الثلاثاء 06/مايو/2025

المدرسة العمرية في القدس

المدرسة العمرية في القدس

تقع المدرسة العمرية الابتدائية في القدس، في البلدة القديمة، في وسط شارع طريق الآلام الممتد من شارع الواد حتى باب الأسباط، ويعتبر موقعها الأعلى في ذلك الشارع حيث يبدأ الشارع بعدها بالانحدار بالاتجاهين، فقد بنيت المدرسة على قمة جبل يقول المسيحيون إنها رحلة الانطلاق للسيد المسيح عليه السلام بعد أن حكم عليه الرومان بالإعدام، وحملوه الصليب وقادوه إلى حيث صلبوه، كما جاء في كتبهم المقدسة. ففي ساحة المدرسة الأساسية يوجد حجر كبير يقول المدرسون والمترجمون إنه من هناك انطلقت رحلة السيد المسيح نحو طريق الآلام .

تقع المدرسة بمحاذاة المسجد الأقصى المبارك، حتى أن بعض صفوفها تطل على باحة المسجد نفسه، وكانت المدرسة العمرية حتى عام 1967 وربما بعدها بسنوات المدرسة الابتدائية الأولى في القدس .

ومن تحتها حفرت الحكومة الإسرائيلية نفقا يربط شارع الآلام إلى حائط البراق، أو المبكى الذي يتخذه اليهود كمعبد للصلاة، ويقع معبد اليهود في الجهة الجنوبية من المسجد الأقصى، بمحاذاة سوره في الجهة الجنوبية تقريبا، ولا زال هذا النفق قائما حتى اليوم، ورغم الاحتجاجات الدولية، والعربية، والفلسطينية، فلم تذعن إسرائيل ورفضت إغلاقه، ولم تستطع الدول الإسلامية حتى التي تقيم علاقة رسمية مع إسرائيل التأثير على الحكومة الإسرائيلية لوقف الحفريات، وربما لم تكلف نفسها عناء طرح الموضوع مع حكومة إسرائيل .

في هذه المدرسة بدأت مرحلة تعليمي المبكرة، حيث التحقت بها عام 1964 وكان عمري آنذاك سبع سنوات، ولا زلت أذكر اليوم الأول من العام الدراسي (الثلاثاء الأول من أيلول سبتمبر 1964) كأنه حصل يوم أمس .

كنت أجلس في زاوية بعيدة من زوايا ساحة المدرسة خجلا، ولم أعرف أحدا من التلاميذ، فكنت مثل غريب ضائع لا يعرف ماذا يفعل .

وقد ناداني الاستاذ أكثر من مرة بعد قرع الجرس فكنت أرد بصوت خافت يكاد يسمعه الطالب الذي يقف بجواري .

أنهيت في هذه المدرسة خمس سنوات كاملة، وفي الصف السادس وهو الذي يشكل المرحلة النهائية في الابتدائية فقد انتقلت إلى مدرسة أخرى تدعى دار الأيتام الإسلامية، ليس لأن تلامذتها أيتام بل لأن فيها فرعا صناعيا للأيتام فقط .

في هذه المدرسة بدأت رحلة العلم، ومن هناك انطلقت نحو العالم. كان أول مدرس يدرسني اسمه الاستاذ وديع خميس، مسيحيا يسكن في سلوان (وادي حلوة) في تلك الفترة، وكان كبيرا في السن، ولكنه كان بشوشا وطويل البال معنا، ومنه بدأت أفك أول الحروف وإليه أدين بالشكر، والعرفان .

من الصعب نسيان مدرسي المرحلة الابتدائية سواء من كنت أحبه، وأرتاح إليه، أو العكس، فمن وديع خميس بالصف الأول الابتدائي، مرورا بالأستاذ سعيد الحسيني في الصف الثاني، ثم الأستاذ كمال الركن، في الثالث الابتدائي، أو الأساتذة فهمي الأنصاري، كامل الأرناؤوط، فوزي البكري في الصفوف اللاحقة .

حرب عام 1967 كان أسوأ مرحلة مرت على المدرسة حيث استلمت إدارتها بعد الهزيمة التي منيت بها الدول العربية، واحتلال ما تبقى من فلسطين، وزارة المعارف الإسرائيلية وعينت الأستاذ عبد الله نصار مديرا، لكن أحد المعلمين ركب رأسه وبدأ بالاحتجاج والتحرك لجمع العرائض الرافضة بحجة أن مدير المدرسة مسيحي، مع أن الهدف كان أن يشغل هو ذلك المنصب. محمد حسنين فهمي هو الذي قاد تلك الحملة، وظل يطارد ويراجع المعارف الإسرائيلية جامعا توقيعات بعض المدرسين حتى قبلت الوزارة طلبه للأسف، فقسمت المدرسة قسمين، الصفوف الموجودة في القسم العلوي من المدرسة (من الأول حتى الثالث) كان مديرهم عبد الله نصار أما بقية الصفوف الموجودة في الساحة السفلى فكان مديرها الأستاذ محمد حسنين فهمي، وهو أسوأ مدير ( ناظر) مدرسة عرفته في حياتي. إذ لا يكفي أن أول عمل قام به تقسيم المدرسة إلى قسمين، فقد كان مديرا سيء الطباع ويستخدم العنف مع الطلاب لأتفه الأسباب، رغم أن طلابه من الأطفال الذين يحتاجون لرعاية، وتربية .

خلق مشاكل مع الكثير من الأهالي، بسبب استخدامه العصا والعنف الجسدي ضد الطلاب الصغار لأي جرم ارتكبوه، فلو تأخر طالب عن المدرسة يتم ضربه، ولو تكلم الطالب مع زميل له أثناء الدرس وأرسله الأستاذ للمدير يتعرض الطالب إلى ضرب عنيف، وكأنه أراد أن يكون مديرا ليمارس ساديته على الأطفال الأبرياء .

كان هذا المدير يجمع الطلاب المشاغبين كما يسميهم وكلهم أعمارهم تتراوح بين العاشرة والثانية عشرة، فيدخلهم إلى أحد القاعات ويأتي بموظفيه، فيأمرهم بالإمساك بالطالب حيث يتم وضع جسمه على الأرض ليستلقي على ظهره ثم يتم رفع قدميه بعد خلع الجرابين (الكلسات)، ويقوم المدير محمد حسنين فهمي بضربه على قدميه بعنف حتى يفقد وعيه وبعد ذلك يتركه يصرخ غير قادر على المشي .

في هذه المدرسة بدأت أبني أصدقائي بدء من شعبان أبو خلف، وسهيل الخطيب، ورأفت الشهابي، وشرف البرقاوي، وانتهاء بنور السلايمة، وحجازي الرشق وغيرهم .

ويعتبر الصديق شعبان أبو خلف أكبرهم منزلة عندي فقد كان صديقا طيبا يدعونا إلى بيت أهله الواسع نسبيا، فنذهب معه، وهناك يقدم لنا أهله الحلويات والشراب، لم يكن بمقدورنا أن ندعوه فأوضاع أهلنا المالية و البيتية لم تسمح بذلك، فكيف أدعوه وكنت في تلك الأيام أعيش مع الوالدين، وستة من الإخوة والأخوات في غرفة واحدة !!!

ورغم ذلك لم يتخل عنا حتى فرقتنا الأيام فلا أدري في أي مكان يعيش. ولكم بحثت عنه وعن آخرين لعلي أجد أحدهم خلال النت لكنني عجزت فلم أعثر لهم على أثر .

في هذه المدرسة تفتحت على الحياة، والتحقت بسوق العمل المأجور خلال دراستي فيها حيث كنت أعمل ليس فقط في العطلة الصيفية، ولكن في ساعات بعد الظهر .

كان مصروفي اليومي خلال السنوات الأولى في المدرسة العمرية عبارة عن تعريفة أردنية لونها أحمر، وهي عبارة عن نصف قرش، وكل مائة قرش تساوي دينارا واحدا. كنت أشتري في التعريفة ربع ساندويش فقط، وهو عبارة عن ربع رغيف صغير كنا نسميه كماج، وفي داخله قرص فلافل صغير لا غير، وعلى الفلافل بعض الزعتر والملح .

كنت من الطلبة المتفوقين في المدرسة في كل شيء إلا الرياضة، هذا إن جاز لنا أن نسمي ما يفرض علينا رياضة، وكان يدرسنا إياها الأستاذ عدلي النشاشيبي من القدس .

بعد الاحتلال الإسرائيلي بسنة أي في عام 1968 تم افتتاح مكتبة عامة لطلبة المدرسة، وقد سدت تلك المكتبة فراغا كبيرا، وكانت مكتبة منوعة أدبية ثقافية، وفيها بدأت أطالع عشرات الكتب خارج المنهاج الدراسي، وعندما زاد عدد المترددين على المكتبة الصغيرة، فقد اضطرت إدارة المكتبة السماح للمشتركين فقط بالجلوس فيها، ورغم أنني لم أكن مشتركا، لأنني لم أملك قيمة الاشتراك إلا أن المشرف عليها وأعتقد أن اسمه كان ياسين صب لبن كان يسمح لي من بين كل الطلاب غير المشتركين في الدخول إلى المكتبة في أي وقت لأنني ربما الأكثر تواجدا ومطالعة، فلم أترك قصة للأطفال الصغار لم أقرأها، وأذكر أنني أيضا قرأت قصص عنترة بن شداد والزير سالم، وقصة بني هلال، وحمزة البهلوان، وسيف بن ذي يزن، ودون كيشوت، ووو .. الخ .

المدرسة العمرية صرح علمي خرجت الكثير من الطلاب، ومن أقدم المدارس في البلدة القديمة، وسميت بالعمرية نسبة للخليفة العادل عمر بن الخطاب .

* موقع مؤسسة فلسطين للثقافة

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات