ما معنى رفض نتنياهو لسياسة أوباما؟

صحيفة الخليج الإماراتية
المعروف أن استراتيجية أوباما للشرق الأوسط لا تزال حتى الآن تخضع للاستعراض والدراسة في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي في البيت الأبيض.
وبنيامين نتنياهو كان يعرف هذا حين أعلن صراحة أمام الكنيست عكس ما يعلنه أوباما، وهو يتصرف في مواجهة ساحة أمريكية لا تزال رمادية لأن ما يصدر عن أوباما وحكومته هو حتى الآن أقوال وتصريحات أقل من مرتبة الأفعال.
ومنذ فوزه في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي ثم دخوله البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني 2009 والأفكار المدروسة من خبراء ومتخصصين توضع تحت يده وهي كثيرة، وهؤلاء الخبراء كانوا ضالعين لسنوات طويلة مضت في عمليات التفاوض بين العرب و”الإسرائيليين”.
وكانوا لا يخفون توقعهم للأسوأ لو أن نتنياهو جاء رئيساً لحكومة “إسرائيل”، ولم تكن توقعاتهم محصورة في الدائرة التي ترى المشكلة نزاعاً بين العرب و”إسرائيل” فحسب، بل إنهم، واعترافاً منهم بفشل مساعي الحكومات الأمريكية السابقة، قد وسعوا زاوية النظر لتستوعب مختلف المشكلات والتحديات التي تواجه الولايات المتحدة في المنطقة، وباعتبار أن إزهاق الحل العاجل لقضية السلام يضر بمصالح أمريكا أساساً، وكان ذلك متفقاً مع رؤية ما يسمى المدرسة الواقعية في السياسة الخارجية والتي ينتمي إليها تقريباً معظم من اختارهم أوباما وزراء ومساعدين ومستشارين، والتي ترى أن كل المشكلات التي تواجهها بلادهم في المنطقة مترابطة ولا تنفصل عن بعضها بعضاً وتحتل القضية الفلسطينية فيها وضعاً مركزياً.
وهي النظرة نفسها التي كان قد أعلنها أحد الأقطاب الكبار في المدرسة الواقعية وهو جيمس بيكر، عندما كلفه الكونجرس قبل ثلاث سنوات بمهمة دراسة الوضع في العراق، وعاد ليقدم تقريره بيكر هاملتون الذي رفضه الرئيس بوش.
وحين بدأ نتنياهو حكمه متخذاً توجهاً يخالف ما أعلن أوباما من خطوط لسياسته تجاه الحل ومتمسكاً بصيغة الدولتين، وتعمد نتنياهو عدم ذكر حل الدولتين في خطابه في الكنيست ثم أعقبه وزير خارجيته أفيجدور ليبرمان بإعلان عدم التزام “إسرائيل” بصيغة الدولتين، فإن ذلك بدا ولو نظرياً صداماً بين موقفين أو بين سياسة “إسرائيلية” ورؤية أمريكية لمصالحها.
ولا خلاف على أن حكومة بوش كانت قد تجاوزت عما كان يخص مصالح أمريكا وأمنها القومي في تعاملها مع سياسة “إسرائيل” تجاه عملية السلام، وهو ما اعترف به الدبلوماسي الأمريكي ديفيد أرون ميللر الذي كان مشاركاً لسنوات في مفاوضات السلام في كتابه “الأرض الموعودة.. بحث أمريكا المراوغ عن سلام عربي “إسرائيلي”، وقال فيه إن سياسة أمريكا قوضت بشكل كبير نفوذ ومصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
والآن فإن من أهم الأفكار والمقترحات التي أعدت لتكون ضوءاً كاشفاً أمام أوباما ما تضمنته تلك الدراسة التي شارك فيها 15 من أبرز خبراء الشرق الأوسط في أمريكا وجاءت بعنوان: “استعادة التوازن استراتيجية للشرق الأوسط للرئيس الجديد”، وظهرت في ديسمبر/ كانون الأول 2008 قبل أقل من شهر على تولي أوباما منصبه رسمياً وكان منهم: ريتشارد هاس، وشبلي تلحمي، ومارتن إنديك، وبروس رايدل، وغيرهم، وباعتبار أن تلك الدراسة هي مشروع مشترك بين مجلس العلاقات الخارجية ومعهد بروكنجز، واستغرق العمل فيها 18 شهراً واستندت إلى خبرة وبحوث المشاركين فيها وكذلك سفر بعضهم إلى المنطقة وإجرائهم لقاءات مع مفكرين وشخصيات متخصصة لبلورة سلسلة من التوصيات تقدم إلى الرئيس أوباما.
هؤلاء رسموا أمام الرئيس الجديد صورة للتحديات التي سيواجهها والتي وصفوها بأنها خطيرة ومعقدة ومترابطة وتشمل: المشكلة النووية مع إيران والوضع في العراق، ونفوذ أمريكي يضعف بفعل سمعة أصيبت بأضرار جسيمة وعملية سلام مخادعة بين “إسرائيل” والفلسطينيين.
ومن بين ما تضمنته توصياتهم:
ضرورة أن تشرع أمريكا في إعادة تقييم أكثر عمقاً لاستراتيجيتها، وأن تطلق مبادرة دبلوماسية شاملة وأن يجعل أوباما مهمة تحقيق تسوية سلام عربي “إسرائيلي” أولوية له.
إن ما جرى أخيراً من أحداث وتطورات في “إسرائيل” وفي الأراضي الفلسطينية قد أوجد وضعاً قد يجعل من حل الدولتين أمراً غير ممكن. ولذلك يجب الإسراع بالتحرك.
وإن الإخفاق في صياغة اتفاق سلام سوف يجد تعقيدات خطيرة لسياسات أمريكا تجاه المشكلات الأخرى لها في الشرق الأوسط.
إن النزاع العربي “الإسرائيلي” يظل قضية محورية ليس فقط ل”إسرائيل” وجيرانها، بل أيضاً للطريقة التي ينظر بها العرب للولايات المتحدة.
والملاحظ أن دراسات أخرى عديدة لمراكز سياسية واستراتيجية مهتمة بالأمن القومي الأمريكي ومصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لم تختلف كثيراً مع هذه الرؤية، لكن اللافت للنظر هنا في الدراسة التي وصفت بأنها تبلور توصيات تقدم إلى أوباما، هو الابتعاد عن سياسة عزل الحق للقضية الفلسطينية عن بقية المشكلات والتحديات الأخرى لأمن ومصالح أمريكا في المنطقة والربط فيها بعينها جميعاً، وهو توجه ترفضه “إسرائيل” لأنه يعيد وضع الحل الفلسطيني في قلب المصالح الأمريكية ذاتها. وهو مخالف لما كانت “إسرائيل” تحرص عليه من عدم الفصل بين أمنها وأمن أمريكا.
وحسب منطق التحليل نظرياً يمكن القول إن نتنياهو قد دخل في طريق صدام مع سياسة أمريكية تخص مصالحها. لكن السؤال: إلى أي مدى يعتبر أوباما قادراً على فرض سياسة هو نفسه أعلن تمسكه بها؟ ولو كانت على الأقل تنص على حل الدولتين الذي رفضته علناً حكومة نتنياهو.
الإجابة لابد أن تضع في حسابها ما يلي:
إن أوباما لا يدير سياسته في فراغ لكنه يتحرك داخل خريطة يحكمها النظام السياسي الأمريكي، والذي يسمح لمجموعات من القوى باستخدام ضغوطها على صناعة السياسة الخارجية وأهمها في ما يخصنا قوة الضغط اليهودي.
إن الفريق المعاون لأوباما يضم بالطبع شخصيات لا ترى ما يراه الآخرون بالنسبة للمدى الذي تصل فيه السياسة الأمريكية إلى الضغط على حكومات “إسرائيل”، وهؤلاء يمثلون كبحاً لهذه التوجهات حين تكون لديهم مبررات قوية وظروف إقليمية تعزز حجتهم.
ستظل رغبة أوباما أو قدرته على التغيير المطلوب تجاه النزاع العربي “الإسرائيلي” تراوح في طريقها قوة أو ضعفاً نتيجة قوة أو ضعف الموقف العربي حسب منهج في السياسة الخارجية يقول عادة للطرف الآخر، ما الذي ستغيره لديك أنت أولاً؟ وما الذي ستقدمه لي مقابل ما تطلبه مني حتى ولو كان استخدام ما لديك من مقومات الضغط؟
إن السياسة عند أمريكا أو عند غيرها من الدول صاحبة الفكر الاستراتيجي هي عملية تقابل واحتكاك تحركات استراتيجية كل له هدفه ومراميه وحسابات مصالحه.
وفي هذه العملية تحاول كل استراتيجية أن تزيح الأخرى أو تعمل على تحييدها، وحسب نتيجة هذا النزال حتى ولو كان سلمياً تتقرر المواقف والسياسات.
فإذا ظل العرب بلا حراك استراتيجي فإن الحركة “الإسرائيلية” هي التي تملك التأثير الفاعل في الموقف الأمريكي.
هكذا تدار الأمور حتى ولو كان لدى أوباما حسن النية والرغبة والرؤية. لهذا تبقى التوقعات بشأن ما سيفعله أوباما في إطارها النظري حتى الآن على الأقل.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...

حماس: المؤسسات الأممية هي الوحيدة المختصة بتوزيع المساعدات بغزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة حماس، إن المجاعة في قطاع غزة تشتدّ بشكل كارثي وسط استمرار الحصار ومنع دخول الغذاء والدواء. وأكدت في بيان...

إطلاق الأسير ألكسندر يفجر غضب عائلات باقي الأسرى على نتنياهو
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام فجّر قرار حركة حماس إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر من قطاع غزة غضب عائلات باقي الأسرى...

حرّاس الأقصى يحبطون محاولة ذبح “قربان تلمودي” في باحات المسجد
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أحبط حُرّاس المسجد الأقصى المبارك، صباح اليوم الاثنين، محاولة مستوطنين إدخال "قربان حي" إلى باحاته عبر باب...

مرصد عالمي: نصف مليون شخص يواجهون خطر الموت جوعًا بغزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام قال مرصد عالمي لمراقبة الجوع الاثنين إن سكان قطاع غزة بأكمله لا يزالون يواجهون خطر المجاعة الشديد وإن نصف مليون شخص...