حوار الفصائل الفلسطينية بين الواقع والتحديات

صحيفة الخليج الإماراتية
أخيراً لاحت في آخر النفق مؤشرات توحي بأن فتح وحماس على عتبة الدخول في حوارات باتجاه ضبط صراعهما في مواجهة ما يواجهانه وشعبهما من تحديات خطرة. فمن جهة فتح قال عضوها القيادي نبيل شعث مؤخراً بعدم مطالبة حماس بالتراجع والاعتذار عما قامت به، والاكتفاء بإقامة حكومة “إجماع وطني”. ومن جهة حماس أعلن رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل في مؤتمر “القدس” بالدوحة قبولها بفكرة حكومة “وفاق وطني”. فضلاً عما رشح من أجواء لقاءات القاهرة التي يجريها اللواء عمر سليمان مع ممثلي الفصائل. مما أشاع التفاؤل بقرب انفراج حالة الاحتقان القائمة بين الفصيلين الرئيسيين في الساحة الفلسطينية وتداعياتها في فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر والشتات الفلسطيني العربي والدولي.
ويقيناً أن كل حريص على حاضر ومستقبل شعب فلسطين وأمته العربية يفرحه ما قد يؤدي لانتهاء حالة الانقسام الفصائلي الفلسطيني، كما يسره التقاء قياداتها على قواسم مشتركة. غير أن الصراع المحتدم بين سلطتي رام الله وغزة، وإن بدا ذاتياً ويدور حول مواقع في سلطة لا تخرج عن كونها من بعض إفرازات اتفاق أوسلو، إلا أنه في حقيقته صراع موضوعي بين نهجين متناقضين استراتيجياً في إدارة الصراع مع التحالف الأمريكي – “الإسرائيلي” والسائرين في ركبه بحكم المصلحة أو الوهم. ثم إنه شديد التأثر بالضغوط والمداخلات الدولية والإقليمية، وتأثيرها لدى صناع قرار النظام الرسمي العربي العام والفلسطيني منه بصفة خاصة.
ولا أحسب الضوء الذي يلوح في آخر النفق معزولاً عما يبدو على الصعيد العالمي من إدراك أمريكي متأخر بفشل سياسة حسم الصراعات الدولية بالقوة لصالح القوى المرتبطة بالإدارة والأجهزة الأمريكية، والتوجه بدلاً من ذلك لإجراء تسويات مع القوى التي كانت مصنفة أمريكياً ضمن “محور الشر”. ولكنها تسويات تستهدف تدجينها بأكثر مما تسلم بالحقوق الوطنية المشروعة للشعوب التي طالما عانت من استراتيجية الاستغلال والهيمنة الأمريكية، والشعب العربي الفلسطيني في مقدمها. وأغلب الظن أن يواجه ممثلو الفصائل في حواراتهم المقبلة تحديات على أربعة محاور:
* الأول: على محور مهمة ومسؤولية حكومة “الوفاق الوطني”، والسؤال: هل لا يزال الرئيس محمود عباس وفريقه عند دعوته لإقامة “حكومة تتيح فك الحصار”. أي تقبل بالاشتراطات الصهيونية – الأمريكية التي تطالب بها “الرباعية الدولية” والمتمثلة بالاعتراف ب”إسرائيل”، وإنهاء المقاومة، والالتزام باتفاقيات فريق أوسلو مع الكيان الصهيوني؟ أم أنهم سيقبلون بأن تكون حكومة ملتزمة بالعمل على تحقيق تسوية مرحلية تقوم على الانسحاب الناجز من كامل الأراضي التي احتلت سنة 1967. بما فيها القدس الشرقية وإقامة الدولة كاملة السيادة عليها، وتنفيذ قرار محكمة العدل الدولية بعدم مشروعية جدار الفصل العنصري وهدمه استناداً للقرار الدولي، وتفعيل القرار 194 بعودة لاجئي 1948/1949، وكذلك نازحي 1967 إلى ديارهم، واستردادهم أملاكهم والتعويض عليهم؟
* الثاني: على محور توزيع المناصب في وزارة “الوفاق الوطني” المسؤولين عن تنفيذ برنامجها المتوافق عليه. إذ تم التخلي عن فكرة وزراء من التكنوقراط والفنيين بدعوى “استقلاليتهم”، مقابل الاتفاق على أن يكون الوزراء من العناصر القيادية للفصائل المشاركة في الحوار ليجسدوا مشاركة فصائلهم في حكومة “الوفاق الوطني”. وفي هذا ما يدل على إدراك واع أنه، برغم ما قد يتمتع به التكنوقراط والفنيون المستقلون من كفاءة مهنية وإدارية، إلا أنهم ليسوا الاختيار الملائم لمجتمع يعيش مرحلة التحرر الوطني من استعمار استيطاني عنصري إجلائي. إلا أنه من الأرجح أن يشتد الجدل حول من يشغل: وزارات الخارجية والداخلية والمالية والاقتصاد، بما يلائم الواقع المستجد بعد وضوح فشل مسلسل المفاوضات العبثية، كما عجز حصار الجوع عن استلاب إرادة شعب الممانعة التاريخية والمقاومة الأسطورية. وبالتالي انفسح المجال للتفاعل مع صناع القرار العربي والدولي حول تفعيل القرارات الدولية ذات الصلة بالانسحاب لحدود العام 1967، وعدم مشروعية المستوطنات وجدار العزل العنصري، وتوفير التمويل اللازم في مرحلة الأزمة المالية العالمية، وفك الارتباط الاقتصادي ب”إسرائيل” وعودة التواصل مع العمق العربي.
* الثالث: على محور إعادة بناء أجهزة الأمن، والمهمة التي سوف تسند إليها، وهي وإن اشترط في منتسبيها أن يكونوا مهنيين، إلا أنها في واقع الضفة والقطاع المحتلين أجهزة ذات مهمة سياسية بامتياز تتصل بالذين سوف تتولى حمايتهم وتأمين مصالحهم: هل هم المواطنون الصامدون في ظل الاحتلال، أم هم المستوطنون في الضفة الغربية المحتلة وداخل ما يسمى “الخط الأخضر”؟ أخذاً بالاعتبار أن اتفاق أوسلو جعل مهمة السلطة الأولى والأساسية حماية “أمن” “إسرائيل”، وهذا ما لا تزال ملتزمة به أجهزة سلطة رام الله. وتكفي الإشارة لما تباهى به الوزير رياض المالكي من انجازات حكومة سلام فياض في حماية أمن الصهاينة لدى حضوره اجتماع وزارة الخارجية “الإسرائيلية” منذ أيام.
* الرابع: على محور إعادة تفعيل “منظمة التحرير الفلسطينية” وبناء مؤسساتها. ويرتبط بذلك تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، وإعادة الاعتبار للميثاق الوطني بعد مسخه سنة 1996 في الجلسة التي حضرها الرئيس الأمريكي السابق كلينتون. فهل سوف تشكل “اللجنة التنفيذية” للمنظمة بقرار فصائلي، أم سوف يجري انتخاب أعضائها من قبل المجلس الوطني الجديد؟ وهل سوف يشكل المجلس على أساس “كوتا” فصائلية، كما كان يجري سابقاً، أم بالانتخاب في الوطن المحتل والشتات، كما طالب بذلك “مؤتمر حق العودة” الذي عقد في بيروت ربيع 2006، ثم أعاد تأكيد الطلب “المؤتمر الوطني الفلسطيني” الذي عقد في دمشق خريف 2007؟ وهل سوف تدعم الأمانة العامة لجامعة الدول العربية مطلب الانتخاب لدى الدول الأعضاء المضيفة للفلسطينيين، حتى يكون هناك مجلس وطني أصدق تمثيلاً للشعب العربي الفلسطيني، وبالتالي لجنة تنفيذية للمنظمة أكثر فاعلية. أم سوف يتواصل تهميش المنظمة الذي جرى في أعقاب اتفاق أوسلو، واغتصاب دورها التاريخي من قبل سلطة حكم الذات التي ألانتجها الاتفاق سيئ السمعة؟
تحديات أربعة تواجه المتحاورين في مرحلة من أبرز معالمها تراجع الهيبة الأمريكية، وسقوط أساطير التفوق الصهيوني، وصيرورة المقاومة الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه. وهي مرحلة بقدر ما تتوفر فيها فرص رفع مستوى المواقف الوطنية الفلسطينية والقومية العربية تجاه الصراع الذي فرض على شعب فلسطين وأمته العربية، بمقدار ما تعكس شدة الانفعال والشعور بالاستفزاز لدى صناع قرار التحالف الأمريكي – الصهيوني والذين امتهنوا المفاوضات وأثروا من تجارتها. وهي في التحليل الأخير مرحلة غاية في الخطورة تتضاعف فيها المسؤولية التاريخية والوطنية والأخلاقية للمشاركين في الحوار، والراعين له.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...

حماس: المؤسسات الأممية هي الوحيدة المختصة بتوزيع المساعدات بغزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة حماس، إن المجاعة في قطاع غزة تشتدّ بشكل كارثي وسط استمرار الحصار ومنع دخول الغذاء والدواء. وأكدت في بيان...

إطلاق الأسير ألكسندر يفجر غضب عائلات باقي الأسرى على نتنياهو
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام فجّر قرار حركة حماس إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر من قطاع غزة غضب عائلات باقي الأسرى...

حرّاس الأقصى يحبطون محاولة ذبح “قربان تلمودي” في باحات المسجد
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أحبط حُرّاس المسجد الأقصى المبارك، صباح اليوم الاثنين، محاولة مستوطنين إدخال "قربان حي" إلى باحاته عبر باب...

مرصد عالمي: نصف مليون شخص يواجهون خطر الموت جوعًا بغزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام قال مرصد عالمي لمراقبة الجوع الاثنين إن سكان قطاع غزة بأكمله لا يزالون يواجهون خطر المجاعة الشديد وإن نصف مليون شخص...