الخميس 08/مايو/2025

الحل الإقليمي بعيون إسرائيلية

الحل الإقليمي بعيون إسرائيلية

لم يأخذ أحد على محمل الجد تلك المبادرة السياسية التي طرحتها رئيسة حزب «ميرتس» «الإسرائيلي» زهافا غلئون، وتعرضت لأجلها للتهديد من قبل شقيق قاتل رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين، كونها تقترح استبدال اتفاقية أوسلو بأخرى جديدة توجب على «إسرائيل» إعلان إنهاء الصراع من دون شروط مسبقة، وعلى أساس حدود العام 1967، مع تبادل للأراضي عبر المفاوضات، وتقسيم القدس، و«تجميد» المشروع الاستيطاني، ودعم «مبادرة السلام العربية»، فيما جرى تسليط ضوء ساطع على مبادرة وزير الحرب إيهود باراك المتعلقة بالانسحاب الأحادي الجانب من المستوطنات المعزولة، وضم الكتل الاستيطانية الكبيرة: «أريئيل» و«معاليه أدوميم» و«غوش عتصيون»، التي تضم 90 % من المستوطنين في الضفة الفلسطينية؛ والحفاظ على التلال المطلة على مطار بن غوريون، وأيضاً البقاء في الأغوار، فيما يمكن إقامة «الدولة الفلسطينية في بقية المناطق».
يمكن، بالطبع تفكيك الأسباب والحيثيات، ذات الطبيعة السياسية – الاستراتيجية، التي دفعت جنرال الحرب المخضرم، الطامح للقفز إلى كرسي رئيس الوزراء مرة أخرى، إلى تقديم هذا المقترح الذي يتقاطع مع دعوات مجمل أحزاب اليمين المشاركة في الائتلاف الحكومي التي نعت «حل الدولتين» منذ وقت طويل، وفي مقدمها تجنب الوصول إلى دولة «ثنائية القومية» تنهي مشروع الحلم الصهيوني و«الدولة اليهودية»، أو إلى «دولة أبارتهايد»، منبوذة دولياً، ترفض إعطاء الفلسطينيين حق المشاركة في الحياة السياسية «الإسرائيلية».
غير أن ثمة أسباباً مباشرة أخرى لها علاقة باحتجاجات الشارع الفلسطيني على الغلاء والأزمة المالية المستمرة للسلطة الفلسطينية، وإدراك «الإسرائيليين» أن كل هذا الغضب قد يتحول ضدهم في المستقبل القريب، ولا سيما بعد تحذير الأجهزة الأمنية والعسكرية «الإسرائيلية» رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، من تداعيات الجمود السياسي على المسار الفلسطيني، ومن الأخطار الكامنة خلف عملية قمع الانتفاضة الفلسطينية المحتملة، وبالأخص حيال مستقبل العلاقة مع كل من مصر والأردن، وعدم الركون إلى وهم أن المجتمع الدولي سيكف عن الاهتمام بمصير الفلسطينيين، وسيتيح إمكان ضم مناطق الضفة الغربية في مرحلة لاحقة.
وعليه، وتحت وطأة الضجيج والدخان الكثيف الذي يلف منطقة الشرق الأوسط الملتهبة، ارتفع منسوب الاعتقاد لدى قوى اليمين «الإسرائيلي»، بأن هذا هو الوقت الأنسب لإخراج المخططات القديمة من الأدراج، وتمرير ما كان مرفوضاً في السابق، وإعادة إحياء ما يسمى «الحل الإقليمي»، ولكن على الطريقة «الإسرائيلية»، بحيث يمكن تجاوز حل الدولتين، وإعادة الأمور إلى نقطة الصفر، ودفع الفلسطينيين إلى العيش في كانتونات منفصلة، ملحقة بجيرانها، ومراقبة بالكامل من قبل «الإسرائيليين»: كانتون غزة الذي يمكن أن يذوب في صحراء سيناء، وكانتون ما يتبقى من الضفة «المقطّع الأوصال»، والذي لا يمكن إدارته واقعياً من دون الارتباط بالأردن، وكانتون ثالث يذوب في دولة «إسرائيل».
في المقابل، وباستثناء خطوة التوجه إلى الأمم المتحدة التي حاول البعض تشبيهها ب «فتح مكة»، وتصاعد الجدل البيزنطي، في الساحة الفلسطينية، حول خطاب رئيس السلطة في رحاب هذه المنظمة الأممية، تبدو المؤسسات والفصائل والقوى والبنى التنظيمية والجماهيرية الفلسطينية المختلفة عاجزة عن تقديم أي بديل أو تصوّر لمخرج استراتيجي من الأزمة التي لم تعد تقتصر على تبخر «عملية التسوية» بالكامل، وارتفاع معدلات الاستيطان والتهويد «الإسرائيلي» لمدينة القدس وأقصاها الذي يتعرض للاستباحة، وتكريس واقع الانقسام الداخلي وتداعياته المدمّرة، وإنما باتت تهدد بتصفية ما تبقّى من القضية الفلسطينية، أرضاً، وحقوقاً وطنية، ووحدة جغرافية وسياسية، بعد أن بدأت غزة تتجه، بقصد أو من دون قصد، نحو الارتباط بالجنوب المصري، وبعد أن كشف «الإسرائيليون» نواياهم الحقيقية حيال نتف وبقايا الضفة الغربية، بعد اقتطاع وضم القدس الكبرى، ومنطقة غور الأردن، والكتل الاستيطانية، وما تيسّر من أراض أخرى اقتطعها جدار الفصل والطرق الالتفافية، فيما ينشغل العرب بأنفسهم و«ثوراتهم وانتفاضاتهم» ونظمهم السياسية غير المنجزة، ويتواصل الضغط المالي والسياسي الهادف إلى تغريم الفلسطينيين فاتورة كل التحولات الجارية في المنطقة.
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات