إسرائيل اليهودية.. بعض المسكوت عنه

كل الشارات والرموز والشعارات الرسمية في إسرائيل تحمل تعبيرات يهودية صرفة، العلم وألوانه؛ النشيد الوطني وكلماته؛ الطوابع والقطع النقدية والصور والأشكال المطبوعة عليها؛ الأعياد ومناسباتها؛ القوانين ذات الأرضية الدينية كقانوني العودة والجنسية؛ مناهج التعليم ولاسيما الموصول منها بالتاريخ ونوعية الثقافة وصناعة الهوية؛ أسماء المدن والمراكز المدنية والقروية الأكثر ازدحاما وحيوية.
هذه النماذج ونحوها، الى جانب محاولة عبرنة وتهويد كل شيء في الدوائر والمكاتبات الحكومية، تضيق مجال التفكير في إسرائيل الدولة خارج السياق اليهودي، والحق أن إسرائيل أعلنت عن يهوديتها منذ يومها الأول، عبر ما يعرف بوثيقة الاستقلال. بل ولنا أن نفترض أنها أضمرت مضمونها اليهودي قبل ذلك اليوم بكثير، ذلك حين رفضت الحركة الصهيونية كل مشروعات التسوية القائمة على الحل الديمقراطي في كيان فلسطيني جامع للعرب واليهود، وآثرت الحل الانعزالي الرامي الى انشاء دولة لليهود فقط، واتجهت الى تكريس المؤسسات اليهودية اللازمة لتفعيل هذا الحل.
ولماذا نبتعد، ألم يهدف آباء المشروع الصهيوني الى تأسيس دولة يهودية، تكون بزعمهم حلا نهائيا لما اشتهر بالمسألة اليهودية؟ هناك والحال كذلك الكثير مما يؤكد أن التركيز على المضمون اليهودي لإسرائيل كان دوما قائما على قدم وساق، قبل قيام هذه الدولة وبعده. وهكذا فان ما يحتاج الى تفسير، هو مطالبة الجانب العربي بعامة والفلسطيني بخاصة، الاعتراف الموثق في صلب عملية التفاوض والتسوية بهذا المضمون خلال السنوات العشر الأخيرة، لقد كان من شأن الاجتهادات الثرية بهذا الخصوص، أن وضعنا أيدينا على معظم الأضرار االمتوقعة بحقوق العرب والفلسطينيين اذا ما استجابوا لهذا المطلب.
وأهمها بلا حصر، تعريض فلسطينيي ال48 للانكشاف واحتمال طردهم من ديارهم، أو القناعة بدونيتهم والقبول بحالة انعدام المساواة التي يخضعون لها بشكل قانوني صريح . ان توثيق القبول بيهودية إسرائيل سيفتح مصير هذه الجماعة على أفق سياسة الأبارتيد والتمييز ، الأكثر قتامة مما هو قائم بالفعل منذ 1948، تقديرنا أن الأدبيات العربية والفلسطينية، التفاوضية بالذات، قدمت ولاتزال دفوعا وحججا قوية بين يدي رفض الانصياع للمطلب الإسرائيلي.
غير ان الاستغراق في مضمار هذه الدفوع يكاد يصرف الأنظار عن التدبر في بعض السلبيات، التي ربما تنال من إسرائيل ذاتها جراء افراطها في التوكيد على هويتها اليهودية، والتي ربما كانت أحد أهم الاسباب التي جعلت الإسرائيليين يتجاهلون مطلبهم الحالي من العرب والفلسطينيين لعشرات السنين ؟. ويشي بتوقع مثل هذه السلبيات، وجود جدل إسرائيلي كبير حول جدوى هذا المطلب ورفع لواء البعد اليهودي للدولة في المرحلة الراهنة، عطفا على هذا التصور، نلاحظ أن بعض الإسرائيليين يتحسسون من امكانية بروز التناقض بين الادعاء بأن دولتهم ذات نظام ديمقراطي وبين الاتجاه الى اعتبارها دولة يهودية. فالديمقراطية لا تجيز حصر هوية الدولة في زقاق الدين، واعتبارها بكل فجاجة لليهود فقط.
وترتفع الحساسية من هذا التناقض بالنظر الى انه قد يسوق الغرب، الديمقراطي ، الى التوجس من دعوي انتماء إسرائيل الى منظومته الفكرية وأسلوبه في ادارة الاجتماع السياسي، كونه لا يقبل سوى بدولة كل مواطنيها، من جهة أخرى، يخشى هؤلاء من تصاعد ردود الأفعال الاقليمية، العربية والاسلامية، التي ربما جنحت أكثر الى تعويم المفهوم الديني للصراع مع إسرائيل، بما يؤدي الى توسيع دائرة الذين يطلبون رأسها في سياق حرب مقدسة عليها، كأن الافصاح عن يهودية إسرائيل ربما عمق عزلتها في عالمي الغرب والشرق.
الى ذلك، ثمة مخاوف مشروعة من أن يؤدي الايغال في التعريف اليهودي لإسرائيل، الى تضعضع العلاقة بين قطاعات المستوطنين اليهود وقطاعات المستوطنين غير اليهود داخل الدولة. لقد استقبلت إسرائيل خلال العقدين الأخيرين أكثر من 300 ألف من المهاجرين المشكوك في يهوديتهم، وبمجرد التركيز على النسب اليهودي البحت لإسرائيل، فسوف تزداد موجة التربص والتوجس بين هذه القطاعات . ندفع بذلك وفي الذهن ذلك التصاعد الواضح في نفوذ المتشددين (الحريديم ) هناك ، وبوتيرة لا ينبغي معها استبعاد الصدام مع العلمانيين اليهود، فكيف الحال مع العلمانيين غير اليهود؟
واذا مددنا هذه الملاحظة على استقامتها وصلنا الى امكانية تراجع قدرة إسرائيل “اليهودية” على استقطاب مهاجرين غير يهود من الأصل ، لعلم هؤلاء الأخيرين بأنهم سيواجهون بشروط حياة لاتناسبهم، في دول تميل علانية لليهود فقط، وخطورة هذا التطور أنه سيفاقم واقع الضعف السكاني ازاء الفلسطينيين داخل الدولة وكذا في حدود فلسطين التاريخية، لضمور أو انقطاع المدد البشري غير اليهودي عنها. ثم ان المستوطنين غير اليهود قد يتساءلون عن جدوى الدفاع عن دولة تجاهر بأنها ليست لهم ، تماما كما هو الحال بالنسبة لفلسطينيي 48، من الواضح أننا بصدد ملف ينطوي على تعقيدات وسلبيات حتى بالنسبة للداخل ” اليهودي” في إسرائيل.
البيان، 23/8/2013
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...

حماس: المؤسسات الأممية هي الوحيدة المختصة بتوزيع المساعدات بغزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة حماس، إن المجاعة في قطاع غزة تشتدّ بشكل كارثي وسط استمرار الحصار ومنع دخول الغذاء والدواء. وأكدت في بيان...

إطلاق الأسير ألكسندر يفجر غضب عائلات باقي الأسرى على نتنياهو
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام فجّر قرار حركة حماس إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر من قطاع غزة غضب عائلات باقي الأسرى...

حرّاس الأقصى يحبطون محاولة ذبح “قربان تلمودي” في باحات المسجد
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أحبط حُرّاس المسجد الأقصى المبارك، صباح اليوم الاثنين، محاولة مستوطنين إدخال "قربان حي" إلى باحاته عبر باب...

مرصد عالمي: نصف مليون شخص يواجهون خطر الموت جوعًا بغزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام قال مرصد عالمي لمراقبة الجوع الاثنين إن سكان قطاع غزة بأكمله لا يزالون يواجهون خطر المجاعة الشديد وإن نصف مليون شخص...

تحذير من انهيار القطاع الصحي بغزة مع تعمق النقص الحاد بالتجهيزات الطبية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة في غزة، أن أقسام العمليات والعناية المركزة والطوارئ باتت تعمل بأدوات طبية مستهلكة وفي ظل غياب أصناف...

سجن جندي احتياط إسرائيلي لرفضه القتال في الضفة الغربية
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت هيئة البث الإسرائيلية إن جندي احتياط إسرائيليا سجن 5 أيام بعد رفضه المشاركة في القتال في الضفة الغربية...