الثلاثاء 13/مايو/2025

الصائغ المقدسي رامي النابلسي وحكايته في جمع المقتنيات الفلسطينية

الصائغ المقدسي رامي النابلسي وحكايته في جمع المقتنيات الفلسطينية

من بين الغبار والرائحة المميزة للكتب القديمة، يخرج الصائغ المقدسي رامي النابلسي (37 عامًا)، الذي يصف نفسه بـ”عاشق جمع المقتنيات القديمة والأثرية”، من البلدة القديمة في القدس؛ حيث محلّ والده الذي ورثه عنه، والذي لا يبعد سوى عشرات الأمتار عن أبواب المسجد الأقصى المبارك.

قد يكون المحل الواقع في حي “عقبة السرايا” بالبلدة القديمة مُبعثرًا وفوضويًّا للوهلة الأولى، لكن بعد التمعّن فيه، ستجد ما لم تره عينك من قبل.. مقتنيات عمرها تزيد عن مائة بل مائتيْ عام، قد جمعها منذ أن كان طفلاً في المدرسة.

“لكل شيء قيمة”

“كنت أجمع مصروفي وأشتري به قِطعًا قديمة، ويبدو أنني ورثت ذلك عن والدتي، فهي كانت تجمع كل شيء تراثيّ أو قديم ولا تفرّط بأي قطعة مهما كانت، فهي تؤمن بأن لكل شيء قيمته، قد لا نقدّرها اليوم، ولكننا سنقدّرها غدًا”، يقول النابلسي لـ”قدس برس”.

ويضيف: “لم أكن كباقي الأطفال.. أشتري الحلوى والسكاكر، بل كنت أدّخر ما لديّ لشراء ما يُلفت انتباهي ويُثير فضولي”، ويُشير إلى أن أول قطعة حصل عليها عندما كان في العاشرة من عمره، أهداه إياها والده وهي عملة نقدية عراقية تم صكها عام 1933 وكانت مثقوبة؛ حيث وضعها على شكل “مسْبَحة”، لتكون دافعًا له في جمع كل ما يحمل قيمة معيّنة.

كان والد رامي يعمل حدّادًا، وعندما توفي أُغلق المحل سنوات طويلة، لكنّ الشاب المقدسي بعث فيه الروح من جديد قبل نحو عامين، حينما اقترحت عليه شقيقته بأن يستغلّ هذا المحل القديم لهوايته أولًا، ولعمله في الصياغة ثانيًا.

عودة إلى الوطن

عاش في الغربة عدة سنوات، لكنه لم يتحمّل البعد عن المدينة المقدّسة التي وُلد فيها وكبر بين أحضانها، ولعب في أزقّتها، ليترك كل ما لديه في الخارج، ويعود لأرض الوطن ويفتح محل والده، فوضع فيه أدوات النجار البدائية، والأواني العثمانية، ونسخًا من أعداد قديمة لصحف “الجهاد” و”الدفاع” و”القدس”.

يعترف رامي بأنه مُثير للفوضى في منزل العائلة الملاصق للمحل في “عقبة السرايا”، ويقول: “عندما اقترحت عليّ شقيقتي فتح المحل، قلت إنني من جهةٍ سأمارس هوايتي في تجميع المقتنيات القديمة، وفي الوقت ذاته أستطيع أن أعمل في صناعة الحلي والإكسسوارات”.

وعند مدخل محل النابلسي، عُلقت سلة مصنوعة من “القش” تلفت الانتباه، وحينما سألْنا عنها، قال رامي “هي بحسبة ثلاجة قديمة، كان أجدادنا يخبئون الطعام بداخلها”، وعلى يمين المدخل “تذكرة الحرم”، يوضح رامي أنه كان من يزور المسجد الأقصى من السائحين يحصل على تذكرة للمسجد الأقصى، وهي عبارة عن كتيّب صغير يقدّم شرحًا حول المصلّيات والقباب والكتابات التي يصعب على المسلم نفسه أن يقرأها بسبب الخطوط الجميلة الفنية، إلى جانب تقديم شرح مفصّل عن المكان داخل هذا الكتيّب”.

وعودة إلى العملات؛ يقوم “رامي” بجمع الورقية منها والنقدية القديمة، ولديه العديد من عملات الدول العربية والأجنبية؛ حيث يمتاز بترتيب مقتنياته التي يجمعها بطريقة يسهل التعامل معها من خلال ألبومات الصور التي يستغلّها للعملات الورقية، أو الطوابع.

البحث عن التاريخ

ويبيّن أن جمع العملات يعلّم المرء الكثير، ويجعل لديه الفضول لمعرفة من هؤلاء الأشخاص الذين وُضعت صورهم على العملات، ويلفت إلى “أنه اليوم يستطيع أن يُبيّن الأخطاء الموجودة في العملات المصنوعة قديمًا”. 

كما يحتفظ النابلسي بعلب سجائر من استيراد دولة فلسطين، وكذلك بعض الكتب العبرية التي طُبعت فيها.

اليوم، كلما سمع رامي النابلسي عن أي منزل يتم ترميمه أو ترميم باحاته يهرول إليه بحثًا عن أي شيء يُعيد إلى الوطن تاريخه الذي سُلب منه، حتى بات أصحابه وجيرانه يقدّمون له ما يتوقّعون بأنه قد يُعجبه، أو يُمكن أن يستفيد منه في عمله أو هوايته. 

لكن الاحتلال لا يترك أحدًا بحاله، فمن وقت لآخر، يجد “رامي” المخابرات الصهيونية فوق رأسه، يدّعون بأنها زيارة، لكنه يعلم  أن الأمر أكبر من ذلك، لأنه يمتلك ما يذكر “بتاريخ دولة فلسطين”.

يبيع النابلسي زواره من السائحين الأجانب أي قطعة حتى لو كانت قديمة، لكنه لا يبيع شيئًا يدل على الدولة الفلسطينية وكل ما يتعلّق بها حتى لو كان طابعًا بريديًّا، قائلاً: “لا أفرّط أبدًا بما هو فلسطيني”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات