عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

يتحدث لـ المركز الفلسطيني للإعلام عن واقع الثقافة الفلسطينية ودور المثقف

يتحدث لـ المركز الفلسطيني للإعلام عن واقع الثقافة الفلسطينية ودور المثقف

تعدّ الثقافة شرطاً لازماً من شروط الهوية الوطنية لأي شعب، وهي العامل الحاسم في استمرار وازدهار وتطور المجتمعات ومؤسساتها، على اعتبار أنّ الثقافة ـ حسب ما عرّفها المفكر الغربي إداورد تايلورـ “هي ذلك الكل المعقد الذي يتضمن المعارف والمعتقدات والفنون والآداب والأعراف والقوانين وغير ذلك من منجزات الإنسان كفرد أو كمجتمع”، بمعنى آخر، إنّ الثقافة هي المحصلة لحركة المجتمع على كافة الأصعدة الاجتماعية والسياسية والفكرية عبر التاريخ الموغل في القدم والمتصل بالحاضر، والقادرة على استشراف المستقبل وتحديد ملامحه.

والثقافة، كمؤسسة، ليست مجرد مرآة تعكس الواقع القائم كما هو، وليست فقط وسيلة لتشخيص الأوضاع ورصد اتجاهاتها؛ وإنما هي أيضاً أداة للتغيير والتطوير على كافة الصعد وفي مختلف المجالات، وبما يحقق الطموحات والتطلعات التي يصبو إليه أفراد المجتمع.

وعلى ضوء ذلك؛ فإنّ “المؤسسة” الثقافية الفلسطينية، معنية ليس فقط بحماية الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، وتعزيز مكونات تلك الهوية؛ وإنما هي أيضاً معنية بدعم المشروع الوطني التحرري ومساندته، وصولاً إلى استعادة الشعب الفلسطيني لكامل حقوقه المغتصبة، غير أنّ “المؤسسة” الثقافية الفلسطينية، خلال العقود الماضية، أصابها الوهن واعتراها الكثير من الإشكاليات، واكتنفها ما أحالها إلى ما يشبه المادة الهلامية التي يصعب تحديد أبعادها وتثبيت معالمها. جرى ذلك في الوقت الذي كان المطلوب فيه على الأقل، أن تتماهى الحالة الثقافية الفلسطينية مع عزيمة الشعب الفلسطيني وإرادته وإصراره على مواصلة المقاومة والنضال، حتى يحقق أهدافه في التحرير والعودة.

وللوقوف على واقع الثقافة الفلسطينية، وتلمس الدور الذي تقوم به المؤسسات الثقافية الفلسطينية والعاملون في حقولها؛ أجرى “المركز الفلسطيني للإعلام” حواراً مع الدكتور أسامة الأشقر، المدير العام لـ”مؤسسة فلسطين للثقافة”.

والدكتور الأشقر، أستاذ جامعي متخصص بالعلوم الإنسانية واللغوية، وهو أديب وباحث ومؤرخ وإعلامي فلسطيني بارز، نشر أحد عشر كتاباً، وكتب المئات من الأبحاث والدراسات والمقالات في مجالات الفكر والأدب والتاريخ والسياسة، كما أنه يشغل منصب مستشار لدى العديد من المراكز والمؤسسات والجمعيات الثقافية والساسية في العالمين العربي والإسلامي.

أما “مؤسسة فلسطين للثقافة”، التي يديرها الأشقر؛ فهي تسعى لرفد الحياة الثقافية الفلسطينية بكل ما من شأنه إعادة الاعتبار لدور الثقافة والمثقف في المشروع الوطني الفلسطيني وعلى الرغم من حداثة انطلاقتها، فقد أثبتت المؤسسة حضوراً مميزاً في المشهد الثقافي، وأوجدت لنفسها مكانة مرموقة بين المؤسسات الثقافية الفلسطينية والعربية والدولية. وفيما يلي نص الحوار.

 

الواقع الفلسطيني يتجه نحو فرز فكري واستقطاب أيديولوجي

ـ تمرّ القضية الفلسطينية الآن بمنعطفات خطيرة؛ هناك اندفاع من جانب رئاسة السلطة للانخراط في المشروع الصهيو ـ أمريكي، وهناك تحذيرات من محاولات يقوم بها رئيس السلطة محمود عباس، عبر جملة من المراسيم والقرارات والإجراءات، لفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة جغرافياً وسياسياً، وإقصاء حركة حماس عن الحياة السياسية الفلسطينية، وضرب المقاومة. كيف تقرأ الوضع الفلسطيني الراهن؟ وما هي الخيارات المتاحة أمام الشعب الفلسطيني لتجاوز الأزمة الراهنة؟

الدكتور أسامة الأشقر: الواقع الفلسطيني الراهن واقع تجزيئي، اكتملت فيه عناصر التجزيء السياسي والجغرافي بعد أن كان الانقسام السياسي هو شعار المرحلة السابقة. ومرجعية هذا التجزيء تعود للتناقض في البرامج السياسية للطرفين المختصميْن، وقد بدا أخيراً أنّ هذا التناقض السياسي بدأ يبلوِر نفسه في صراع فكري، حيث إنّ الطرف الأول، حركة فتح؛ باتت تمثل في تحالفاتها ومواقف بعض التنظيمات منها الحالة العلمانية على المستوى الفكري أكثر من التحالف على المستوى السياسي الوطني، بينما لم تتبلور الحالة الإسلامية في تحالفات حركة حماس نظراً للمسافة الحساسة بين حماس وحركة الجهاد الإسلامي، ومن الواضح أنّ الواقع الفلسطيني سيتجه نحو فرز فكري واستقطاب أيديولوجي وسيحمل معه بالتزامن مواقف سياسية منسجمة مع المرجعيات الفكرية.

ومن إيجابيات الواقع الراهن أنه خلق توازناً بين برنامجي المقاومة والتسوية على صعيد الأرض والشرعية الثورية، ولم تعد الحالة الفلسطينية مرهونة بفصيل سياسي بعينه، وأصبح الجميع مجبراً على محاولة التفاهم مع الآخر إذا أراد الاستمرار، رغم ما نراه من مواقف متشنجة لبعض الجهات ضد الأخرى.

 

علاقة المثقف بالسياسي

ـ أنت تدير مؤسسة متخصصة بالشأن الثقافي الفلسطيني، كيف تقوّم دور المثقف الفلسطيني، تجاه الأزمة الراهنة التي تمر بها قضيته الوطنية؟ وما هي برأيك طبيعة العلاقة القائمة بين الثقافي والسياسي في الساحة الفلسطينية؟

الأشقر: المثقف الفلسطيني جزء من التركيبة السياسية وهو ابن فصيل سياسي، ولا تكاد تجد المستقل على المستوى الثقافي، وقد انعكس ذلك على الأداء التعبيري للمثقف من خلال المستوى الفكري ومن خلال الرؤية السياسية. فعلى المستوى الفكري جرى فرز فكري بين المدرسة العلمانية والمدرسة الإسلامية، وانخرطت المدرسة القومية، في مرجعية الأمة؛ ضمن الرؤية الإسلامية العامة، وعلى المستوى السياسي فقد جرى المثقف في خدمة الفصيل السياسي الذي يتبع له، وكان بمثابة الصوت المعبِّر عنه والمدافع والمروّج والمحارِب.

وعلى ذلك؛ فدور المثقفين على المستوى الفردي وعلى المستوى المؤسسي كان لا يتمايز عن أدوار السياسيين، ولكنه أقلّ حراكاً ونشاطاً وفاعلية بمراحل عن دور السياسيين، بل إنني أزعم أنّ المثقف كان مجرّد أداة تستخدمها التنظيمات في تصفية حسابات سياسية أو ميدانية في زمن معيّن ينال عليها أجراً ثم تنقضي الحاجة إليه ويوضع على الرفّ، بينما تتعلق أعين بعض المثقفين على جُعالة أخرى في موقف آخر يبيعونه.

 

لا توجد نقابة ثقافية يمكن القول إنها تمثل كافة شرائح المثقفين

– المؤسسات الثقافية الفلسطينية جزءٌ منها يتبع منظمة التحرير ورئاسة السلطة، وهناك مؤسسات ثقافية تتبع هذا الفصيل أو ذاك، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة هناك مؤسسات ثقافية تتلقى دعماً خارجياً، في ظل انعدام وجود مظلة جامعة. هل تعتقد أنّ ما يجري هو محاولة لصياغة ثقافة “مؤسساتية” تكون موازية لثقافة الشعب الوطنية؟

الأشقر: المؤسسة الثقافية بمفهومها الجامع بين الفعل والالتزام الوطني قلّ أن تجدها، وما هو موجود اليوم يمكن تسميته بالدكاكين السياسية، فمؤسسات منظمة التحرير معطلة تماماً ولا يوجد هيكل أو نشاط لدائرة الثقافة أو دائرة التربية والتعليم ولا توجد نقابات ثقافية مستقلة أو منتخبة ديمقراطياً، ويخادعون بعضهم عندما يمارسون الديمقراطية فيما بينهم، فكثر من الفروع النقابية لا تسجّل في العضوية سوى أنصارها وتستبعد الآخرين إلاّ بمواصفات ديكورية هزلية، ولم أجد نقابة ثقافية واحدة يمكن أن أقول إنها تمثل شرائح المثقفين كافة.

لكنّ أخطر ما في هذه المؤسسات؛ هي المؤسسات التي يرتزق منها أصحابها من خلال منظومة الدعم الأجنبية، التي تركّز على موضوعات لا تعبر عن همومنا الوطنية والاجتماعية والسياسية، بل أصبحت بعض جامعاتنا في الداخل تتلقى دعماً مخصّصاً بشروط أجنبية للدراسة الأكاديمية، ويركّز هؤلاء على حقوق المرأة بالمفهوم الغربي، وحقوق الإنسان دون المعاداة للمنتهِك الكبير لحقوق الإنسان وهو الاحتلال، وتكريس فلسفة التعايش مع الاحتلال، وخلق مجتمع سلمي لا يمارس المقاومة المشروعة ضد المحتل.

وتعاني المؤسسات الوطنية من أزمة تمويل حادّة أدت إلى إلغاء الكثير وتعطّل الكثير في ظل إهمال رسمي وفصائلي للثقافة، حيث لا تشكل ميزانية الثقافة في وزارة الثقافة بالسلطة الفلسطينية مثلاً رقماً ذا بال، وهو يقل عن واحد في المائة من الميزانية العامة، يُصرَف معظمها في رواتب ومناشط احتفالية ونثريات إدارية، بينما أهملت الفصائل الفلسطينية الشأن الثقافي إلاّ في إطار الاستخدام السياسي للمنشط الثقافي.

 

الاتجاهات الثقافية محكومة بالتوجيه الحزبي المغلف بالمرجعيات الفكرية

– بعض المثقفين الفلسطينيين ما زالوا يردِّدون خطاباً غارقاً في الماضوية، وبعضهم يتسم فكرهم بالانفعالية الفجّة، وآخرون تجد أنّ خطابهم لا يعدو كونه قفزاً في الهواء؟ على ضوء متابعتك للاتجاهات والتيارات الفكرية والأيديولوجية في الساحة الفلسطينية؛ إلى أين يتجه مسار الفكر الفلسطيني؟

الأشقر: المثقف الفلسطيني كما قلنا هو انعكاس لموقف فصيله السياسي أو الفكري وليس ثمة قامات ثقافية أو رموز مستقلة يمكن أن تشكّل مرجعا مقبولاً لدى الجمهور الفلسطيني المسيّس والمفروز. وأسوأ ما في الأمر هو غياب الاجتهاد في الفكر الفلسطيني وغياب المبادرة وغياب الديمقراطية بينهم (المثقفين)، بل إنّ المثقف الفلسطيني جزء من الأزمة السياسية، والاتجاهات الثقافية محكومة بالتوجيه السياسي الحزبي المغلف بالمرجعيات الفكرية. نحن نحتاج إلى انتفاضة حقيقية للثقافة الفلسطينية لتعيد دور الفكر والثقافة في التوجيه وقيادة العمل السياسي، من خلال إعادة إحياء المؤسسات الوطنية ودعمها، والاتفاق على ميثاق وطني ملتزم غير قابل للتعديل السياسي؛ يمثل الإطار الفكري والوطني الشامل للشعب الفلسطيني.

 

مؤسسة فلسطين للثقافة

– لنتحدث عن مؤسسة فلسطين للثقافة، والتي تديرها؛ متى انطلقت المؤسسة، وما هي أهدافها، ومن هي الجهات التي تدعمها؟

الأشقر: مؤسسة فلسطين للثقافة مؤسسة ثقافية وطنية ملتزمة، ليست خطاباً سياسياً لأي جهة، عبّرت عن نفسها من خلال هويتها المنشورة في موقعها الإلكتروني، وُلدت في دمشق في صيف عام 2006، وانتشرت فروعها في لبنان وغزة وقريباً في الضفة الغربية وأرضنا المحتلة عام 1948، وتعتمد في

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات