عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

ثلاثة أهداف صهيونية راهنة

ثلاثة أهداف صهيونية راهنة

ثلاثة أهداف تتسيد الآن قائمة استهدافات السياسةالصهيونية ولها تُسخَّر مختلف الجهود ويبذل حثيثها ابتغاءً لإنجازها… واحدها،استراتيجي رئيس وتليد ودائم وتجري تطبيقاته على مدار الساعة، وهو استكمال التهويدلما لم يهوَّد بعد من فلسطين، أو ما تعيش الآن على رتمه وتشهد تجلياته اليوميةالمتسارعة القدس وسائر الضفة، وآخرها الإغارات الليلية المتلاحقة على المنازلالعربية في حي سلوان المقدسي واغتصابها، والاجتياحات التي باتت شبه اليومية لباحاتالأقصى والذي بات الآن عرضة للتقسيم الزمني، إلى جانب مسلسلات الإعلانات المتعلقةبمتواليات عطاءات بناء الوحدات السكنية في المستعمرات المتوالي توسيعها وتسمينهافي كامل أنحاء الضفة.

…وثانيها، إكمال الالتفاف على منجزات الدم الفلسطينيالمقاوم في الحرب العدوانية الأخيرة على غزة، والمماطلة لإبقاء الحصار الصهيونيوالعربي المضروب منذ سبعة أعوام عليها، أو تمديده بأشكال جديدة تأخذ بعين الاعتباردروس هذه الحرب وما فرضته من وجوب تبديل في معالجتهم للحالة الغزية المتفجرة… دروسمن أهمها أن هذا الحصار المحكم على فداحة آثاره قد فشل لجهة تحقيقه لهدفين رئيسينكانا المتوخيين منه، وهما، إضعاف المقاومة وسد المنافذ في وجه إمدادها وتطورهاومنع تعاظم قوتها، وتجويع شعبها وزيادة معاناته وعذاباته لتحريضه عليها، أو بغيةدفعه للانفضاض من حولها وحتى الانتفاض عليها، الأمر الذي كشفت ملحمة الصمودوالتضحيات البطولية لهذا الشعب في مواجهته لعدوه وما تلاها ما هو عكسه تماما…الأشكال الجديدة المرادة للحصار يمكن اختصارها في التحسين النسبي للوضع المعيشيالرهيب للمحاصَرين تجنبًا لخطر انفجار تُخشى عواقبه، عبر السماح بإدخال مدروسوبالقطارة للبضائع، لكن بدون مواد البناء اللازمة لإعادة حقيقية لإعمار ما دمرتهحروبهم الثلاثة الأخيرة المتلاحقة. بلغة أخرى، استمرار هذا الحصار وربط مسألة رفعةبنزع سلاح المقاومة، واستطرادًا، بإنجاز التسوية، بمعنى تصفية القضية.

…والثالث، محاصرة أحلام الأوسلويين الفلسطينيين، التيأقصى ما تحلِّق الآن بأجنحتها في سماواته هو الاعتراف الرمزي بالدولة، وأكثر ماترنو إليه هو وهم إجبار الصهاينة بقبول جدولة انسحابات في سياق حلول يفرضها عليهمربيبهم “المجتمع الدولي”… حول مسألة الاعتراف هذه يرد الجنرال يعلونوزير الحرب الصهيوني على سؤال إبان رحلته الأخيرة للولايات المتحدة قائلًا: “سمواهذه دولة أو امبراطورية، لكنها فعلًا ستكون حكمًا ذاتيًّا”!

الواقع العربي والراهن الفلسطيني خير مشجِّعين للصهاينةفي مساعيهم لتحقيق أهدافهم الثلاثة هذه، فلا هما يسمحان بإعادة إعمار غزة ولا رفعالحصار عنها، ولا باعتراف ذي قيمة عملية بالدولة الافتراضية، أو بجدولة انسحاباتمأمولة، ناهيك عن إعاقة استكمال استراتيجية التهويد المتسارع، أو حتى التصدي لجاريانتهاكات المقدسات الإسلامية والمسيحية التي لا يبدو أنها تحرك شعرة في لا مبالاةالعرب والمسلمين والعالم على حد سواء… وزيادة، فالمانحون في مؤتمرهم القاهري الأخيرأعطوا الصهاينة ما يشتهونه لجهة التحكم الفعلي في إعادة إعمار ما دمَّروه في غزة،وتيرةً ووجهةً وتوظيفًا، وحتى المشاركة في مغانمه!

الراهن العربي لا يريد من يشغله عن داحس وغبراء حروبهالداعشية تحت البيارق الأميركية، والراهن الفلسطيني الرسمي المحكوم بتوجهاته التسوويةانحدر إلى مستوى استغلال الحصار وإعادة الإعمار لإقصاء الخصوم والتوظيفالتسووي…عودة المناكفات إلى سابق عهدها بهذه السرعة تذكِّرنا بأن الانقسام يظل هوالثابت في الساحة الفلسطينية، أما كرنفالات المصالحات التي تواترت وتبخَّرت فورانقضاء مواسمها، فهي تكاذب لا يتعدى التكتيكات التي ليس من شأنها أن تصمد طويلًاأمام التناقضات المعلنة للبرامج، لا سيما وأن الانقسام هو اشتراط صهيوني، بمعنىأنه بات شبه مسلمة أوسلوية ليس في الوارد تجاوزها ما دام خيار المفاوضات لا منخيار سواه عند أصحابه…مثلًا، حكومة الوحدة المظفَّرة لم تجرؤ حتى الآن على صرفرواتب موظفي غزة!

لقد كانت الأهداف الصهيونية الثلاثة، إلى جانب الحربالأميركية على داعش والملف النووي الإيراني، هي وحدها الكامنة وراء رحلة يعلونالأميركية المشار إليها، دون أن نغفل المعلن من أهدافها، ومنه ما يصفه الصهاينةبمسح آثار انتقاداتهم الفجة لكيري، وبحث القضايا الاستراتيجية المشتركة وجدولةالمساعدات الأميركية للكيان الصهيوني مع نظيره هيجل، والاجتماع ببان كي مونوالمندوبة الأميركية في الأمم المتحدة سامانثا باور لتطويق مسألة التحقيق في جرائمحربهم الأخيرة على غزة واستهدافهم للمنشآت الأممية خلالها، يضاف إليه كالعادة،انتهاز فرصة المقابلات الصحافية والدعاوية في أجهزة الإعلام الأميركية الصديقةبامتياز.

ما تقدم، لا يعني بحال أن الصهاينة، وإن تكاتفت كلالمعطيات التي بيَّناها آنفًا لصالحهم، هم قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أهدافهمالمذكورة. لكن ذلك من عدمه رهن بمدى إفادة القوى الوطنية الفلسطينية بدورها مندروس تجربتها الملحمية في غزة والبناء عليها، ووضعها نصب أعينها حقيقة أكدتها عقودمن المواجهات والتضحيات ناهزت القرن، تقول بأن هذا الشعب المكافح الصامد لاتوحِّده إلا مقاومته ولا يحمي قضيته من التصفية إلا شهداؤه.

لذا، وفي غياب المرجعية الوطنية المستندة إلى برنامجإجماع وطني مقاوم، أو استحالة إيجادها بسبب من التهافت التسووي الأوسلوي، فليسأمام قوى المقاومة الفلسطينية إلا المسارعة لتوحيد صفوفها وإعادة الاعتبارلتحالفاتها واصطفافاتها الطبيعية مع القوى المواجهة والممانعة والداعمة للمقاومةقوميًّا وإقليميًّا ودوليًّا والاستعداد للجولة القادمة، هذه التي يبدو أن بوادرانتفاضة مقدسية قد بدأت في إشعال فتيلها وقد لا تلبث الضفة من زيادة أوارالتهابها… وإلا، وفي ظل مثل هذا الواقع العربي والراهن الفلسطيني، فما من حائل دونالصهاينة واستكمال ما لم يستكمل بعد من استهدافاتهم.

كاتب فلسطيني

صحيفة الوطن العمانية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات