السبت 10/مايو/2025

قمة الرياض غزل الفرصة الأخيرة

أ.د يوسف رزقة

سنوات خمس عجاف من عمر المبادرة (السعودية/ العربية) هي الواقعة بين (قمة بيروت 2002م ـ والرياض 2007م) بسبب الإهمال الإسرائيلي الأميركي لها من ناحية، وضعف الأداء العربي من ناحية أخرى، واليوم قررت إسرائيل أن المبادرة العربية جميلة وتستحق مديحاً وغزلاً، ولا بأس أن يشارك في هذه المهمة من القيادات (أولمرت، وبيرتس، وبيرس)، ومن الصحفيين (أولوف بن ـ من هآرتس وأورلي أزولاي ـ من يديعوت أحرنوت مراسلة الصحيفة في قمة الرياض العتيدة)، ومن غزلهم ما هو جدير بالتأمل وإعادة الإنتاج، ومنه:

من ألوف بن في هآرتس 29/3/2007م: “على السعوديين أن يرفقوا مبادرتهم بإرسال رسائل واضحة مطمئنة للشعب الإسرائيلي، من أجل ترجيح كفة المؤيدين للتفاوض” . ( الطمأنينة الغائبة إسرائيلياً قاعدة مهمة في الدبلوماسية الإسرائيلية الأميركية، وهو ما كررته رايس في رسالتها الأخيرة إلى (القمة ؟!!).

من أورلي أزولاي في يديعوت 29/3/2007م: “لا يمكن التغاضي عن قوة العائلة الملكية السعودية التي أخذت تصبح بالتدرج عامل تأثير رائد في الشرق الأوسط).

ولكي تدلل على هذا الاكتشاف المتأخر قالت “رئيس سوريا بشار الأسد طلب من الملك عبد الله ضمه إلى الرباعية العربية).

وفي قراءة استشرافية لطلب بشار الأسد قالت : “الأسد يفهم أنه ستنشأ قريباً خطوة سياسية ترمي إلى حلّ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني”.

الأسد بحسب أزولاي ـ لا يريد أن يبقى خارج الرباعية العربية، عين له على الجولان وأخرى على إيران، في الوقت الذي تتبلور فيه طبخة سياسية ما، فلم لا يمسك بالطرف الآخر من الورقة الفلسطينية ويكونا معاً في حفلات الرباعيات. (هذا يحتاج إلى موافقة الأطراف ذات الصلة).

من ألوف بن في هآرتس قال؛ قال أولمرت :”لنشرع في حوار مع السعودية، فقمة الرياض أثبتت تغييراً”. (المطلوب فلسطينياً أن نبحث عن التغيير الذي رآه أولمرت، لأن ما يقال لنا عربياً أن القمة أعادت إحياء المبادرة العربية لأكثر ولا أقل؟!!).

أولمرت الذي شاهد التغيير ببصره وبصيرته يقول مادحاً التفهم العربي الجديد: “المؤتمر في الرياض هو بالتأكيد موضوع جدي، نحن لا نوهم أنفسنا، المضمون هام، ولكن مهم أيضاً التعاطي مع الأجواء، توجد هنا مسيرة أكدها القتال في لبنان، مسيرة أدت بالدول العربية لأن تبدأ الفهم بأن بين كل المشاكل التي لديها، إسرائيل ليست أكبرها؟!!” (استبدال مركزية الصراع جزء من استراتيجية إسرائيلية أميركية، وأي تعاطي معه يستحق المديح والتشجيع، لأنه بداية للفهم؟!!).

ولأن مؤتمر قمة الرياض ـ بحسب أولمرت ـ موضوع جدي، وبداية فهم عربي !! فإنه لا مانع من البحث في آليات العمل، يقول أولمرت :” سيسرني المشاركة في لقاء (قمة إقليمي) يمنح دعماً لمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين”.

هذا المؤتمر الذي نقل فكرته بين الأطراف (بان كي مون) وحظي بتفهم ما من الأطراف مع بعض التعديلات، جعل أولمرت يقول: “السعودية هي الدولة التي ستقرر في النهاية قدرة العرب على الوصول إلى حل وسط مع إسرائيل. نحن لا نبالغ في هذا الموضوع، ولكننا لا نستخف به، سنتصرف في هذه المسألة بتفهم حذر، منطلقين من الاستعداد لخلق آلية تحسن المسيرة وتعزرها”.

(مَنْ عنوان التسوية، مصر أم السعودية؟! الرباعية العربية أم الجامعة العربية ؟! أمور مهمة في القراءة الفلسطينية، ولكن الأهم منها مضمون التداول، والحضور الفلسطيني المستقل؟!).

من ألوف بن في هآرتس 1/4/2007م نقلاً عن التايم الأميركية والصحفي (جو كلاين) صاحب كتاب (ألوان الحكم) عن بيل كلنتون الرئيس الأميركي السابق، قال أولمرت: “إذا تسنت لي فرصة لقاء الملك عبد الله فإنه سيفاجأ جداً مما لدى لأقواله”. (هكذا اكتشف أولمرت المبادرة السعودية بعد خمس سنوات !! لماذا الآن؟! لماذا لم يكتشفوا هذا المثير من قبل؟!! هل تمّ إزالة الحجب المعيقة للكشف المذهل ؟! وكيف تمت عملية الإزالة؟!!. الإجابة لا تتوفر في الصحف لأنها مازالت في أدراج القيادات. والمهم أن استطلاعات الرأي في إسرائيل انتعشت بسبب هذا الغزل حيث سجل 56% ممن سمعوا بالمبادرة السعودية تأيدهم لها، ولكن المشكلة أن 72% قالوا إن حكومة أولمرت ضعيفة وضعفها يمنعها من الاستجابة الحقيقية للمبادرة.

ولعل ما دفع (زئيف تساحور في يديعوت 1/4/2007م) إلى القول متخوفاً: “المبادرة الحالية فرصة نادرة لإحداث سلام شامل في الشرق الأوسط، ورفضها قد يفضي إلى حرب بين إسرائيل وجاراتها كما أفضى رفض غولدا المبادرة المصرية في السابق إلى حرب 1973م”.

يقول خبراء في الغزل السياسي؛ من أجل النجاح فإن السياق العام يقتضي :

أولاً: تهديد غزة بالاجتياح العسكري كما يقول اشكنازي رئيس الأركان تحت حجة تعاظم قوة حماس.

ثانياً: إلى الضغط على رئيس الوزراء إسماعيل هنية واتهامه بالإرهاب، وتمويل جماعات إرهابية.

ثالثاً: إلى استبقاء الحصار على الحكومة وتعميق الأزمة بالتعامل الانتقائي مع الوزراء، ودفع رئيس الوزراء ووزراء حماس إلى الهامش، ومن ثمّ إما الموافقة على غزل ما بعد القمة ومقررات الرباعيتين، أو الرحيل؟!!

في القمة العربية ثمة رغبة لدى الرباعية العربية للتعجيل في خطوات التسوية قبل نهاية رئاسة بوش، وقبل سقوط حكومة أولمرت، وهو أمر يستحق التأمل لأنه يخالف منطق الأشياء”. وهو يدفع مراقباً للقول بأن العجلة تستجيب لرغبة أميركية لتحسين وضع الجمهوريين في الانتخابات القادمة، بإحداث اختراق في الساحة الفلسطينية بعد الفشل في الساحة العراقية، وهذا هو تفسير زيارات رايس المكوكية الأخيرة التي لم نعتد عليها من قبل.

ما قبل القمة كان (بندر بن سلطان ـ ورايس ـ والرباعية العربية ـ واتفاق مكة المكرمة) وهذا مهد للقمة ورفع حرارة الغزل، ونوّع الرسائل، وما حدث في القمة بحضور (بان كي مون ـ وسولانا ـ وحماس) يمهد لما بعدها، وما بعدها قال فيه أولمرت “نشهد آليات جديدة لإنجاز تسوية يمكن أن تحدث خلال خمس سنوات)؟؟!

وقال فيه بيرتس وزير الدفاع: “الإجماع العربي تبنى مبدأ إنهاء النزاع والتطبيع مع إسرائيل كجزء من الحل، وهذا مهم”

وقال فيه بيرس نائب رئيس الوزراء: ” .. الجدل يدور حول التكتيك، فلنجلس معاً ونتوصل إلى اتفاق”.

قديماً استمتعت ليلي بغزل قيس بن الملوح، ورفعت قامتها بين قريناتها، غير أن الوالي فرق بينهما، وهام قيس في الصحراء يغني للوحوش ولليلى، واليوم في إسرائيل ثمة غزل بالمبادرة السعودية، ومديح للملك عبد الله صاحب الكلمة النافذة، والعرب في عادتهم يحبون الغزل ويحبون المديح، فهل ينتهي هذا إلى اتفاق أم نحن ذاهبون إلى الصحراء، أو قل إلى الأرشيف ؟!!

الغزل له أصول وله مقدمات، ولا يحدث عادة فجأة، ومن مقدماته (بندر بن سلطان رجل المهمات الإستراتيجية، ولقاءات الرباعية، وبتدل مركزية الصراع، وحاجة سوريا وفلسطين إلى التسوية). إنه لمن السذاجة أن نعتقد أن ما يحدث كان بلا تخطيط وبلا إدارة، فالمبادرة العربية قضت في أرشيف النسيان والإهمال خمس سنوات واليوم تمتد إليهما أيادِ عربية وغير عربية لإلباسها ثوب زفاف جديد مازالت تنتظر إتمام نسجه وتزيينه في مصانع ما بعد القمة، فما الخيوط السحرية التي سيتم إضافتها، وما الرسومات الجميلة التي سيتم إلصاقها، وهل ثمة (عصاً وجزرة) في قمة الرياض، أو فيما بعدها؟! في الساحة الفلسطينية من ينتظر الجزرة، وفيها من تعجبه العصا، وكل في يد الوالي، والفرصة القائمة أخيره فاحذروا على حدّ تعبير الملك عبد الله الثاني، والرئيس محمود عباس.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات