الخميس 08/مايو/2025

أسرى ومعركة كرامة

أسرى ومعركة كرامة

اعتاد عجائزنا على الربط بين الأسماء ومضامينها حين يعبر الفعل عن الاسم، فيقولون في حالات كهذه إن “الاسم يسقط من السماء”. ربما ينطبق هذا الربط على مستشفى “إسرائيلي” اسمه “زيف” نقلت إليه “إسرائيل” الأسير الفلسطيني القيادي عدنان خضر لإفشال معركة الأمعاء الخاوية التي يخوضها منذ واحد وخمسين يوماً، وليس هذا الأسير سوى حالة تمثّل ظاهرة في معتقلات “إسرائيل” منذ اغتصابها فلسطين.

الاحتلال نقل هذا الأسير القائد، بعد تدهور حالته الصحيّة، إلى مستشفى “زيف”، وهي كلمة تعني بالعبرية “ذئب” وبالعربية “تزوير”، وكلا المعنيين يعبّر عن سياسة هذا الكيان بكل تجلياتها الميدانية والسياسية والإعلامية، من احتلال واستيطان وقمع وإرهاب، وبكل ما تحظى به من تغطية وحماية الدول الكبرى الإمبريالية، ومن تواطؤ بعض العرب.

الأسير عدنان خضر مضرب عن الطعام منذ واحد وخمسين يوماً، ولكي يرهقوه ويحرموه من التواصل مع محاميه أو المؤسسات الإنسانية، يتعمّد آسروه نقله ثلاث مرات في اليوم من مكان إلى آخر في سيارة السجن وهي عبارة عن صندوق معدني مقفل لتكون عملية النقل إحدى محطات التنكيل. ينقلونه إلى مكان يسمّونه “مستشفى”، علماً بأن الأطباء والممرضين في المعتقلات الصهيونية جزء لا يتجزأ من أدوات جهاز المخابرات وسياساته.

الآن يراوح هذا الأسير بين الحياة والموت، سيما وأنه دخل في الأيام الأخيرة في إضراب عن تناول الماء أيضاً، وهو يرفض التغذية القسرية التي يحاول المحتلون فرضها عليه عبر حقن الفيتامينات والأملاح في جسده، وإذا استمر على هذه الحال فإن استشهاده يصبح مسألة وقت، وربما بضعة أيام.

لم تقل مؤسسات العالم الإنسانية، ولا الأشقاء العرب والمسلمون، شيئاً بحق هذا الأسير وآلاف آخرين تزج بهم “إسرائيل” خلف القضبان تحت مسمى الاعتقال الإداري، وهو اعتقال بلا محاكمة يتجدد كل ستة أشهر من دون أن يتاح للمحامين الاطلاع على أية لوائح اتهام مدرجة في ما تسميه “واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط” ملفاً سرياً. أما آلاف الأسرى الموقوفين والمحكومين، فهم يعانون داخل أكياس حجرية ظروفاً لا تليق بالبشر، كثيرون منهم لم يتح لهم المحتلون رؤية أطفالهم وعائلاتهم منذ سنوات.

ليس من السهل على أي إنسان أن يلجأ للإضراب عن الطعام، فهذا خيار قاسٍ وصعب، ولا يلجأ إليه الإنسان سوى لدافعين، الأول سياسي يتعلق بأهداف وطنية عامة، والثاني مطلبي وحياتي وهو ما ينطبق على التجربة الاعتقالية الفلسطينية وما يتخللها من حالات عربية. في الحالة الثانية يأخذ الأسرى قرار الإضراب عن الطعام حين يصبح الموت بالنسبة لهم أفضل من الحياة الذليلة.

عندما تهمس “إسرائيل” زوراً وبهتاناً بأن أحداً ما في هذا العالم تلفّظ بانتقاد لسياساتها، تتبارى أقلام ويتداعى سياسيون ويهرع مثقفون دفاعاً عنها، وسبق أن اجتمع معظم قادة العالم في شرم الشيخ للبحث في حمايتها بعدما تعرضت لبضع عمليات عسكرية لم تحظ بإجماع الفلسطينيين، بل كان من بينهم، مسؤولين وكتاباً، من جاهر بإدانة تلك العمليات بتبريرات ولدوافع مختلفة.

أما أن يصرخ أسرى فلسطينيون وعرب في معتقلات “إسرائيل” من شدة القهر والتنكيل والإهانة وامتهان الكرامة الذي لم يسلم منه حتى ذوو الأسرى من العجائز والأطفال والنساء، فهذا لا يستحق انتقاداً دولياً ولا اهتزاز قصبة عربية.

ربما تنتهي معركة عدنان خضر بتوقّف قلبه عن الخفقان، لكنّه سيكون كوكبة أخرى تنير طريق الحرية، فيضيف باستشهاده وصمة عار جديدة على جبين “إسرائيل” وحماتها والمتواطئين والمطبّعين معها، القدماء والجدد.

[email protected]

صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات