انهزاميون لا يرون النَّصْر!

تمييز «النَّصْر» من «الهزيمة»، و«المُنْتَصِر» من«المهزوم»، في هذه الحرب الجديدة الدائرة بين “إسرائيل” والمقاوَمةالفلسطينية في قطاع غزة، هو أَمْرٌ مازال مدار جِدالٍ بين كثيرٍ من الناس؛ وبعضالمُشَكِّكين في انتصار المقاومة، وأكثريتهم من العرب، لا مِنَ الإسرائيليين، هُمْمن الذين لهم مصلحة في القضاء على المقاوَمة، وفي تحويل قطاع غزة من قلعةللمقاوَمة إلى حظيرة من الأغنام؛ وهُمْ في موقفهم هذا إنَّما يُثْبِتون ما هو فيحُكْم البديهية، ألا وهو أنَّ الناس يمكن أنْ يُعادوا بديهية كبديهية «الجزء أصغرمن الكل» إذا ما بَدَت لهم معادية لمصالحهم؛ إنَّ هؤلاء، في إنكارهم وعنادهم، مِنْقَوْم «عنزة ولو طارت»!
«الموضوعيون» مِنْ ذوي الخبرة والمعرفة في «الحروب»،ومِمَّن يَحِقُّ لهم تمييز «النَّصْر» من «الهزيمة»، و«المُنْتَصِر» من «المهزوم»،يقولون إنَّ جيشاً قوياً، كالجيش الإسرائيلي، يعجز عن الانتصار، هو جيش مهزوم،وإنَّ جيشاً ضعيفاً، كالمقاوِمين الفلسطينيين في قطاع غزة، لا يُهْزَم، هو جيشمنتصِر؛ فالنَّصْر (كما الهزيمة) هو دائماً بـ «معنى ما»، و«قياساً على..»،و«نِسْبَةً إلى..».
ولقد انتصرت المقاومة الفلسطينية في «الميدان» انتصاراًلا يُشكِّك فيه، ولا يُنْكِره، إلاَّ أحد اثنين: «الأسوأ من الإسرائيلي (العدو)»،وهو العربي الذي كان مِنْ قَبْل يَخْدُم، ويتمادى في خدمة، “إسرائيل” فيالسياسة والأمن والاقتصاد..، والذي تَحَوَّل الآن إلى خادِمٍ ذليلٍ لها، أو ذاكالذي يُسْتَحْسَن ألاَّ تجادله بالتي هي أحسن، أو بالتي هي أسوأ؛ لأنَّ دَيْدَنهدائماً هو طَلَبُ دليلٍ على وجود النهار في عِزِّ النهار!
انتصار المقاوَمة في «الميدان»، وبالمعنى «النِّسْبي»للانتصار، والذي لا معنى غيره يُؤْخَذْ به، في «عِلْم الحروب»، لم يكن مَوْضِعرَيْبٍ لدينا؛ لكن كانت لدينا «خشية»؛ وكانت خَشْيتنا أنْ تأتي «المفاوضات» بمايُبدِّد قِسْماً كبيراً من «الطاقة السياسية» التي انطوى عليها «النَّصْرالميداني»؛ فتَحْصَل حكومة نتانياهو على «اتفاقية»، تعطيها (سياسياً) ما عَجِزجيشها عن نَيْله في «الميدان»؛ فتُهْزَم المقاوَمة سياسياً وهي التي انتصرت(انتصاراً واضحاً جلياً) في الميدان.
أنْ تَنْتَصِر على عدوٍّ بوزن وقوَّة وشراسة العدوالإسرائيلي فهذا أَمْرٌ جَعَلَتْه «الانهزامية (القومية) العربية المُزْمِنة»معجزةً في زمن انتهاء المعجزات؛ وليس بالأمر الذي يعوزه دليل، أو يحتاج إلى إثبات،أنَّ الجيوش العربية، ولجهة قابليتها للهزيمة السريعة الكبيرة في حروبها مع «جيشالدفاع الإسرائيلي»، هي التي جَعَلَت هذا الجيش يبدو «جيشاً لا يُقْهَر»؛ فالفأرلا يرى وحشاً أقوى من القِط؛ أمَّا أنْ تَحْتَفِظ بالانتصار (وتُعَزِّزه) فهذاتَحَدٍّ لن تكون أهلاً له إلاَّ إذا تَسَلَّحْتَ (بـ) أو امْتَلَكْتَ «الصَّلابةالثلاثية»: «الصَّلابة الميدانية (أو الاحتفاظ بها)»، و«الصَّلابة الشعبية (أيْصلابة «الجبهة الداخلية»، أو «الحاضِنة الشعبية»)»، و«الصَّلابة السياسية (وفيالمفاوضات على وجه الخصوص)». ولقد أثبت قطاع غزة، بأهله، و«ائتلاف المقاوَمة» فيه،بجناحية العسكري والسياسي، أنَّه هو نفسه هذه «الصَّلابة السياسية»؛ فتَحْتالنَّار تقهقر الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقْهَر، وتَحْت النَّار لا بأس بأنْتُضطَّر حكومة نتانياهو إلى التفاوض (غير المباشِر) مع المقاوَمة الفلسطينية التييَلْبَس مفاوِضها الآن لبوس «الوفد الفلسطيني المُوَحَّد».
غزة قد تُقْتَل؛ لكنَّها لا تموت؛ وغزة لن تُهْزَم؛لأنَّها، ببساطة، «اسبارطة العرب»، والتي شرعت تحيي عِظام الأُمَّة وهي رميم!
غزَّة جدار وقلعة لا «حائط مبكى»!:
إنَّهم ليسوا «جيش الدفاع الفلسطيني»؛ بل «جيش اسبارطةالفلسطيني»، الذي يُقاتِل ببسالة وإقدام وجرأة ومهارة فَوْق الأرض، وتحت الأرض،وعَبْر الأنفاق، وفي البحر، والذي أَبْدَع إذْ أضاف إلى القوى البرية والجويةوالبحرية «القوى تحت الأرضية»، التي ما أنْ «صَفَّرَت» المسافة بين المقاتِلالفلسطيني والجندي الإسرائيلي حتى تأكَّدت للعدو، قبل الشقيق والصديق، قابلية«الجيش الذي لا يُقْهَر» للقهر والهزيمة.
وليس وحده الجيش الإسرائيلي الذي تعرَّى، أو عرَّتْهالمقاوَمة الفلسطينية، من «الأوهام العربية»؛ فما قوَّته وبأسه إلاَّ من نَسْجأوهام «الانهزامية العربية»؛ فثمَّة عَرَبٌ كُثْر تَعَرُّوا؛ تَعَرُّوا حتى من«العداء اللفظي» ل”إسرائيل”، ومن «الانتصار اللفظي» للقضية القوميةالأولى للعرب، قضية فلسطين، ولو بمعناها المُتَواضَع عليه (عربياً ودولياً) الآن؛وهؤلاء نَسْتَدل عليهم كما نَسْتَدِل على الشَّجِر من ثماره؛ فَهْم، وبَعْد أنْيتلفَّعوا بدموع التماسيح، ورهافة الحِسِّ الإنساني، وبالحِداد، وبالسياسةالعقلانية والواقعية، يتساءلون في سذاجةٍ قائلين: أما كان من الأجدى أنْ نَقْبَلدَعْوَةً إلى وَقْفٍ لإطلاق النار، في الأيام الأولى من الحرب التي شنَّتْها “إسرائيل”على قطاع غزة، وقَبْل أنْ تَنْشُر فيه آلة الحرب الإسرائيلية كل هذا الموتوالدمار؟
وفي السَّذاجة نفسها يتساءلون قائلين: أين هو النَّصْرالذي أَحْرَزَتْه المقاومة إذا ما كان ثَمَنْه كل هذا الموت والدمار؟ وهل حرَّرتالمقاوَمة أرضاً فلسطينية احتلتها “إسرائيل” في حرب 1967، أو قَبْلَها،حتى تتحدَّث عن «الانتصار»؟
هؤلاء هُمْ جميعاً من جِنْس «بروتوس»، أو «يهوذاالإسخريوطي»؛ وهُمْ قَوْمٌ لا يُميِّزون (لأنَّ مصالحهم تعمي أبصارهم وبصائرهم)انتصار المقاوَمة من «انتصار» “إسرائيل”؛ فالمقاوَمة انتصرت في «الحرب»،وفي «حربٍ نظيفة»؛ أمَّا “إسرائيل” المهزومة في الحرب، وفي القتال، فـ«انتصرت» في «القَتْل»، و«التَّقْتيل»، و«التدمير»؛ وكان كل هذا الموت والدمارالذي نشرته آلتها الحربية في قطاع غزة خَيْر شاهِد على «انتصارها (الوحشي)» هذا؛ ف”إسرائيل”تَفَوَّقَت على نفسها إذْ ارتكبت ما ارتكبت من جرائم الحرب، ومن الجرائم في حقِّالإنسانية، وإذ أمعنت وتمادت في انتهاكها للقانون الدولي الإنساني، في قطاع غزة؛ولقد كان ينبغي لهؤلاء «المتباكين»، الذين، عن عمد، لا يرون، ولا يريدون لنا أنْنرى، إلاَّ مَشْهداً واحداً من كل المشاهِد في قطاع غزة، هو مشهد «الكارثةالإنسانية»، أنْ يُحَمِّلوا “إسرائيل” مسؤولية كل هذا الموت والدمار،وأنْ يُبَرِّئوا ساحة المقاومة. وكان ينبغي لهم أنْ يتجشَّموا، قبل أنْ يلبسوالبوس «العقلانية» و«الحرص (الزائف) على الدم الفلسطيني»، إجابة السؤال الآتي: هلكان ممكناً أنْ تَقْبَل “إسرائيل”، في الأيام الأولى من الحرب، إنهاءحصارها لقطاع غزة، وهي التي رَفَضَت ذلك بعد شهرٍ من الحرب، وعلى الرُّغم من زيادةحجم الخسائر التي تكبَّدها جيشها؟
كان ينبغي لهم أنْ يسألوا أنفسهم هذا السؤال، وأنْ يجيبواعنه، إلاَّ إذا كانت غايتهم الكامنة هي وَقْف إطلاق النار مع بقاء واستمرار الحصارالإسرائيلي للقطاع، والذي هو أشَّرُّ الشَّرَّيْن!
أمَّا قياس «انتصار المقاومة» بـ «مسطرة التحرير (لأرضٍفلسطينية تحتلها إسرائيل)»، فهذا ما لا يَفْعَله
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

صاروخ يمني فرط صوتي يستهدف مطار بن غوريون ويوقفه عن العمل
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، إن القوات الصاروخية استهدفت مطار "بن غوريون" في منطقة...

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...

لازاريني: استخدام إسرائيل سلاح التجويع جريمة حرب موصوفة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، إن استخدام "إسرائيل"...

24 شهيدًا وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام اسشتهد 24 فلسطينياً وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر استهداف إسرائيلي بأحزمة...

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...

علماء فلسطين: محاولة ذبح قربان في الأقصى انتهاك خطير لقدسية المسجد
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت "هيئة علماء فلسطين"، محاولة مستوطنين إسرائيليين، أمس الاثنين، "ذبح قربان" في المسجد الأقصى بمدينة القدس...