عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

الترسانة النووية الإسرائيلية سلاح للابتزاز السياسي

الترسانة النووية الإسرائيلية سلاح للابتزاز السياسي

صحيفة الوطن القطرية

لا أظن أن بمقدوري أو بمقدور أحد في هذا العالم أن يتكهن بما تنوي الولايات المتحدة الأميركية عمله خلال الأشهر القادمة مع القضية الساخنة والملتهبة التي تحمل اسم الملف النووي الإيراني بعد أن تصاعدت نبرة التهديدات باحتمال اللجوء لضربة عسكرية كبيرة في الوقت الذي تبحث فيه أميركا عن مخرج مشرف من ورطتها المهينة في المستنقع العراقي والسعي لتبييض وجهها في المنطقة باسم جدية الرغبة في حل المشكلة الفلسطينية.

ولكنني أعتقد ـ وربما يكون اعتقادي أقرب إلى اليقين ـ أن جزءاً كبيراً وأساسياً من أهداف ومقاصد السياسة الأميركية في المنطقة هو أن تضمن ل”إسرائيل” حق احتكار السلاح النووي في الشرق الأوسط وحدها دون شريك.. مع استمرار سياسة الضغط والابتزاز والتخويف لسائر الدول الأخرى التي تمتلك أو يشتبه في امتلاكها أسلحة كيماوية أو بيولوجية في إطار المساحة المحدودة بين إشارتي المرور الصفراء والخضراء فقط أما السلاح النووي فإنه الإشارة الحمراء المضاءة ليل نهار في وجه دول المنطقة باستثناء “إسرائيل”!

وربما يفسر ذلك بوضوح أن “إسرائيل” ـ بحماية أميركية صريحة لم تتوافر لأي دولة من دول المنطقة أو من خارجها حتى اليوم ـ تتمتع بالاستثناء من الانضمام إلى المعاهدة الدولية لحظر انتشار الأسلحة النووية.. وهي المعاهدة التي تستخدمها واشنطن لفرض العقوبات على بعض الدول في حالة عدم توقيعها بالانضمام!

وهذا هو سر الخوف والقلق الذي يسود العالم العربي ويجعله حائراً بين مطرقة السلاح النووي الإسرائيلي الجاهز للاستخدام وبين سندان الهواجس المحتملة لقرب امتلاك إيران القدرة على دخول النادي الذري!

وإذا كان هاجس الخوف العربي على مستقبل المنطقة وعدم الاطمئنان لإمكانية تحقيق السلام المنشود ظل لسنوات هاجساً مبنياً على احتكار “إسرائيل” للسلاح النووي في المنطقة فإن هذا الهاجس سوف يتضاعف أثره إذا دخلت المنطقة لعبة السباق النووي تحت شعار أن الضرورات تبيح المحظورات!

ولست هنا في معرض تأكيد الادعاءات الأميركية الإسرائيلية حول النيات الإيرانية لإنتاج السلاح النووي ولا أنا في معرض الدفاع عن حق إيران في ذلك، ولكنني أتساءل: لماذا إيران وحدها التي ينبغي حرمانها من حق تخصيب اليورانيوم بينما “إسرائيل” تجاهر والكل يعرف بما تختزنه في ترسانتها من رؤوس نووية؟

لقد كان يمكن لأميركا أن تجد دعماً وتأييداً واسعاً من كل شعوب المنطقة التي تلح منذ سنوات على فهم ودعم المجتمع الدولي لمبادرة الرئيس مبارك بجعل هذه المنطقة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل لو أنها أزاحت عن صدورنا كل المخاوف والهواجس التي تحشر المنطقة بأسرها بين مطرقة الترسانة النووية ل”إسرائيل” من ناحية وسندان الرعب من قرب امتلاك إيران للسلاح النووي من ناحية أخرى!

ولست أخرج عن سياق هذا الحديث عندما أقول إن ازدواجية المعايير الأميركية في هذه القضية بالذات تمثل أحد عوامل الشكوك العربية في أي اتفاق سلام يروج لإمكانية التوصل إليه سواء في المؤتمر الدولي الوشيك أو في أي إطار آخر!

أريد أن أقول بوضوح إن شعوب الأمة العربية ترى أن الخطر يبقى قائماً وماثلاً حتى لو تصورنا ـ بالوهم ـ أن “إسرائيل” يمكن أن تعود للصواب وأن تنفذ كل مقررات الشرعية الدولية والاتفاقيات المبرمة.. والسبب أن السلام يحتاج إلى تكافؤ القوى ولا يتحقق إطلاقاً في ظل الهيمنة والاحتكار والتفرد بإمكان ردع الآخرين… وكل دروس التاريخ ـ قديمه وحديثه ـ تؤكد بما لا يدع مجالاً لأي شك أنه ليس ممكناً أن يقوم سلام حقيقي في أي مكان بالعالم في غيبة من تكافؤ القوى.. فما بالنا إذا كان يراد للمنطقة أن تبقى تحت رحمة لحظة مجنونة قد يقوم فيها رجل مجنون ـ في تل أبيب أو في طهران ـ تحت ظروف يأس محبطة أو بناء على أي حسابات وتقديرات خاطئة بالدوس على زر الخطر النووي؟

إن السلام الحقيقي في الشرق الأوسط لن تقوم له قائمة إلا بإخلاء المنطقة بأكملها من كل أسلحة الدمار الشامل وما عدا ذلك هو وهم وسراب وضحك على الذقون!

ويخطئ كثيراً أولئك الذين يتوهمون أن بإمكانهم أن يضمنوا ـ إلى ما لانهاية ـ أن تبقى “إسرائيل” وحدها هي المحتكر الوحيد للسلاح النووي أو أن يتوقف الطموح لامتلاك هذا السلاح المدمر عند إيران وحدها!

ولست أقول ذلك من باب التخمين.. أو من أرضية ادعاء المعرفة.. وإنما أقول ذلك استناداً إلى أن ما هو قائم الآن أمر استثنائي وشاذ وضد طبيعة الأشياء.. والحياة لا تدوم مع الاستثناء أو مع ما يتم بناؤه ضد طبيعة الأشياء!

إن الشعوب العربية ليس بمقدورها أن تتجاهل إلى ما لانهاية تلك التقارير الدولية الموثوقة التي تؤكد أن “إسرائيل” تملك أكثر من 100 رأس نووي.. وليس هذا فحسب وإنما تملك وسائل إيصال هذه الرؤوس النووية إلى أهدافها صواريخ وطائرات وغواصات، وأن الترسانة الإسرائيلية تتضمن أنواعاً شتى من الأسلحة النووية كقذائف المدفعية والألغام والقنابل التي تحملها صواريخ أرض ـ أرض ، وصواريخ بحر ـ أرض وتلك التي تحملها الطائرات إلى جانب القنابل الهيدروجينية ذات القوة التدميرية الهائلة والقنابل النيوترونية التي تقتل بالإشعاع.. فضلا عما تملكه “إسرائيل” في ترسانتها من مخزون هائل من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية… مثلما لا يمكن تجاهل التقارير الدولية التي تتحدث عن 5 سنوات فقط تفصل بين إيران وقدرتها على إنتاج وامتلاك السلاح النووي.

فهل يمكن أن يصدق ـ أو أن يتوهم ـ أحد في أمتنا العربية أن “إسرائيل” تملك هذه الأسلحة النووية لمجرد العرض والزينة أو لكونها عامل ردع وقائياً فقط وأنها لن تفكر في استخدامها كما تروج لها بعض الدوائر الغربية ويصدقها بكل أسف بعض المحللين والمثقفين العرب المتأثرين بموجات التغريب والأمركة اللذين في ذات الوقت يبالغون إلى حد التهويل في الخطر الإيراني المحتمل الذي لم يزل جنيناً في رحم التخصيب!

وإذا قبلنا ـ لإثبات حسن النيات كما نفعل مراراً وتكراراً ـ بصحة هذا المنطق المغلوط الذي يستهدف تخدير العقل العربي عن التيقظ والانتباه للخطر الكامن في الترسانة الإسرائيلية والالتفات فقط إلى الخطر الإيراني الوشيك فإن السؤال المطروح هو:

أليس مجرد وجود هذه الأسلحة التدميرية بهذا الكم الرهيب يمثل سيفاً مصلتاً على رقاب دول المنطقة يوفر ل”إسرائيل” ـ ليس فقط ـ إرهاب وإزعاج الآخرين بل مواصلة الابتزاز السياسي والاستراتيجي على موائد التفاوض بشأن أي قضايا خلافية من موروثات الماضي أو من مستجدات الغد؟ … ثم أليس ذلك يوفر المبرر الذي يقترب من درجة الحق لأي دولة في المنطقة ـ بما فيها إيران ـ أن تسعى لامتلاك السلاح النووي؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات