الإثنين 05/مايو/2025

ضمّ الضفة.. إنتاج جديد لحماية أمن إسرائيل

ضمّ الضفة.. إنتاج جديد لحماية أمن إسرائيل

دائمًا الأمن أولاً في أولويات “إسرائيل”، دولة الاحتلال التي قامت عام 1948م، وأنشأت معها مؤسسة عسكرية خاضت حروبًا، واحتلت أرضًا من دول الجوار لتعزيز أمنها وخدمةً لمشروعها السياسي.

وظهر البعد الأمني قويًّا في اتفاقيات السلطة الفلسطينية مع “إسرائيل” بدءًا من اتفاق (أوسلو) 1993م -غزة أريحا 1994م- وطابا 1995م و(واي ريفر الأولى والثانية 1998-1999م) وحتى وثيقة (ميتشل) 2001 وخارطة الطريق 2002م وما تلاها حتى انقطعت المفاوضات 2014م.

وشكّل التنسيق الأمني ونبذ المقاومة المسلحة جوهر كل ما جرى من اتفاقيات، ومع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000م، وعملية “السور الواقي” 2002م، ثم حصار عرفات اجتاز الاحتلال كل الخطوط؛ خدمةً لأمنه.

اليوم تعود الضفة المحتلة لسابق عهدها تحت حكم الإدارة المدنية الإسرائيلية مع إحكام القبضة الأمنية التي خدمتها سنوات طويلة من التنسيق الأمني مع أجهزة السلطة الفلسطينية ضعفت معه أشكال المقاومة الشعبية الفلسطينية.

التركيز على الأغوار في خطة الضم ذات الموارد الاقتصادية والطبيعية هو تمتين لقوة “إسرائيل” الأمنية والعسكرية فوق منطقة حدود طبيعية تفصلها عن الأردن وتجهز على خيار إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

تعزيز الأمن

ولم تقدم (إسرائيل) على إعلان بدء خطة ضم أجزاء من الضفة المحتلة وعلى رأسها منطقة الأغوار إلا بعد اكتمال رؤيتها العملية لتعزيز السيطرة الأمنية على مناطق جديدة أكملت سيادتها فوقها.

وكانت السلطة الفلسطينية أعلنت مايو الماضي تحللها من الاتفاقيات الموقعة بينها وبين حكومات “إسرائيل” والولايات المتحدة، في حين ثار سؤال: كيف ستترجم السلطة موقفها العملي؟!

ويؤكد د .إبراهيم حبيب، الخبير في الشؤون الأمنية، لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أن الاحتلال سيكرس واقعه الأمني دون تغيير، في حين سيتغير فقط الإطار القانوني والإجراءات الميدانية في مناطق السيادة الكاملة الجديدة.

ويضيف: “الاحتلال يسيطر من قبل على كامل منطقة C وهي معظم أرض الضفة، وله حواجز ومناطق عسكرية لن تتغير. الأغوار تضم 65 ألف فلسطيني يقطنون مناطق ريفية وبدوية متباعدة دون كثافة سيكون لهم إقامة وليس مواطنة كاملة”.

وبدأ الاحتلال ممارسة دوره الإداري والأمني مؤخراً بإصدار أوامر إدارية وفواتير المياه والكهرباء على مناطق الضم المستهدفة بما يشابه عهد الإدارة المدنية الإسرائيلية السابق لقدوم السلطة الفلسطينية.

ويقول محمد مصلح، المختص في الشؤون الإسرائيلية: إن شركاء نتنياهو في خطة الضم لا يعرفون كثيراً من تفاصيلها، حتى الجيش لا يملك تعليمات للعمل حتى الآن.

التنسيق الأمني وعقيدة أجهزة السلطة الفلسطينية حاربت المقاومة المؤثّرة بالضفة  والقدس المحتلة، وإذا كانت خطة الضم الجديدة ستوفر تماساً مع جنود ومستوطني الاحتلال، فإن طريق المقاومة يحتاج لجهد كبير لاستعادة قوته.

خصوصية الأغوار

النظرية الأمنية الإسرائيلية قديماً قامت على تعزيز التفوق العسكري والأمني إقليميًّا، لكنها بعد مشاريع السلام حيّدت أطرافًا مهمة كمصر ومنظمة التحرير، وحرفت الصراع لساحات دبلوماسية وسياسية منحها فرصة التهويد.

الأغوار تشكل قرابة 30% من الضفة، ولها موارد مائية واقتصادية، وهي سلة فلسطين الغذائية، وتعدها “إسرائيل” مهمة إستراتيجياً كحدود طبيعية شرقية.

عودة الإدارة المدنية الإسرائيلية أو ما يصفه البعض بروابط القرى لن ينهي مؤسسات السلطة الفلسطينية، بل سينقل المهمات الإدارية والوظيفية من السلطة للاحتلال لتكون السيطرة الأمنية الكاملة لـ(إسرائيل).

ويقول المحلل حبيب: إن اكتمال سيادة الاحتلال على الأغوار يعزز أمنه في شرق فلسطين المحتلة وحدوده مع الأردن، ويحد من مستقبل الفلسطيني السياسي هناك.

ويتابع: “الاحتلال منذ عام 1968م يشدد على عدم التفريط بالسيطرة على الأغوار. الفلسطيني في المناطق المحتلة عامةً حافظ على هويته الثقافية والوطنية ولم يتنازل”.

جغرافيا الأغوار صعبة لأي عمل عسكري، والاحتلال مهتم بالسيطرة دوماً على المناطق المرتفعة فيها وفي غرب الضفة ضمن سلاسل جبلية في الأغوار وغرب وشرق الضفة.

ويرى المحلل مصلح أن الاحتلال أشار لأهمية الأغوار في خطة (ألون) بعد عدوان 1967م، والتي سعت لتقسيم الضفة وضم الأغوار وكل المناطق المرتفعة والإستراتيجية؛ لضمان أمن الاحتلال.

ويضيف: “الاحتلال سعى دوماً لحدود مكتملة، وليست ناقصة، والاكتمال لن يكون إلا بضم الأغوار من جهة أمنية واقتصادية”.

الديمغرافيا والأمن

رغم هيمنة اليمين واليمين المتطرّف على القرار الإسرائيلي إلا أن ديمغرافيا الضفة بعد الضم مجال نقاش داخلي إسرائيلي يتجاهله اليمين ويتحدث عنه آخرون.

خطة الضم من جهة أمنية تركز على 30% بمساحة 1500 كم يسكنها 65 ألف فلسطيني، وهي تجمعات متباعدة لا تشكل -حسب رؤية المحلل حبيب- خطراً ديمغرافياً عليه.

أما المحلل مصلح فيلفت النظر إلى أقوال عدد من قادة الاحتلال أكدوا أن خطة الضم انطلقت من بُعد (نتنياهو) الديني، وأنها مستقبلاً ستنهي حلم دولة “إسرائيل”.

ويتابع لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “أصحاب رؤية يهودية الدولة يتجاهلون الخطر الأمني والديمغرافي، أما معارضو نتنياهو فيحذرون من خطر ديمغرافي فلسطيني سيهدد أمن إسرائيل مستقبلاً ومشروع إسرائيل الكبرى”.

وأصدر الكنيست عام 2018م قانون يهودية الدولة الذي يهدد مستقبل فلسطينيي الداخل، وهم خمس سكان كيان الاحتلال، وقد ألمح -قبل عام- (يوسي بيلن) مهندس اتفاق (أوسلو) أن ضم الضفة يحمل خطراً ديمغرافياً على “إسرائيل” مع زيادة السكان الفلسطينيين.

لن تنهي خطة الضم واقع مؤسسات السلطة الفلسطينية مع تراجع دورها الإداري والوظيفي، وقد تكون الأزمة المالية للسلطة مقدمة لتدجين الشارع الفلسطيني قبل طرح جديد من التفاهمات الفلسطينية- الإسرائيلية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات