سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في عيون صهيونية

أبدت وسائل الإعلام، وكبار الكتاب والنخب الحاكمة والمثقفة في الكيان الصهيوني، اهتماماً واسعاً جداً بالتعليق على التطورات الأخيرة التي وقعت في الأراضي الفلسطينية التي انتهت بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة، كما ركزت على قرار محمود عباس بحل حكومة الوحدة الوطنية، وتشكيل حكومة طوارئ محلها، إلى جانب إصداره مرسوماً يعتبر بموجبه القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية وكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس أجهزة غير شرعية.
حاول الكتاب الصهاينة تفسير ما جاء، إلى جانب اختلافهم حول الطريقة التي يتوجب على دولة الاحتلال التعامل بها مع الواقع الجديد.
* لم يخوضوا معركة دحلان
داني روبنشتاين، المعلق للشؤون الفلسطينية في صحيفة “هآرتس” حاول الإجابة على السؤال الذي حيّر الصهاينة، ومعهم الكثيرين، ألا وهو: كيف سقطت غزة بكل هذه السهولة في أيدي حركة حماس؟ ويقول في مقال نشره مؤخراً: “الشيء الأكثر غموضا في الأحداث الدامية في غزة هو سرعة نجاح قوات حماس المسلحة في التغلب على جميع أجهزة الأمن الرسمية للسلطة الفلسطينية، التي كانت خاضعةً لسلطة محمود عباس، لقد كانت الأجهزة الرسمية تضم عشرات الآلاف من الجنود، وملكوا السلاح، والتجهيزات والمنشآت، لكن كل هذا لم يساعدهم، إن مقاومة الأجهزة وقادتها من حركة فتح هجمات الوحدات التنفيذية، وكتائب القسام لحماس استمرت أقل من 48 ساعة، كيف حدث هذا؟”.
ويضيف روبنشتاين: إن تفسير ذلك “يكمن في أن عناصر حركة فتح وقادتهم في هذه الأجهزة لم يريدوا القتال أصلاً؛ لقد خضعوا لأنهم لم يروا هذه الحرب حربهم”، مؤكدا أنه من جهة أكثر نشطاء فتح في غزة، كانت الحرب بين حماس، ومحمد دحلان “فلماذا يُعرّضون حياتهم للخطر من أجل الدفاع عن دحلان، وعن العشرات من رجاله، ينظر إليهم الفلسطينيون كجماعة فاسدة وآثمة؟
ويُحدد روبنشتاين سبباً آخر لانفضاض الجمهور عن عباس ودحلان قائلاً: مشكلة دحلان وأبو مازن أنهم أوصلا شعبهم إلى حضيض فظيع، وإلى حياة فقر، وضيق وحصار، المسار السياسي الذي مشوا فيه عشرات السنين، منذ الاعتراف بدولة الاحتلال في صيف 1988، أفضى إلى طريق مسدود، والجمهور الفلسطيني المسحوق في غزة، تهمه حقيقة أن قادته الذين علقوا آمالاً على تل أبيب، قادوه إلى هذا الوضع”.
* حين يمنح الاحتلال أوكسجين الحياة للمقاطعة!
بعض الباحثين والكتاب الصهاينة رأى في ما حدث نافذة فرص يتوجب على الكيان الصهيوني استغلالها حتى النهاية، فالبروفسور درور زئيفي، المحاضر في قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة بن غوريون يقول: إن التطورات الأخيرة أسفرت عن فرصة تاريخية، تمثلت بالفصل بين الضفة وغزة، وبالتالي يُحظر على تل أبيب عدم استغلال هذه الفرصة، وأضاف في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”: “لو كنا علماء نخطط لتجربة في المختبر، لما استطعنا أن نخطط لتجربة أكثر نجاحاً: فلدينا جماعتان فلسطينيتان متمايزتان بوضوح، ومنفصلتان جغرافياً بلا اتصال بينهما تقريباً”.
ونصح زئيفي دائرة صنع القرار في دولة الاحتلال بالشروع في مفاوضات مع محمود عباس، والفلسطينيون في ذروة تفرقهم، لكنه يستدرك قائلاً: إن هذا يتوجب أولاً من عباس إثبات جدارته عبر شن حرب ضد جماعات حركة “فتح” المسلحة المنتشرة في الضفة الغربية، بعد أن يخيرهم بين الانصياع لتعليماته، أو مواجهة ضربات أجهزة أمنه، معتبرا أن هذا يستوجب في المقابل خطوات إسرائيلية أكثر مرونةً تتمثل في قرار بإخلاء مستوطنات كثيرة، من أجل السماح بإقامة كيان فلسطيني يستطيع أن يحكمه عباس، ويكون مثالاً للاستقرار بالنسبة للفلسطينيين.
من ناحيتها أشادت صحيفة “هآرتس” في افتتاحية لها بالقرارات “الشجاعة” التي اتخذها عباس كالإعلان عن حلّ حكومة الوحدة والقوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية، وتشكيل حكومة طوارئ، معتبرةً أن هذه القرارات “تمثل بداية عهد جديد، يتوجب على الصهاينة استغلاله”.
وتضيف الصحيفة أنه “من الأفضل لدولة الاحتلال أن يكون في مناطق السلطة الفلسطينية حكم مركزي، وإن كان ضعيفاً هشاً على أن يكون فيها حكما لما وصفته “الإسلام المتعصب”، مطالبةً أولمرت أن ينسق خطواته بشكل جيد مع الرئيس بوش.
ونوهت الصحيفة إلى أنه من أجل دق إسفين بين الجمهور الفلسطيني وحركة حماس لا يكفي فقط التخفيف على حياة الناس وتحسين شروط معيشتهم، بل يتوجب العمل على الشروع في التفاوض على تطبيق خطة “خارطة الطريق” التي بلورتها اللجنة الرباعية، معتبرةً أنه بدون أفق سياسي يؤدي لإنهاء لاحتلال، فإن كل الخطوات الهادفة إلى عزل حماس ستبوء بالفشل.
وحذرت الصحيفة من إقدام الحكومة الصهيونية على خنق القطاع في ظل وجود حركة حماس، مطالبةً بعدم التردد بالتنسيق مع ممثلي الحركة والعمل على إعادة فتح المعابر الحدودية، في حال نجحت في تقليص عمليات إطلاق الصواريخ من قطاع غزة.
من جهته، يرسم عكيفا الدار، كبير معلقي صحيفة “هآرتس”، سيناريوهين مفزعين للصهاينة، في حال لم تتحرك حكومتهم بخطوات حثيثة نحو التسوية، محذرا من الاعتقاد السائد لدى بعض القادة والنخب الإسرائيلية أن ما حدث في قطاع غزة والضفة الغربية يُعفيها من التحرك لدفع عجلة التسوية السياسية.
وفي مقال نشره قال الدار: “إذا لم نسارع للاستيقاظ من هذا الحلم، ولم نستنقذ مما بقي من رؤيا الدولتين التي طرحها بوش، فسنبقى في الحقيقة مع الاختيار بين الطاعون، نظام التمييز العنصري، وبين الكوليرا وجعل الدولة اليهودية دولة ثنائية القومية بين الأردن والبحر.
والذي يبعث المرارة أن النخب المثقفة في الكيان المحتل تدرك أن عباس وحكومته وقيادات فتح التي تواطأت ضد حكومة الوحدة أصبحت مدينةً لتل أبيب ببقائها في الضفة الغربية، مما يمكن الأخيرة من ابتزاز تلك الحكومة، وقد عبّر عن ذلك المستشرق الصهيوني غاي باخور الذي قال في “يديعوت أحرونوت”: مجرد وجودنا “الصهاينة” في الضفة يبقي حركة فتح على قيد الحياة، فإذا خرجنا، لانتهت فتح نهايةً تامةً، ولكان التيار الإسلامي سيجرف الضفة أيضاً”.
ويضيف في عبارة لا تخلو من التشفي: “هذه هي الحالة الشاذة الوحيدة في التاريخ البشري التي يساعد فيه الاحتلال أحد تيارات الشعب المحتل”، داعياً إلى عدم إطلاق كلمة الاحتلال على الوجود العسكري في الضفة الغربية، معتبراً أن هذا الاحتلال يخدم بقاء حركة “فتح”.
* عباس أصبح من مخلفات التاريخ
لكن هناك من المعلقين الصهاينة من يرى أنه من غير الطائل الرهان على عباس وحكومته الجديدة، ويختلف رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق الجنرال شلومو غازيت، مع الرؤى السابقة التي عبر عنها البروفسور زئيفي، معتبراً أن حركة فتح وأبو مازن أصبحا من مخلفات التاريخ.
ويضيف في مقال نشرته “معاريف”: “لا ينبغي أن نعتمد على قيادة وعلى حركة فلسطينية خلّفها المستقبل وراءه”، لأن حكومة أولمرت ارتكبت خطأً كارثياً عندما اعتقدت أنه بممارستها الضغط على الشعب الفلسطيني، فإن هذا سيؤدي إلى انفضاض الجمهور الفلسطيني عن حركة حماس، مشدداً على أن التجربة دللت على أن العكس هو الذي حدث تماماً، منوهاً إلى أن السياسات الإسرائيلية كان لها دور كبير في تحقيق حماس للنصر الكاسح في الانتخابات التشريعية الأخيرة.
ويستخف غازيت بالدعوات التي تصدر عن بعض القادة الصهاينة الذين يطالبون بإعادة الحكم المصري إلى غزة والأردني إلى الضفة من أجل محاصرة حركة حماس والتيار الإسلامي، قائلاً: “لا نوهم أنفسنا أنه يمكن إرجاع عقارب الساعة أربعين سنة إلى الوراء، لن تعود الضفة الغربية إلى سيطرة الأردن، ولن يعود المصريون للسيطرة على قطاع غزة، سنضطر إلى إخراج حبات الكستناء من النار بأيدينا”.
وشن سيفير بلوتسكر كبير معلقي “يديعوت أحرونوت” هجوماً عنيفاً على القيادات الصهيونية المطالبة بتقديم الدعم لعباس، متهماً إياها بالعيش في “الوهم الذاتي”، وأضاف: ترتكب الحكومة خطأً كبيراً عندما تراهن على تقديمها الدعم لفتح في الضفة على اعتبار ذلك مصلحةً لها، معتبراً أن حركة “فتح” حركة متعفنة، ولا أمل في دعمها، واصفاً أبو مازن بزعيم “من ورق”.
ويتفق الكاتب الشهير يارون لندن في “يديعوت أحرونوت”، مع ما ورد في مقال غازيت، قائلاً: إننا ليس بوسعنا التأثير على ما يجري في الساحة الفلسطينية، معتبرا أن الجدل الصهيوني المحتدم حول سبل التأثير على الواقع الفلسطيني الداخلي “يأتي للتنفيس عن الضائقة” التي تعيشها الدولة، معتبراً أن هذا الجدل “يخفف عن الضمير الجماعي لأنه يغفر لنا إخفاقاتنا، فلماذا نشعر بمشاعر الذنب، إذا كنا لا نعلم ماذا كان سيحدث لو سلكنا سلوكا مغايراً”.
وخلص لندن إلى أن العبرة الوحيدة التي يتوجب على الصهاينة استيعابها مما حدث، هو أنه يتوجب عليها الأخذ “بنظرية الضرورات، التي تقترح مواجهة الأسئلة المُلحة لا الأسئلة الكبيرة”.
كما ينتقد تسفي بارئيل، معلق الشؤون العربية في “هآرتس” الحماسة التي أبدتها تل أبيب وواشنطن لتأييد حكومة الطوارئ التي أمر بتشكيلها عباس، معتبرا أن التوجه الإسرائيلي الأمريكي يهدف للعب على وتر تقسيم المناطق الفلسطينية إلى ضفة وغزة، وكأن الضفة الغربية بعد وصول المساعدات الاقتصادية لها ستصبح “جنة عدن”، بينما يتحول قطاع غزة إلى جهنم.
ويعتبر بارئيل أن تل أبيب ستفشل في النهاية في فصل الضفة عن القطاع، واصفاً رهانها على ذلك بأنه أشبه بالخطى المتسرعة الفزعة التي ترمي لتصويب الخلل الذي حصل أكثر من كونها تعبيراً عن سياسة ذات رؤية واضحة”، مشيرا إلى أن حكومة فياض ليس بإمكانها تبني سياسة الإجحاف أو التمييز ضد منطقة قطاع غزة فقط لأنها خاضعة لحماس، لأن الفلسطينيين سيرون في خطوة عباس الذي يعتمد على الدعم الإسرائيلي والأمريكي بأنها “عمل خياني”.
في نفس الوقت ينوه بارئيل إلى أن حكومة الطوارئ الجديدة لا تستطيع أداء دورها على المدى الزمني من دون مصادقة البرلمان الذي تعتبر أغلبيته من أفراد حماس المسجونين.
* الدور العربي في خنق حماس
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...

جيش الاحتلال يفرض إغلاقًا على قرية المغير في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام فرضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، إغلاقًا على قرية المُغَيِّر شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة...

بوريل: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بغزة بقنابل من أوروبا
المركز الفلسطيني للإعلام أكد المسؤول السابق للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وأن نصف...

الاحتلال يواصل الإبادة بغزة موقعاً 147 شهيدًا وجريحًا خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم السبت، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 23 شهيدا، و124 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...