الأحد 06/أكتوبر/2024

95 عاما وآهات نكبة المعمر أبو خليل لا تتوقف

95 عاما وآهات نكبة المعمر أبو خليل لا تتوقف

آه  تلو آه.. آهات لم تتوقف حتى اليوم، يضرب كفا على كف ويقول: “والله لولا قصف الطائرات وتدمير البلد فوق رؤوسنا ما خرجنا”، بهذه الزفرات الممزوجة بالألم، روى “أبو خليل” رحلة الدم والعذاب والشتات.

بالرغم من كبر سنه، إلا أن ذاكرته لا زالت حية، ومليئة بالجسام من الحوادث التي شاهدها بأم عينيه، يوم هجر من الفالوجة عنوة عام 1948م، وكلما رجع إلى ماضي الحصاد والخير في “جرون” القمح والشعير والذرة حول (وادي الفالوجة والحارة الشرقية والغربية ووادي المفرض وتحت الجسر)، تتدفق الدموع عبر أخاديد حفرتها النكبة على وجنتيه، تلكم هي حكاية المعمر الفلسطيني الحاج محمد رضوان علي أبو رضوان (أبو خليل).

المولود في الفالوجة عام 1922م، يقول: “أجبرتنا الطائرات التي كانت بقذائفها تحرق الأخضر واليابس على ترك بيوتنا وجروننا وأعز ما نملك، على الهجرة، لقد قتل المئات من أهالي الفالوجة، وجنود الجيش المصري في الشوارع والأزقة وبين البيوت، جراء القصف المتواصل على البلدة، كون الفالوجة كانت تحتضن حامية للجيش المصري”.. هكذا روى المعمر الحاج أبو خليل، لمراسلنا، بداية نكبته من الفالوجة إلى الخليل.
   
ويضيف: “خرجنا من البلد مجموعات صغيرة حتى لا ترقبنا العصابات الصهيونية وتقتلنا، حملت على كتفي بعض الأمتعة ورطلين من الطحين، وسرنا خفية في الظلام على الأقدام رغم أجواء الشتاء والبرد القارس متجهين نحو بلدة الدوايمة، (تقع غرب الخليل)، مكثنا فيها يومين ونمنا في أحد الكهوف”، وكلما بكى طفل في حضن أمه صرخنا عليها: “ضعي قماشة في فمه حتى لا يقتلنا اليهود!!”.

ويكمل الحاج أبو خليل روايته، فيقول: “وبعد شعورنا أن الطريق أصبحت آمنة، سرنا عبر الجبال والأودية، وتوجهنا نحو بلدة إذنا غربي الخليل، ولم نجد فيها أحدا من السكان، فالكل كان خائفا من الذبح وهتك أعراض النساء، بعدما وصلنا من أخبار حول مذبحة دير ياسين، وما جرى بعدها في الدوايمة، وكنا نشعر أن العصابات الصهيونية تتبعنا وتريد قتلنا، فأكملنا مسيرنا مشيا على الأقدام إلى بلدة بيت أولا، والجوع يمزق أحشاءنا”.

وبسرد تراجيدي لا ينتهي، يتابع: “فكرنا أن نشعل بعض الحطب، ونعجن من الطحين الذي بحوزتنا خبزا، لكننا خشينا أن ترقبنا العصابات الصهيونية فتقتلنا عن بكرة أبينا! فآثرنا الجوع على الموت، ثم توجهنا إلى بلدة حلحول شمال الخليل، وهناك سكنا في طور، (فجوة محفورة في الصخر) لمدة أسبوع، حيث دخل الشتاء ونزل المطر، ولصعوبة العيش في هذا الطور وبرودته توجهنا إلى منطقة تسمى (خلة حجة) وهي قريبة من منطقة لوزة، وسكنا مغارة، كنا نشعر أنها أفضل من الطور السابق! ومكثنا فيها طوال الشتاء”.
   
بالرغم من كبر سن الحاج أبو خليل، إلا أنه يمتلك ذاكرة تفصيلية لم يقتلها “الخرف الصهيوني”، يقول: “بعدها انتقلت إلى مدينة الخليل، وتنقلت فيها من بيت إلى بيت بالأجرة، وعملت في تجارة الحبوب، وتزوجت، وأنعم الله علي بالبنين والبنات، إلى أن انتهى بي المطاف إلى منطقة المحاور في المدينة؛ حيث بنيت فيها منزلي الحالي”.
 
وحول حلم العودة، يتنهد أبو خليل قليلا، قبل أن يكمل: “كنا نظن بداية الهجرة أن الأمر لن يطول، مجرد أسابيع ونعود إلى الفالوجة، ومرت الأيام والشهور والسنون ونحن على الأمل في العودة، لكن بعد المؤامرة على قضيتنا عربيا وعالميا، بات الأمر ليس سهلا، ويحتاج إلى صدق وإصرار وعمل وتضحية، ولن نفقد الأمل، وسنزرع حلم العودة في نفوس أبنائنا وأحفادنا حتى يصبح حقيقة”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات