودورٌ حكوميٌّ مرتقبٌ (تقرير

يستقبل أكثر من 120 ألف عامل فلسطيني “يوم العمال العالمي” بظروفٍ معيشيةٍ مأساويةٍ، بدأت قسوتها بعد منع الاحتلال العمال من العمل داخل فلسطين المحتلة منذ اندلاع انتفاضة الأقصى، واشتداد الحصار الصهيوني الجائر والظالم المفروض على قطاع غزة منذ عامين، ضمن سياسة تجويع الشعب الفلسطيني وإغلاق المعابر ومحاربة الناس في أقواتهم، حتى بات العمال لا يجدون ما يسدون به رمق أطفالهم الجوعى؛ فصور بطاقاتهم الشخصية تملأ المؤسسات والجمعيات الخيرية بانتظار مساعدات إنسانية لا تكفي لسد احتياجاتهم الأساسية، وتحاول الحكومة في غزة التخفيف من معاناتهم قدر الإمكان من خلال مساعداتٍ نقديةٍ على فتراتٍ وتشغيل جزءٍ منهم ضمن برامج بطالة تخفف من ظروفهم القاسية.

صرخات إنسانية

في هذا الصدد يقول أبو أحمد صالحة (53 عامًا) من مخيم جباليا أحد العاطلين عن العمل ومن العمال الذين كانوا يعملون في فلسطين المحتلة: “إن المعاناة أصبحت جزءًا أساسيًّا من حياة العمال الفلسطينيين الذين لا يجدون ما يسدون به رمق أطفالهم الجوعى بعد اشتداد الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة وتدهور الأوضاع الاقتصادية في المجتمع الفلسطيني”.

وأضاف: “لقد باتت لقمة العيش عند الكثير من العمال مُرَّة من جرَّاء إغلاق المعابر في وجه العمال وتدمير الاحتلال الصهيوني المصانع التي كانت تشغِّل الآلاف منهم، حتى أصبح رغيف الخبز مغموسًا بالهم والفقر”.

وتابع صالحة بصوتٍ يعتريه الألم: “أعيش مع أسرتي في منزلٍ صغيرٍ يتكوَّن من غرفتين وصالة صغيرة لاستقبال الضيوف الذين ما عدنا نستطيع ضيافتهم، بعد توقف العمل داخل “إسرائيل”، وأصبحت مريضًا بـ”الضغط والسكر” بعد تراكم الأعباء على كاهلي؛ فانا لا أتحمل المشاكل والديون التي حلت بي؛ فالعجز عن تلبية احتياجات أبنائي الأساسية فاقم من وضعي الصحي والمعيشي الصعب”.

وأضاف والألم يعتصر قلبه خوفًا على مصير عائلته بعد إغلاق المعابر أمام العمال قائلاً: “لا أعرف كيف سأتدبر حاجيات أبنائي وتوفير الحليب لأطفالي ومستلزماتهم”.

وقال صالحة: “أجبرتني الظروف القاسية على عمل عربة صغيرة، واستدانة بعض المال من الجيران لشراء بعض المواد الغذائية بغرض بيعها للناس في الأسواق، ولكن هذه العربة لا توفر قوت أطفالي رغم الساعات الطويلة التي أقضيها في البيع”.

وبعد لحظات صمتٍ انتابه خلالها شعورٌ بالحزن، قال: “إنني أشاهد بيتي في كل يوم يدمَّر أمام عيني وأنا عاجز عن تلبية أدنى المتطلبات الأساسية لأطفالي؛ فقد أصبحت أعتمد على المساعدات الإنسانية التي لا تكفي لشيء”.

ظروف قاسية

أبو محمد أحد العمال العاطلين عن العمل يقول من جهته: “في هذه الظروف القاسية التي يعاني فيها العمال معاناة لا تنتهي، والذين أصبحت جيوبهم خاوية، أخاطب ضمير كل مسؤول أن ينظر في قضية العمال والعاطلين عن العمل؛ فجيوب العمال فارغة وهي لا تزال تشاهد دموع الأطفال ولا تجد ما تسد رمقهم به”.

وأضاف: “حال العمال يشتكي إلى الله تعالى؛ فالرحمةَ بآهات الأطفال الجوعى وصرخات الزوجة التي ترى زوجها يخرج كل يوم للبحث عن العمل ولا يأتي إلا بجيوب فارغة.. أملنا في الله كبير ثم في الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة أن تعطيَ كل جهدها للصرخات الإنسانية التي يطلقها العمال”.

وتابع: “الحياة أصبحت صعبة لكل العمال، وما كنا نحصل علية أثناء عملنا داخل فلسطين المحتلة لا نجد منه شيئًا في غزة؛ فالحكومات السابقة كانت تمتص عرق العمال بحجة مساعدتهم”.

وعن رسالةٍ يوجِّهها إلى العالم قال: “كثيرًا ما يتحدث العالم عن الإنسانية، فأين هذه الإنسانية من إغلاق الاحتلال الصهيوني المعابر ومنع العمال من العمل داخل فلسطين المحتلة حتى أصبحت عائلاتهم في تعداد الفقراء والمحرومين من كل المتطلبات الأساسية للحياة؟! أين إنسانية هذا العالم من شعبٍ يموت تحت الحصار كل يوم ولا يعيش إلا على المساعدات المالية والإغاثة العاجلة فلا يجد ما يسد جوع أطفاله به؟! فالمصانع أغلقت بفرض الحصار؛ ما تسبَّب في انضمام الآلاف من العائلات الفلسطينية إلى قائمة الفقر والبطالة”.

دَور “العمل” والحكومة

وفي ذات السياق، أكد الأستاذ نبيل المبحوح مدير مكتب وزير العمل أن وزارته بصدد تنفيذ مشروعٍ خيريٍّ يُطلق عليه “صندوق الضمان الاجتماعي”؛ يستهدف في مرحلته الأولى كفالة 50 ألف عامل فلسطيني لمدة ستة أشهر بمبلغٍ لا يقل عن 100 دولار شهريًّا، مبينًا أن تنفيذ المشروع سيبدأ مطلع شهر أيار (مايو) القادم لعام 2009م بعد تحديث بيانات العمال العاطلين عن العمل؛ لاستفادة العمال الأكثر تضرُّرًا والأسر الفقيرة والطبقة المحتاجة التي تعاني من وضعٍ اقتصاديٍّ صعبٍ في ظل الحصار الصهيوني الجائر.

وأشار المبحوح إلى أن رصيد صندوق الضمان الاجتماعي سيكون من خلال استقطاع 5% من رواتب الموظفين في الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة ومنحة سيقدمها رئيس الوزراء الأستاذ إسماعيل هنية.

كما أشار المبحوح إلى أن عدد العمال العاطلين عن العمل وصل إلى أكثر من 120 ألف، وهو في ازديادٍ نتيجة التدمير الاقتصادي المستمر في قطاع غزة من قِبل الاحتلال الصهيوني الذي فرض حصارًا مشددًا أدى إلى تدمير الحياة الفلسطينية وتوقف معظم المصانع عن العمل وانتشار الفقر والبطالة في المجتمع الفلسطيني.

وأوضح المبحوح أن الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة بذلت جهودًا متواصلة من أجل الحد من ظاهرة الفقر والبطالة في القطاع من خلال تشغيل عمال فلسطين المحتلة ضمن برنامج تكافل يقوم على تشغيل العمال والخريجين والطبقة الفقيرة بعملٍ مؤقتٍ لمدة شهرين؛ لاستيعاب الأعداد الكبيرة من العمال والخريجين والأسر الفقيرة التي تفاقمت معاناتها في ظل الحصار الظالم على غزة.

وفي كلمةٍ إلى العمال الفلسطينيين بمناسبة “يوم العمال العالمي”، قال المبحوح: “نتقدم بالتحية إلى هذه الشريحة الصابرة والصامدة، والتي عانت الأمرَّين في سبيل الحصول على لقمة العيش؛ فقضية العمال الفلسطينيين صرخة تدوي في أسماع المنظمات العالمية والعاملين في مجال حقوق الإنسان والمؤسسات الإغاثية الدولية الذين لم يرحموا صرخات الأطفال المحرومين من أبسط حقوقهم والراغبين في عيش حياة كريمة مع آبائهم، والذين ما عادت بيوتهم تسد رمق جوعهم وحاجياتهم الأساسية”.

وطالب المبحوح المنظمات الإغاثية العالمية بضرورة تقديم مساعداتها الإنسانية إلى العمال الفلسطينيين الذين يعيشون أوضاعًا مأساوية؛ لاستهداف الاحتلال الصهيوني الفلسطينيين في لقمة عيشهم بفرض حصار جائر عليهم أدى إلى موت الكثيرين من المرضى على أسرَّة المرض في مستشفيات غزة المحاصَرة.

ومن جهةٍ أخرى، أظهرت إحصاءات رسمية أن حالة الفقر والبطالة التي استشرت بين الفلسطينيين بفعل الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة قد وصلت إلى 80%.

وتضيف الإحصاءات أنه من المتوقع أن ترتفع نسبة الفقر 10% على الأقل في حال استمرَّ الحصار الصهيوني على غزة، وأن ما نسبته 66.7% يعيشون في فقر مدقع نتيجة الآثار الناتجة من الإغلاق وزيادة معدل البطالة في ظل الحصار الصهيوني على غزة.

مع اختصاصيٍّ نفسيٍّ واجتماعيٍّ

الدكتور عبد الله محيسن الاختصاصي النفسي والاجتماعي بيَّن من ناحيته أن تدنيَ المستوى المعيشي عند الفلسطينيين نتيجة إغلاق المعابر أمام العمال يؤدي في كثيرٍ من الأحيان إلى مشاكل نفسية ينتج منها الخلافات الأسرية وفقدان ثقة الأطفال في أهلهم وفقدان الثقة في النفس، وكثيرًا ما يلجأ العامل العاطل عن العمل إلى استخدام العنف اللفظي والجسدي ضد أفراد أسرته للتفريغ عن الكبت النفسي الذي يدور في داخله.

وقال محيسن: “إن صعوبة إيجاد العمل الذي يريح بال الزوج العاطل عن العمل، وازدياد متطلبات الحياة الأساسية وعدم استطاعته توفيرها لأطفاله، يُشعره أنه يقف موقف المتفرج أو العاجز أمام جوع أطفاله”.

وأكد الاختصاصي النفسي والاجتماعي على ضرورة الإرشاد الأسري لتقوية العلاقات بين أفراد الأسرة وحل النزاعات بطريقةٍ عقلانيةٍ بعيدةٍ عن العنف، وضرورة تفريغ الفرد انفعالاتِه داخل الأسرة من خلال تأكيد الثقة في النفس والآخرين.

وأشار إلى أن المشاكل النفسية التي يمر بها العاطلون عن العمل أو أصحاب الدخل المحدود تؤدي إلى القلق والاضطراب أثناء النوم وعدم التوافق النفسي بين الزوجين.

وطالب محيسن الجهات الرسمية بخلق فرص عمل للعاطلين ورفع أجور العمال بما يتلاءم مع ارتفاع أسعار السلع للحد من الفقر والبطالة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات