حكومة الحرب الإسرائيلية الجديدة قنبلة موقوتة

صحيفة الوطن القطرية
إذا لم يكن استشهاد ياسر عرفات، الذي قرر مجلس أمناء المؤسسة التي أنشئت للحفاظ على تراثه مؤخراً إعادة فتح التحقيق في وفاته الغامضة في ظاهرها، إسقاطاً لغصن الزيتون الذي ناشد الزعيم الفلسطيني الراحل العالم كي لا يسقطه من يده عام 1974، فإن الناخب الإسرائيلي ينبغي أن يكون الآن قد أسقط غصن الزيتون الأخضر الفلسطيني والعربي بعد أن حمل إلى الحكم في تل أبيب ائتلافاً حاكماً يصفه معارضوه من الإسرائيليين أنفسهم بأنه الأكثر تطرفاً في تاريخ دولة الاحتلال ليقوده أمثال بنيامين نتانياهو وأفيغدور ليبرمان، ممن وضعوا آرييل شارون الغائب عن الوعي منذ بضع سنوات على يمينهم، لكن حملة هذا الغصن الذين التقطوه من عرفات يعضون عليه بالنواجذ وما زالوا يرفعونه عله يحلق أعلى من طائرات الإف 35 الحربية أميركية الصنع التي ستحصل تل أبيب عليها قبل أن تدخل الخدمة العسكرية في واشنطن نفسها، بينما يواصلون جدلهم البيزنطي حد إثارة الانقسام الوطني والقومي دفاعاً عنه، مثلهم مثل أهل بيزنطة عندما اكتفوا برفع الصليب لطرد ما اعتقدوه أرواحاً شريرة تظاهر أعداءهم عليهم بينما عاصمتهم القسطنطينية على وشك السقوط.
وربما هناك دلالة رمزية في كون من ورثوا غصن عرفات الأخضر هما أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى الذي انتخبه مجلس أمناء مؤسسة ياسر عرفات رئيساً له العام الماضي ورفيق درب عرفات الذي خلفه في مواقعه كافة، محمود عباس، الذي انتخبه المجلس رئيساً فخرياً للمؤسسة، ليظل الغصن الأخضر يحلق بجناحين عربي وفلسطيني. لكن يغيب عن وارثي غصن عرفات الأخضر كليهما، بوعي أو دون وعي، حقيقة أن صاحبه الراحل كان يمخر عباب النضال الوطني الفلسطيني بجناحين أحدهما يحمل الغصن الأخضر والثاني بندقية المقاومة، وكما يبدو من ظاهر الأمور فإن كليهما ورث جناحاً عرفاتياً واحداً ويصر على التحليق به فقط.
إن حكومة نتانياهو التي حظيت بثقة الكنيست، التي يتحدث مثل ليبرمان باسمها أمام العالم كوزير للخارجية، تجهر بأنها تستعد للحرب العسكرية ضد قطاع غزة وإيران، وللحرب الديموغرافية ضد عرب فلسطين من «مواطنيها» ومن الخاضعين لاحتلالها، وللحرب الاقتصادية بمواصلة حصار غزة جنوباً وبسياسة جديدة شرقاً لربط اقتصاد الضفة الغربية باقتصادها ربطاً لا فكاك منه، وللحرب السياسية ضد الشريك الفلسطيني في «عملية السلام» بتكرار رفضها الصريح لأي تسوية سياسية على أساس حل الدولتين لمبادلة الأرض بالسلام وإقامة دولة فلسطينية إلى جانبها ورفضها لـ «عملية أنابوليس» التي انطلقت عام 2007 لإحياء مفاوضات قيل إن ذلك كان هدفها، أي أنها حكومة حرب شاملة على عرب فلسطين جميعهم، لخص ليبرمان برنامجها يوم الخميس الماضي بقوله: «إن أردت السلام فاستعد للحرب» (هآرتس)!
وقال رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات إن ليبرمان ونتانياهو «يغلقان الباب» أمام السلام ومفاوضاته وأمام راعيه الأميركي، ومع ذلك فإن الجامعة العربية ومنظمة التحرير ومؤسسة القمة العربية، حسب البيان الختامي لدورتها العادية الأخيرة في الدوحة، يتشبثون بإبقاء أبوابهم جميعها مشرعة، مزينة بالغصن الأخضر الذي اصفر بعد أن امتص سراب السلام الصحراوي الخادع خضرته، ليدخلها من يشاء دون حاجة حتى لطرقها استئذاناً بالدخول، وكان تهديدهم الوحيد الخجول هو التلويح بأن هذه الأبواب لن تظل مشرعة إلى أجل غير مسمى.
وفي هذه الأثناء، يستعد ورثة غصن عرفات الأخضر للانطلاق في «حملة» تشنها الدبلوماسية العربية، وتتصدرها «جولة دولية» للرئيس عباس، حسب عريقات، تشمل اللجنة «الرباعية» الدولية لشرح «مخاطر» سياسة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ولحث المجتمع الدولي من أجل «الضغط» على هذه الحكومة كي تجنح إلى السلام، أي أن هؤلاء الورثة اختاروا أن يلقوا «الكرة في ملعب العالم كله»، كما قال عباس، وقرروا أن يتركوا بابهم موارباً لاستئناف التفاوض مع حكومة الحرب الجديدة في تل أبيب إذا ما استجاب «العالم» للمناشدة العربية والفلسطينية من أجل الضغط عليها للجنوح نحو السلم، في عملية هروب جديدة من استحقاقات المقاومة إلى «الملعب» الدولي نفسه الذي لولا ضغطه في الاتجاه المعاكس طوال الستين عاماً المنصرمة لما قامت للاحتلال ودولته قائمة.
عدا ذلك كان رد الفعل العربي والفلسطيني على نتانياهو وليبرمان رداً «دبلوماسياً» تثير دماثته المفرطة الإشفاق على العجز العربي أكثر مما تثير الغضب على عدم الرد على حكومتهما بلغتها. فعمرو موسى يوم الخميس الماضي اكتفى بوصف الموقف الإسرائيلي بأنه «سلبي» عندما يتعلق الأمر بالسلام ومبادراته، لا بل إنه لم ير أي «تغيير» في هذا الموقف بين الحكومة الجديدة وبين سابقتها إلا في «أسلوب الكلام الجديد»، فكلتا الحكومتين، كما قال، لم تلتزم بـ «تفاهمات مؤتمر أنابوليس» والاتفاقيات الخاصة ببناء المستعمرات الاستيطانية، والاستنتاج طبعاً هو أنه طالما لم يحدث أي تغيير بين الحكومتين فإن عدم التزام حكومة إيهود أولمرت السابقة الذي لم يمنع التفاوض معها يمكن القياس عليه للتفاوض مع حكومة نتانياهو الجديدة.
واستنكاف موسى عن وصف حكومة نتانياهو بأنها حكومة حرب أو في الأقل بأنها حكومة تنسف كل المرجعيات السابقة الفلسطينية والعربية والأميركية لأي عملية تفاوضية باسم السلام هو استنكاف عن تسمية الحقائق السياسية بأسمائها يعكس العجز العربي الذي يسند موسى ظهره إليه، فمؤتمر القمة العربية الأخير في الدوحة ظل أسير المواقف السابقة الرمادية المطاطة وحمالة الأوجه من «مبادرة السلام العربية»، و«عملية السلام» والرعاية الأميركية – الأوروبية لامتدادها إلى أجل غير منظور. ويستطيع موسى تفسير «سلبيته» بالمقولة الممجوجة التي بات كل المتنصلين العرب من مسؤولياتهم القومية تجاه فلسطين وقضيتها يكررونها، وهي أنهم لا يمكن أن يكونوا فلسطينيين أكثر من عرب فلسطين أنفسهم.
فالرئيس عباس لم يكن أقل دماثة دبلوماسية من موسى عندما استنكف مثله عن وصف حكومة نتانياهو بأنها حكومة حرب واكتفى «بالتساؤل»: كيف يمكن التعامل مع رجل كهذا «لا يؤمن بالسلام»، وهو الرجل نفسه الذي اقتطع الرئيس الأميركي باراك أوباما نصف ساعة من وقته الثمين في لندن الأربعاء الماضي ليهاتفه مهنئاً بتوليه الحكم «ومكرراً التزام الولايات المتحدة الثابت بإسرائيل وأمنها» وقائلاً إنه «يتطلع إلى العمل في علاقة وثيقة مع رئيس الوزراء نتانياهو وحكومته لمعالجة القضايا ذات الاهتمام المشترك، ومنها إيران والسلام العربي – الإسرائيلي»، كما قال بيان للبيت الأبيض الذي ما زال فريق عباس التفاوضي يراهن عليه.
إن تأكيد أوباما على العمل «بصورة وثيقة» مع حكومة نتانياهو يترك فريق عباس التفاوضي أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما القبول بوساطة أميركية متوقعة للتفاوض مع نتانياهو وإما إعلان فشل رهان هذا الفريق على أي وساطة أميركية. وبما أن الخيار الثاني معناه فقط انهيار سلطة الحكم الذاتي التي يقودها هذا الفريق، فإن الخيار الأول هو الذي يظل مفتوحاً وهو خيار يعني فقط الدخول في دوامة تفاوضية جديدة وفق مرجعيات إسرائيلية جديدة لن يطول الوقت قبل أن تصاغ في مبادرات أميركية – أوروبية جديدة تتبنى الشروط الجديدة لحكومة الاحتلال الجديدة، لتضيف إلى شروط اللجنة «الرباعية» الدولية الثلاثة المعروفة إملاءات جديدة تبتز من المفاوض الفلسطيني تنازلات جديدة من أجل «السلام» الذي إن تحقق حسب المعطيات الراهنة لن يكون سوى سلام إسرائيلي واستسلام فلسطيني، أيا كانت عناوينه.
ويبدو المفاوض الفلسطيني محاصراً الآن بخيار التفاوض الاستراتيجي الوحيد الذي ارتهن قضيته له ومحاصراً برهانه الوحيد على الوسيط والوساطة الأميركية ليتحول غصن الزيتون الذي يحمله بيد إلى حبل يضيق الخناق على عنقه ما لم تتحرك يده الأخرى المشلولة منذ عام 1988 لقطع هذا الحبل قبل أن يخنقه، فأوهام الخلافات الأميركية – الإسرائيلية السابقة وتلك التي يروج لها حالياً في عهد أوباما – نتانياهو والتي يستمد منها حامل غصن الزيتون الفلسطيني والعربي أملاً خادعاً في ضغط أميركي مأمول على “إسرائيل” تبددها التجربة العربية المرة مع الإدارات الأميركية المتعاقبة على رعاية «عملية السلام» منذ مؤتمر مدريد عام 1991، بقدر ما تبددها مؤشرات حديثة لم يكن آخرها فشل أوباما في مقاومة معارضة اللوبي الإسرائيلي لترشيحه تشارلز فريمان لقيادة مخابراته.
لكن ما هو أخطر من عجز سيد البيت الأبيض الجديد أمام اللوبي الإسرائيلي هو أن وعده بالتغيير في السياسة الخارجية الأميركية قد توقف عند الصراع العربي الإسرائيلي، ليبني على فشل سلفه جورج دبليو. بوش فحسب، ليفاجأ المفاوض العربي والفلسطيني بالتغيير الفعلي يأتيه سلبياً من تل أبيب بدل أن يأتيه إيجابياً من واشنطن، والأدهى من ذلك أن تكون المؤشرات الأميركية حتى الآن تشير فقط إلى استعداد للتقاطع مع «الجديد» الإسرائيلي ينذر بالتبني الأميركي له في تقليد تاريخي للإدارات الأميركية، ولم تكن الشروط الإسرائيلية الثلاثة المعروفة التي تبنتها واشنطن بحذافيرها ثم فرضتها على «الرباعية» الدولية للاعتراف بأي فلسطيني شريكاً مؤهلاً للتفاوض إلا آخر تتويج لهذا التقليد.
إن حكومة الحرب الإسرائيلية الجديدة هي قنبلة موقوتة يأمل العرب أن يكون مفتاح نزع فتيلها في واشنطن لكنهم كما تشير الدلائل لم يتعلموا من دروس فشل رهانهم على البيت الأميركي الأبيض حتى الآن. فقد كان أوباما وإدارته يتحاشون الإفصاح عن غير التزامهم بأمن “إسرائيل” وعلاقتها التي لا تنفصم ببلادهم مع تكرار الالتزام بـ «الرؤية» الغامضة العامة لسلفه بوش عن حل الدولتين بحجة عدم وجود حكومة إسرائيلية، وهو الآن بعد تأليف هذه الحكومة يحتج بلقاء له مع نتانياهو تقول التقارير إنه سيجري في مايو المقبل يعقبه لقاء مع عباس قبل أن تختتم إدارته مرحلة الجولات الاستطلاعية والتشاورية لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ولمبعوثه الرئاسي جورج ميتشل، الذي سيفتتح مكتباً له في القنصلية الأميركية في القدس المحتلة يكون فيه الجنرال كيث دايتون مسؤوله الأمني بعد تمديد مهمة الأخير لدى السلطة الفلسطينية عامين، قبل أن يتخذ موقفاً محدداً.
وهذه المماطلة الأميركية المألوفة لا تبشر بأي خير للعرب يأتي من واشنطن وهي فقط تعطي مصداقية لتأكيد نتانياهو في 26 الشهر الماضي بأنه لا يتوقع أي ضغط أميركي على حكومته بسبب سياساتها فهذا لم يحدث «في الماضي وأنا مقتنع بأنه لا يوجد اليوم»، بالرغم من الصفعة المبكرة التي وجهتها حكومته لميتشل، المعروف «سابقاً» بمعارضته للاستعمار الاستيطاني اليهودي منذ أصدر التقرير الذي يحمل اسمه عام 2001، وللوساطة الأميركية في «عملية السلام»، بتعيينها «مستوطناً» وزيراً لخارجيتها، أو ربما لم تكن صفعة حقاً بعد أن غير ميتشل موقفه في فبراير الماضي بقوله إنه لن «يحكم مسبقاً» في قضية المستوطنات، أو ربما لأن أوباما وإدارته لم يعلنوا التزامهم ب«عملية أنابوليس» التي أعلن ليبرمان وفاتها ولهذا السبب لا يوجد أي خلاف أميركي – إسرائيلي حولها، بل يوجد اتفاق.
كما أن مدخل نتانياهو الاقتصادي للسلام في الضفة الغربية ومقاربته العسكرية لحرب جديدة على قطاع غزة يتطابق تماماً مع المقاربة الأميركية – الأوروبية المتجسدة في
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...

جيش الاحتلال يفرض إغلاقًا على قرية المغير في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام فرضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، إغلاقًا على قرية المُغَيِّر شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة...

بوريل: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بغزة بقنابل من أوروبا
المركز الفلسطيني للإعلام أكد المسؤول السابق للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وأن نصف...

الاحتلال يواصل الإبادة بغزة موقعاً 147 شهيدًا وجريحًا خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم السبت، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 23 شهيدا، و124 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...