تفكيك القضية لـ «مركبات أمنية واقتصادية»

صحيفة البيان الإماراتية
حقيقة المشهد السياسي اليوم في ظل حكومة نتنياهو، وبشبه الإجماع على امتداد خريطة الأحزاب والبرامج السياسية الإسرائيلية أن حل الدولتين لديهم قد استنفد، وأن الدولة الفلسطينية المستقلة مستحيلة، وأن المطلوب اعتراف فلسطيني ب«يهودية إسرائيل»، وأن المدينة المقدسة يهودية موحدة عاصمة “إسرائيل” إلى الأبد، وأن حق العودة للاجئين ينفي وجود “إسرائيل”.
وأن الانسحاب من الضفة الغربية ليس وارداً في الإستراتجية الإسرائيلية، بينما أن من حق اليهودي أن يستوطن في أي مكان يريد في أرض “إسرائيل”، والأهم في المشهد اليوم أن حكومة نتنياهو لن تكون سوى حكومة استيطان وأزمات وحروب، ولذلك يغدو من الجدير أن نتوقف أمام الخيارات القائمة في الأفق الإسرائيلي…!.
فلم تتوقف المؤامرات والمشاريع والخطط الإسرائيلية المدعومة أميركياً حتى في ظل مسيرة أوسلو وعملية المفاوضات الطويلة البائسة، عن محاولة تصفية كافة عناوين القضية الفلسطينية، وتصفية الملف الأهم والأخطر الذي يشكل جوهر القضية، ملف «حق العودة للاجئين الفلسطينيين»، فمنذ أكثر من ستة عقود وهم يسعون إلى تصفية الملف عبر التوطين، وهناك عشرات مشاريع التوطين الموثقة التي منيت كلها بالفشل.
وبعد أن تم تأجيل هذا الملف في إطار المفاوضات المستمرة منذ مدريد، تفتقت العقلية الصهيونية عن خطة جديدة تسعى لاستبدال الأفق السياسي السيادي الاستقلالي للشعب الفلسطيني إلى أفق امني اقتصادي فقط، أي كأنهم يقولون للفلسطينيين: «هذا هو المتاح اليوم.. وهذا ما نعرضه عليكم، فإن أردتم أن تعيشوا فأمامكم الأفق الاقتصادي المعروض والذي لن يتحسن أيضاً إلا بالقيام بواجباتكم الأمنية، وإن لم تريدوا فتحملوا العواقب»…!
هكذا هي الأمور اليوم، حيث تلتقي العقلية الصهيونية مع العقلية البريطانية الباردة مع العقلية الأميركية الحليفة، في تبني الأفق الأمني ـ الاقتصادي للفلسطينيين، وفي العمل على تفكيك القضية وحق العودة للملايين من اللاجئين إلى أجهزة أمنية في خدمة “إسرائيل”، والى دولارات أميركية…!.
أعلن ليبرمان وزير خارجيتهم «أن الخيار الوحيد للتسوية هو عبر خارطة الطريق لأنها تلزم الفلسطينيين بإجراءات أمنية».
المفكر والمحلل الإستراتيجي الإسرائيلي المعروف عوزي أراد ـ كتب في يديعوت أحرونوت في صميم هذه الفلسفة قائلاً: «لا يوجد في هذه اللحظة محادث مسؤول ومخول، يمكن معه البحث في التسوية الدائمة.
وبعد العقم وعدم إغلاق اتفاق المبادئ، ستكون لازمة انعطافة نحو مسار بديل، لتسويات مرحلية، يجب تصميم مبنى مرحلياً، منطقه المدماك مع المدماك ـ واختبارها في تطبيقها، ومدماك كهذا هو المجال الاقتصادي، الذي وجد طوني بلير وبنيامين نتنياهو أن في إطاره يمكن خلق تقدم ملموس في المدى الزمني القصير، وثماره السياسية ستبث تأثيرها على السياق.
وهكذا، ينبغي أن نشخص وأن نرسم مجالات الفعل السليمة، وإبداء الإبداعية في رسمها، كما أن المرحلية ستسمح ل”إسرائيل” بأن تعيد إلى المعادلة مبدأ التبادلية، وكذا الإفادة من المردودات من جانب الولايات المتحدة وأوروبا».
هكذا- هذا هو طريق السلام حسب أراد الثنائي بلير ـ نتنياهو، فالسلام من وجهة نظرهم يبدأ من الأمن إلى الجيب أيضاً حسبما جاء في مبادرة مشتركة لبلير وأولمرت، ومن قبول الأمر الواقع وتحسين مستوى المعيشة.
ويبدو أن قصة خريطة الطريق الاقتصادية التي بلورها وقدمها بلير كبديل عن خريطة الطريق السياسية، قد راقت للإسرائيليين الذين على ما يبدو تبنوا الأفق الاقتصادي للفلسطينيين بدلاً من الأفق السياسي والحل العادل وإقامة الدولة الفلسطينية، والطامة الكبرى أن بعض القيادات الفلسطينية تتجاوب وتتفاعل مع الأفق الاقتصادي وتنسى في الوقت نفسه ما يجري على الأرض من استيطان وتهويد…!
في هذا الصدد أكد الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز على «أهمية التعاون الاقتصادي في تحسين فرص السلام مع الفلسطينيين»، مضيفاً «لا يوجد احتمال للتوصل إلى اتفاق سلام بين “إسرائيل” والفلسطينيين بسبب الانقسام الحاصل بين حركتي فتح وحماس»، ومن بيريز إلى ليفني، حيث اعتبرت: «إن تحسين الأحوال الاقتصادية للفلسطينيين يجب أن ينظر إليه جنباً إلى جنب مع المخاوف الأمنية الإسرائيلية»، مضيفة «أتوقع أن يدرك العالم أن المسألتين هما طرفا المعادلة».
ولم يتأخر الجنرال باراك عن الإدلاء أيضاً بدلوه الاقتصادي ، فقال «إن الشرط الأساسي لاتفاقات السلام المقبلة هو أن تكون واقفة على أسس اقتصادية فالاقتصاد هو الذي يجعل السلام ثابتاً ومقنعاً للجمهور، وهو الذي يعزز قوة أنصار السلام في وجه أنصار الإرهاب».
ولعل نتنياهو الذي يحمل هذا الخيار الاقتصادي، عبر أعمق تعبير عن هذا التوجه في خطابه له أمام الكنيست مخاطباً الفلسطينيين قائلاً: «لن يتم تكرير أخطاء الماضي بانسحاب إسرائيل من جنوبي لبنان وقطاع غزة، فكل منطقه انسحب منها الجيش الإسرائيلي سيطرت عليها حماس وتم بناء قواعد إرهابية للمنظمات الإرهابية الفلسطينية».
مضيفاً: «أن السلام مع الفلسطينيين يجب أن يرتكز فقط على دعم الاقتصاد الفلسطيني، وليس على أساس الانسحاب من الأراضي وأيضاً عبر إقامة مصانع على خط التماس وإقامة مشاريع مع الأردن ومصر».
مؤكداً: «أنني لن أجري مفاوضات حول أمرين مهمين وهما: لا مفاوضات حول القدس ولا حول اللاجئين الفلسطينيين فهاتان القضيتان غير مطروحتان للتفاوض وأتعهد أن تبقي القدس عاصمة للشعب اليهودي وإسرائيل كما كانت منذ 3 آلاف عام».
ومن معسكر اليمين الفاشي أطل علينا أيضاً بيني بيغن نجل مناحيم ليوضح لنا بمنتهى الصراحة بأن: «ليس هناك مجال للتفاوض مع الفلسطينيين في السنوات القريبة»، مضيفاً: «من الممكن التفاوض معهم حول جودة الحياة والمياه والمجاري، ولكن لا مجال للتحدث حول التسويات، لا جزئية ولا نهائية».
إذن ـ نحن في الخلاصة المكثفة عملياً أمام خيار إسرائيلي وحيد مزدوج، هو الخيار الأمني ـ الاقتصادي الذي يفكك القضية بكافة ملفاتها وحقوقها إلى مركبات أمنية اقتصادية، ويسقفها كما أوضح بيغن بجودة الحياة والمياه والمجاري…!
نعتقد أنه يتوجب على الفلسطينيين المفاوضين والمعارضين على حد سواء، وعلى العرب معهم، أن يعيدوا جميعاً، ترتيب أولوياتهم وأجنداتهم في مواجهة لاءات وأجندات حكومة نتنياهو على مدى السنوات الأربع القادمة وهي فترة ولايتها الكاملة، إذا ما أرادوا أن يتحملوا مسؤولياتهم التاريخية والقومية…!
كاتب فلسطيني
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: اغتيال المقاومين في الضفة لن يزيد شبابها الثائر إلا مزيداً من الإصرار على المواجهة
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة حماس أن سياسة الاحتلال الصهيوني باغتيال المقاومين وتصعيد استهدافه لأبناء شعبنا في الضفة الغربية؛...

الأمم المتحدة تحذّر من استخدام المساعدات في غزة كـ”طُعم” لتهجير السكان
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت هيئات الأمم المتحدة من مخاطر استخدام المساعدات الإنسانية في قطاع غزة كوسيلة للضغط على السكان ودفعهم قسرًا للنزوح، مع...

الإعلامي الحكومي: الاحتلال يُهندس مجاعة تفتك بالمدنيين
المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" تواصل ارتكاب جريمة منظمة بحق أكثر من 2.4 مليون مدني في قطاع...

حماس تردّ على اتهامات السفير الأمريكي: أكاذيب مكررة لتبرير التجويع والتهجير
المركز الفلسطيني للإعلام رفضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تصريحات السفير الأمريكي لدى الاحتلال، مايك هاكابي، التي اتهم فيها الحركة بالتحكّم...

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...

حماس تثمّن قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال الصهيوني وحظر التجارة والاستثمار مع...

صاروخ من اليمن يعلق الطيران بمطار بن غوريون
المركز الفلسطيني للإعلام توقفت حركة الطيران بشكل مؤقت في مطار بن غوريون، بعد صاروخ يمني عصر اليوم الجمعة، تسبب بلجوء ملايين الإسرائيليين إلى...