السبت 10/مايو/2025

خيارات عربية وإسرائيلية

خيارات عربية وإسرائيلية

صحيفة الاتحاد الإماراتية

التصميم الجسور الذي أبداه أوباما بشأن حل الصراع العربي- الإسرائيلي، يمثل تحدياً كبيراً ليس لرئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني “بنيامين نتانياهو” وإنما أيضاً للزعماء العرب، الذي يقدم لهم فرصة فريدة – قد لا تتكرر مرة ثانية -لاستخلاص دولة فلسطينية من براثن الهزائم والكوارث التي منوا بها خلال العقود الستة الماضية.

والسؤال هنا هو: هل سيرتفع الطرفان المتنازعان لمستوى الحدث؟ إن تصميم أوباما على تسوية هذا الصراع، الذي طال مداه بين الإسرائيليين والفلسطينيين، على أساس (حل الدولتين) لم يعد محل شك على الإطلاق، حيث كان ذلك تحديداً هو مضمون الرسالة التي حرص الرئيس الأميركي على توجيهها منذ ساعاته الأولى في البيت الأبيض، ثم كررها باقتناع كبير في خطابه التاريخي الذي ألقاه في جامعة القاهرة في الرابع من يونيو الحالي.

في هذا الخطاب قال أوباما إن أميركا “لن تدير ظهرها لطموحات الفلسطينيين الشرعية في الكرامة، والفرص، وإقامة دولة خاصة بهم”. وأضاف”ولعل هذا هو السبب الذي يجعلني أقول إنني شخصياً سوف أتابع هذا الأمر حتى الوصول إلى نتيجته المتوخاة بكل ما يستلزمه ذلك من صبر”. وأصر أوباما كذلك على أن حل الدولتين يصب في مصلحة “إسرائيل” ومصلحة الفلسطينيين، ومصلحة أميركا ومصلحة العالم بأسره.

ونتانياهو يواجه مأزقاً حرجاً في الوقت الراهن: فإذا قرر الدخول في مواجهة مع أوباما، فإنه سيعرض شريان الحياة الممتد ل”إسرائيل” من الولايات المتحدة للخطر، وإذا قرر الرضوخ لمطالب أوباما، فإن ذلك سيفقده تأييده شركاءه في الائتلاف “اليميني” الحاكم، ما يؤدي بالتالي لانهيار حكومته.

بيد أن الخيار المتاح أمام نتانياهو قد لا يكون بهذه الدرجة من الحدّية في الواقع العملي، وإن كان ذلك لا ينفي أنه سيفعل أي شيء من أجل تجنب الدخول في صراع مفتوح مع أوباما مثل: السعي للتفاوض واقتراح حل وسط، واتباع وسائل التهرب والمراوغة، والسعي إلى التسويف بكل وسيلة ممكنه في هذه اللحظة الحاسمة من لحظات الاختيار. وإذا انشق حزب أو اثنان، من الأحزاب المتطرفة الداخلة في تشكيلة ائتلافه الحاكم عنه، فإنه سيسعى على الأرجح لبناء تحالف جديد مع حزب”العمل”أو حزب” كاديما” المنتمي لتيار الوسط الذي تقوده “تسيبي ليفني”.

حتى وإن تم ذلك، فإن الخيار الأساسي سيبقى قائماً: فإما مواجهة المستوطنين – وهو ما يطالبه به أوباما بالفعل – أو الاستسلام لهم إذا فشل في مواجهتهم، وفقد الدعم الأميركي بالتالي، أي أن “إسرائيل” مطالبة في الوقت الراهن بالاختيار بين حلم “إسرائيل” الكبرى وتحقيق السلام مع العالمين العربي والإسلامي، وبين إرضاء المستوطنين أو إرضاء أميركا.

وهناك احتمال آخر، وهو أن الولايات المتحدة تسعى من خلال ما تقوم به إلى إدارة عملية سقوط نتانياهو. فهذا الأخير وحلفاؤه – المستوطنون الذين يضعون أيديهم بالقوة على أراضي الفلسطينيين، والحاخامات المتعصبون، ووزير خارجيته العنصري الكاره للعرب “أفيجدور ليبرمان” – خصوم عنيدون لرؤية أوباما للسلام والتسوية، ومن الصعب تخيل إمكانية وصوله إلى أي نوع من التسوية معهم.

وربما تكون حسابات واشنطن في اللحظة الراهنة أن الضغط النفسي والسياسي على النحو الذي يمارسه أوباما، سيؤدي إلى عزل المتطرفين، وحشد غالبية الإسرائيليين وراء حل الدولتين. والشهور القادمة سوف تقرر ما إذا كان ذلك ممكنا أم لا.

في الوقت نفسه، يواصل الفرقاء الفلسطينيون قتل أنفسهم كما لو كانوا لا يدرون أنهم بذلك يقامرون بقضيتهم القومية، ويساهمون في تحقيق ما يسعى إليه نتانياهو. فالصراع المندلع بينهم هو أثمن هدية يمكن أن يقدموها لرئيس الوزراء الإسرائيلي، حيث يمكن لهذا الصراع أن يزوده بالحجة التي تمكنه من تجنب اتخاذ الخيار الذي يصر عليه أوباما.

والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق: متى يتمكن زعماء “حماس” و”فتح” من إدراك الحقيقة البسيطة التي تقول إنهم إذا أرادوا دولة فلسطينية حقا، فعليهم أن يعملوا على رأب الصدع في صفوفهم؟ إذا لم يستطع الزعماء الفلسطينيون التسامي فوق خلافاتهم الصغيرة، فإن الواجب عليهم في هذه الحالة أن يتنحوا، ويفسحوا الطريق لآخرين أقل تشبثاً بصراعات الأمس الشخصية والأيديولوجية.

مسؤولية الزعماء العرب في الوقت الراهن هائلة، فهم فقط- وعلى وجه الخصوص زعماء مصر والسعودية، وسوريا، والأردن، وربما أيضاً بعض دول الخليج العربية – الذين يملكون نفوذاً على الفصائل الفلسطينية، يمكن أن يدفعها إلى ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل.

هل من قبيل المبالغة أن نتوقع من الزعماء العرب في هذه اللحظة الحاسمة من لحظات رئاسة أوباما أن يضعوا خلافاتهم التي تدور في إطار الحرب الباردة المندلعة بينهم جانباً، ويدعوا إلى اجتماع لجميع الفصائل الفلسطينية لصياغة ميثاق مشترك جديد بينها يتم وضعه أمام العالم؟

من المؤكد أنه يمكن إقناع “حماس” بمبادلة الهدنة طويلة الأمد التي عرضتها على “إسرائيل” بسلام كامل الأوصاف، أليس كذلك؟ من المؤكد كذلك أن ساسة “حماس” قادرون على تقديم تعهد بالاعتراف ب”إسرائيل”، متى ما قامت الدولة الفلسطينية.. أليس كذلك؟ ومن المؤكد أيضاً أن التخلي عن العنف – مثلما يطالب أوباما – ليس بالتضحية الجسيمة في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة، ولعلها تكون الطريق الأمثل لإقناع “إسرائيل” بالتخلي عن عنفها الأشد… أليس كذلك؟

الحقيقة الجلية هي أن العرب، إذا أرادوا السلام، وإذا أراد الفلسطينيون الدولة، فإنهم يجب أن ينظروا إلى ما وراء خلافاتهم الداخلية، ويعطوا أوباما هذا الزعيم صاحب الرؤية -الذي يمثل ظهوره على دفة قيادة أميركا مشهداً لا يمكن لأحد وصفه بأقل من أسطوري – المساندة التي يحتاجها.

وإذا اعتقد هؤلاء جميعاً أنهم قادرون على تحقيق النجاح من دون مساندته، فسيكونون قد ارتكبوا بذلك خطأً جسيماً.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات