الجمعة 09/مايو/2025

حبائل إسرائيل والفلسطيني الجديد

ياسر مناع

قيل قديماً “بأن الحرب الخدعة” وما دامت أنها جزء من السياسة في الدولة فإنه من البديهي أن تكون السياسة أم الخدع والحبائل، من السذاجة أن نعتقد لبرهةٍ من الوقت أن “إسرائيل” من الممكن أن تقدم لنا شيئاً، أو أن تمنحنا طوعاً وعن طيب خاطر ما نريد ونسعى.
 
عصفت في الآونة الأخيرة الكثير من النقاشات والحوارات حول التهدئة مع قطاع غزة، وما يدور في جوفها وفلكها من نوايا ونتائج، في حقيقة الأمر لا أعتقد بأن هنالك فلسطيني واحد يحب أن يرى قطاع غزة محاصراً أو أن هنالك اتفاق ما قد أُبرم أزال معه مشهد أطفال جياع، وعوائل أثقلهم التعفف، لا يسألون العالم إلحافا لأنهم يعلمون بأن ثمن الحرية أغلى.
 
تقف “إسرائيل” الجهة المقابلة، ومن خلال استقراء الأحداث والتصريحات الأخيرة يمكن لنا أن نستنتج أن “إسرائيل” تحاول أن تقدم الاتفاق على هيئة إنجاز استراتيجي لعدوها اللدود “حماس” – وهذا في الحقيقة لا ينطلي على أحد- حيث إنها تسعى من وراء ذلك إلى تحقق هدفٍ استراتيجي رئيس بالنسبة لها، يتمثل في فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية فصلاً تاماً، ومن ثم تحاول العودة على المدى المتوسط إلى سياسة الاحتكاك بحماس والسلطة الفلسطينية، بعد أن تكون قد أوهمت على مدار أشهر أنها صاحبة الشأن بكل ما يتعلق بالفلسطينيين، وترى أن تلك الخطوة هي المطلوبة الآن مباشرة أو عبر مناورة محكمة.
 
على الضفة المقابلة، تجتهد حماس في المحافظة على قدراتها وبراغماتيتها من غير تقديم أي تنازلات سياسية، ولكن في حال قام أبو مازن بالخطوة الأخيرة ضد قطاع غزة؛ سيكون هنالك تحول تلقائي في صبغة تلك المناورة التي تخوضها حماس أمام “إسرائيل” إلى خطوة ذات أبعاد سياسية اإستراتيجية، وبالتالي تكون “إسرائيل” قد نجحت في فض التوأم السياسي عبر مناورة كبرى قامت بها سواء بالقوة الفظة أو الناعمة، بالإضافة إلى استخدام وسائل استخبارية وأمنية مرئية وغير مرئية، أضف إلى ذلك أنها قد نجحت في غرس فكرة أن حماس وفتح هما من انفصلا عن بعضهما من غير إعداد مسبق من “إسرائيل” داخل عقل المجتمع الفلسطيني، بمعنى أن “إسرائيل” غير مسؤولة عن ذلك الانفصال.
 
في الواقع على الرغم من ذلك، فإنه ليس من السهل تنفيذ الاتفاق، ربما هذا ما تريده “إسرائيل” حيث يقوم أبو مازن باسم منظمة التحرير الفلسطينية بالانفصال عن غزة، وبذلك يبدأ فصل جديد من تفكيك المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية.

لم تخفِ “إسرائيل” ما تسعى إليه، حيث تحدث العديد من الساسة عن الأمر، الكاتب جرشون هكوهين وهو ميجر جنرال احتياط وخبير استراتيجي في مركز بيغن السادات، تطرق إلى الفكرة وعدها استراتيجية يقودها نتنياهو لفصل الضفة عن غزة، وأن المرحلة الأولى لاحقا سيكون من السهل فصل الضفة إلى ثلاث كانتونات أو أكثر، وربما كانتون غزة، والتي لن تسمح به “إسرائيل” بعد أن يتم أبو مازن المطلوب منه ببقاء حماس.
 
المهم إسرائيليا في ظل ما يسمى المعركة على الوعي أن ينقش بوعي الفلسطيني المتوسط كارثية الزعامة القومية الفلسطينية المتمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية وعدم مسؤوليتها، وعبثية خيار المقاومة الذي جل ما يبحث عنه هو البقاء في السلطة والحصول على المال.
 
ختاماً، تحاول “إسرائيل” في الفترة الحالية عرض أي اتفاق على أنه إنجاز استراتيجي لغزة، على الدوام كانت “إسرائيل” تتحدث عن الانتصار في المعركة (הכרעת העימות)، لكن يبدو أن “إسرائيل” ومنذ أوسلو وعبر القوة الناعمة والخشنة أحياناً تسعى لحسم الصراع، أي تحقيق نصر تاريخي على الحركة الوطنية الفلسطينية مشابه لما وقع عام 1948 مع الفارق أن الفلسطيني الجديد الذي بحثت عنه “إسرائيل” بعد عام 1948 وأطلقت عليه “عربي إسرائيلي “، وتعمل على تشكيله اليوم من أسفل إلى أعلى أي أنه يبدو كأنه تشكل قبل الهزيمة، في الوقت الذي وقعت فيه الهزيمة منذ وقت الفلسطيني الجديد الذي تشكل على نحو متسارع بعد عام 2007، حيث يعاني من انفصام في الشخصية جعلته تائهاً تماماً يريد أن يقاتل “إسرائيل” أحياناً ويريد أن يتنعم بشواطئها والعمل فيها أحيانا أخرى، باتت “إسرائيل” لا تحتاج للبحث عن الفلسطيني الجديد بل هو الذي يقوم بالبحث عن نفسه على نحو يرضي عدوه الذي استلبه كل شيء.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...