عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

ضبط الإضطرابات في الأردن أسهل من ضبط نظيرتها في مصر وتغيير نظام الملك أمر مستبعَ

ضبط الإضطرابات في الأردن أسهل من ضبط نظيرتها في مصر وتغيير نظام الملك أمر مستبعَ

الملخّص

يشهد الأردن، على غرار مصر وتونس، اضطرابات واسعة لا مثيل لها أطلقت شرارتها جماعات المعارضة لتردّي الأوضاع الاقتصادية بشكل رئيسي. لكن على العكس من مصر وتونس، يُستبعَد أن يشكل ذلك تهديداً لنظام الحكم الأردني بسبب طبيعة المعارضة وشكاواها والانفتاح النسبي للنظام السياسي الأردني.

التحليل

بدأت جماعات المعارضة في الأردن تنظيم حركة احتجاج واسعة النطاق في الأردن في 28 كانون الثاني للاعتراض على ارتفاع أسعار الوقود والموادّ الغذائية. ولا تزال المظاهرات تسير في أرجاء البلاد منذ نحو ثلاثة أسابيع بدءاً بالعاصمة عمّان في 14 كانون الثاني، أي بعد وقت قصير من الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي عقب مظاهرات واسعة النطاق، وهي متزامنة مع مظاهرات معارِضة للحكومة أجّجت الأوضاع في مصر في الأيام الأخيرة.

على الرغم من أن أهمية الأردن لا تضاهي أهمية مصر في ميزان القوى في المنطقة، يُعتبر استقرار الحكومة الأردنية مصلحة حيوية لإسرائيل التي تشترك معها في حدود طويلة وفي اتفاقية سلام، كما يُعتبر مصلحة حيوية للولايات المتحدة. وبرغم أن مظاهر الاحتجاجات بين مصر والأردن تبدو متشابهة، فإن أوجه الاختلاف بين نظاميهما السياسيَّين والضغائن التي يحملها الشعبان للحكومتين تجعل الأردن أقل عرضة للخطر بكثير من مصر.

ترجع جذور آخر اضطرابات شهدها الأردن إلى الانتخابات البرلمانية التي جرت في تشرين الثاني 2010 والأحداث التي وقعت بعدها. وتفاصيل ذلك أن جبهة العمل الإسلامي، الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين الأردنية، أعلنت قبل شهور من ذلك التاريخ أنها ستقاطع الانتخابات متهمة الحكومة باعتماد قانون انتخابات يحابي المناطق الريفية التي تصوت على نحو تقليدي لصالح مرشحين موالين للنظام الملكي. وبرغم حدوث احتجاجات بسيطة بعد تلك الانتخابات، حصلت الحكومةُ الأردنية التي عيّنها الملك على ثقة البرلمان الجديد بأغلبية كبيرة.

لكنّ أعمال الشغب التي أسقطت النظام الحاكم في تونس أعطت حركة المعارضة الأردنية شحنة من الطاقة فنظمت مظاهرات في مدن غير عمّان مثل الزرقا وإربد والكرك والطفيلة والصلت. ووفقاً لتقديرات الشرطة، تجمّع 5000 شخص في عمّان في 21 كانون الثاني لتنظيم تظاهرات. وشملت هذه التحركات أعضاء من الإخوان المسلمين وأعضاء من جمعيات ونقابات مهنية متنوعة تطالب بتحسين الأوضاع المعيشية.

ومع أن الظروف الاقتصادية السيئة دافع رئيسي للاحتجاجات في كل من الأردن ومصر، غير أن نطاق أهداف الحركة الاحتجاجية من تحدي الحكومة مختلف في كل من البلدين. فلدى المحتجين الأردنيين مطالب محددة تدعو في الأغلب إلى خفض أسعار الوقود والموادّ الغذائية. وبعكس مصر أيضاً التي يهدف المحتجون فيها إلى إسقاط الرئيس المصري حسني مبارك بوصفه رأس النظام، لا يطالب المحتجون الأردنيون سوى باستقالة رئيس الوزراء سمير الرفاعي. إن تغيير رؤساء الوزراء أمر مألوف في الأردن، وسقف المطالبة باستقالة واحد منهم أدنى بكثير من سقف المطالبة برحيل الملك عبد الله الثاني.

كما أن الانفتاح النسبي للنظام الملكي البرلماني الأردني مقارنة بدولة الحزب الواحد في مصر التي تعيش في ظل نظام أقرب ما يكون إلى النظم الاستبدادية منذ عقود وجه اختلاف مهم آخر في الأوضاع في الدولتين. من نتائج ذلك أن حركة الإخوان المسلمين الأردنية نظّمت الاحتجاجات وساندتها علناً في حين يرزح الإخوان المسلمون المصريون تحت قيود أشدّ مخافة أن يعمد نظام مبارك إلى قمعهم. لكن برغم تنظيم هذه الاحتجاجات، شكلت حركةُ الإخوان المسلمين الأردنية كياناً سياسياً شرعياً ملتزماً بالأطر الدستورية منذ خمسينيات القرن الماضي، علماً بأن الانقسامات الإيديولوجية التي شهدتها الحركة تجعل تحديها للملك أمراً صعباً.

لا تحظى حركة الإخوان المسلمين بتمثيل في البرلمان في أي من البلدين، باستثناء محامٍ واحد عضو في إخوان الأردن عارض مقاطعة الانتخابات، لكن لأسباب مختلفة جداً. فقد قاطع إخوان الأردن الانتخابات التي جرت مؤخراً، في حين شارك مرشحو الإخوان في مصر في الانتخابات ولكنهم فشلوا في الفوز ولو بمقعد واحد بسبب الاشتباه على نطاق واسع بتلاعب الحكومة في الانتخابات. غير أن أكثر العوامل التي تهدد استقرار الأردن هو الشريحة الواسعة من سكانه التي أصلها من فلسطين. لكن لم يعد لدى هؤلاء المواطنين حركة سياسية منظمة تمثلهم منذ أن طرد الأردن منظمةَ التحرير الفلسطينية من أراضيه في سنة 1971، ودائرة المخابرات العامّة التي تتميز بكفاءة عالية جدا وبولائها للملك، وهو الأهم، ماهرة في اكتشاف أية تهديدات محتملة للنظام وتحييدها.

لذلك، يبدو أن ضبط الاحتجاجات المعادية للحكومة في الأردن أسهل من ضبط نظيرتها في مصر لأن التدابير الاقتصادية ربما تكون كافية لوحدها لتهدئة التوتر السياسي في الساحة الأردنية في المستقبل المنظور. وفي هذا الصدد، أعلنت الحكومة الأردنية عن تقديم إعانات بقيمة 452 مليون دولار للجم ارتفاع أسعار الوقود والموادّ الغذائية (وبخاصة السلع الرئيسية مثل الخبز)، ورفع الضرائب عن بعض المشتقات النفطية، فضلاً عن زيادة معاشات تقاعد الموظفين الحكوميين ورواتبهم. كما التقى المسؤولون السياسيون بأطراف المعارضة للتوصل إلى تسوية سياسية. وينبغي أن نشير إلى أنه لم ترد تقارير إلى الآن تتحدث عن اندلاع اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن.

إن تحديد مدة تأثير هذه العلاجات الاقتصادية مسألة أخرى. ونذكر أن الأردن شهد جموداً اقتصادياً قوياً في سنة 2009. واستناداً إلى صندوق النقد الدولي، أدى ارتفاع أسعار الوقود والموادّ الغذائية إلى زيادة التضخم بنسبة 5.5 في المئة في تشرين الثاني 2010 مقارنة بالفترة نفسها من السنة السابقة. وبلغت نسبة العجز في الميزانية 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويُتوقع أن يتباطأ النمو في سنة 2011. وبعكس الدول العربية الغنية بالطاقة، لا يحصل الأردن على عائدات نفطية ليضخها في اقتصاده أو يبني مخزوناً كبيراً من السلع الأساسية.

برغم هذه المصاعب الاقتصادية، يمثّل الانفتاح السياسي النسبي للنظام والغايات التي تطمح المعارضة إلى تحقيقها الأسباب الرئيسية التي تجعل عمّان أكثر ارتياحاً من القاهرة. وحتى إذا شهد الأردن اضطرابات متواصلة لتردّي الأوضاع الاقتصادية، يُستبعد أن تملك المعارضةُ الجرأة على تحدّي وجود النظام، ما لم يطرأ تغيّر جوهري على الديناميات في المنطقة بفعل أحداث تجري في دول أخرى.

مركز التنبؤات الإستخبارية، واشنطن

ترجمة: مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات