رسالة يوم الأرض

إذا كان من تقييم للحراك العربي في يوم الأرض، فإن بالإمكان إخضاعه لقاعدة النسبية، أي أنه جيد وإيجابي قياساً بعقود خلت لم يظهر فيها مثل هذا الحراك، رغم أن فلسطين ثابت مؤكد في وجدان الشعوب العربية وكثير من شعوب دول العالم بما فيها تلك التي تقودها حكومات معادية لحقوق الفلسطينيين ومنحازة للكيان الصهيوني، ومنها من تمنحه دعماً غير محدود وغطاء لكل ما يرتكبه من انتهاكات وجرائم قتل واعتقال وهدم وتشريد وتهويد للأرض والمقدسات. أما بالنسبة لأهمية القضية ومركزيتها، فإن هذا الحراك ما زال دون الحد الأدنى المطلوب لدعم هذه القضية وحماية عروبة فلسطين والقدس، ناهيكم عن تحريرهما.
عندما تتحدّث وسائل الإعلام عن مشاركة أربعين ألف عربي ومسلم من ثمانين دولة في مسيرة القدس العالمية على حدود الأردن مع فلسطين، فإن الاستنتاج المنطقي يشير إلى أن هذا العدد لا يصل إلى حد المستوى الرمزي للمشاركة في ذكرى تحمل اسم القدس، فهذا يعني أن معدل المشاركة يساوي خمسمئة شخص لكل دولة من الدول الثمانين، وهذا عدد يمكن أن يجذبه فضول التجمّع لرؤية آثار حادث مروري.
وهذا يزيد من منسوب الاحترام الذي يستحقه هؤلاء القادمون من بلاد بعيدة مدفوعين بمشاعر صادقة تجاه قضية فلسطين، لكنها تحفّز سيلاً من الأسئلة عن جدية ما تتشدّق به أحزاب عريقة طالما تاجرت بقضية فلسطين والقدس، وعندما يحضر الاستحقاق العملي بمستواه التضامني لا يظهر لها أي أثر إيجابي.
كان المأمول مشهداً من مضاعفات المليون تبعث رسالة لمغتصبي فلسطين وقدسها التي هي أيضاً قدس العرب والمسلمين، بأن كل ما يفعلونه في المدينة المقدّسة لن يشطبها، وأن الزمن الذي أتاح لهم فعل ما يحلو لهم، لن يستمر طويلاً.
لم تظهر هذه الرسالة ميدانياً بعد، ولا يكفي أن تكون نصاً منقوشاً في وجدان الصادقين وشعاراً براقاً على ألسنة المزايدين والمتسلّقين وراكبي الأمواج السلطوية.
الشباب الفلسطيني خرج للشوارع بكثافة واشتبك مع المحتلين وذكّرهم بأنه لا يخضع لسياسة الأمر الواقع، ولن يتخلى عن حقوقه حتى لو واصل النظام الرسمي العربي، أو بعضه، المراوحة بين الصمت والتواطؤ والتآمر.
شباب غزة تساموا على جرح الانقسام وتجاوزوا فئوية البعض من القادة والفصائل، وعمّدوا يوم الأرض بدماء الشهيد محمود زقوت ابن العشرين ربيعاً، وعشرات الجرحى. وكان أن انطلق علي يوسف أحمد عرفة من مخيم الدهيشة للاجئين باتجاه القدس ليتسلّق جدار النهب والعنصرية حاملاً علم الحرية ليزرعه فوق جدار الظلم والعبودية، لكن جنود الاحتلال أسقطوه عن الجدار المرتفع بقنبلة صوت أصابته مباشرة في رأسه، وها هو يرقد بين الحياة والموت في المستشفى.
ولأن يوم الأرض انطلق قبل ستة وثلاثين عاماً في المناطق المحتلة سنة 48، عادة ما تكون للذكرى نكهة خاصة، وبهذا المعنى فإن فلسطينيي ال 48 يكرّسون بقاءهم في أرضهم ويؤكدون استعدادهم للدفاع عنها، كجزء أصيل من الشعب الفلسطيني وقضيته. الفعاليات الحاشدة والواسعة في هذه المناطق تزعج “إسرائيل” بل تقض مضجعها وتشعرها بأن هضم مليون وربع المليون فلسطيني ومسح أدمغتهم أمر لا يمكن أن يتحقق.
وسيمضي هذا الجزء الأصيل من الفلسطينيين في بلورة هوية أشد جذرية، ليتجاوز بعض أحزابه وقادته الذين دخلوا فخ الديمقراطية “الإسرائيلية” من خلال العضوية في “الكنيست”، فلم يحققوا أي شيء مما يبررون به هذه المشاركة، بل تحوّل بعضهم إلى جسر للتطبيع بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية.
[email protected]
صحيفة الخليج الإماراتية