الأحد 11/مايو/2025

التفاعل مع غزة يتصاعد في فيينا بعد أسابيع على نهاية الحرب الصهيونية

التفاعل مع غزة يتصاعد في فيينا بعد أسابيع على نهاية الحرب الصهيونية

“عايشنا خلال الأسابيع الماضية حرباً بشعة، عايشناها يوماً بيوم، ساعةً بساعة، لحظةً بلحظة. جميعنا سكب الدموع مع كلّ قطرة دم، جميعنا تفطّر فؤاده مع كلّ صرخة ألم، انتفضت أبداننا ونحن نشاهد القصف الوحشيّ على الأحياء السكنية، على المنازل، على المساجد والمشافي والمدارس”.

كانت هذه هي الكلمات التي اختارها القيادي محمد ترهان، أحد وجوه مسلمي النمسا، في التعبير عن التضامن مع قطاع غزة. وكان ترهان يتحدث في مهرجان كبير، أقيم في كبرى قاعات فيينا، لإطلاق تحركات إعادة إعمار غزة.

وشرح ترهان، الذي يقف على رأس المؤسسة النمساوية التركية الكبرى “الاتحاد الإسلامي في فيينا”، “نحن هنا لِنَمسح رأس اليتيم، ولنطعم الذين جوّعتهم آلة الحرب، لنضمِّد الجراح، ونرسم البسمة على وجوه الصغار. نحن هنا لنضيء ليل غزة، لنقف إلى جانب الأطفال والأمهات والمرضى. ونقول لهم جميعاً: قلوبنا معكم، نَقتَسم وإياكم لقمة العيش وكسرة الخبز، هذه هي مسؤوليتنا وهذا هو التزامنا”، وأكد “لن ندعَ غزةَ وحدها، فكلّنا اليوم غزة”.

“نور من أجل غزة”

وشارك في المهرجان الخيري الذي حمل عنوان “نور من أجل غزة”، قرابة خمسة آلاف شخص جاء بعضهم من دول مجاورة كألمانيا وتشيكيا وسلوفاكيا والمجر وإيطاليا. وقد دعا إلى المهرجان الذي تميّز بالتنظيم الجيد في أهم قاعات فيينا، حشد من عشرات المؤسسات والتجمعات الإسلامية بالنمسا.

وحدّد المهرجان لذاته هدف جمع مليون يورو، من أجل بناء ثلاثة منشآت نموذجية، ضمن جهود إعادة إعمار قطاع غزة. ويتعلق الأمر بمستوصف صحي، ومدرسة تعليمية، ومسجد. وكانت القوات الصهيونية قد قصفت المنشآت الصحية والتعليمية والمساجد على نطاق واسع في حربها على القطاع.

إلاّ أنّ التجاوب فاق التوقعات، حيث أفرغ الرجال والنساء المشاركون في الفعالية التي أقيمت ليل السابع من شباط (فبراير)، ما في جيوبهم لصالح غزة، فبلغت الحصيلة في غضون خمس ساعات فقط نحو مليون وأربعمائة ألف يورو، علاوة على أكوام من الذهب. وقد توالت تعهّدات مالية إضافية يجري تحصيلها حالياً.

وقال عادل عبد الله، الأمين العام لمؤتمر فلسطينيي أوروبا، في كلمته “نلتقي في هذه الأمسية المباركة، لنجدِّد التواصل مع غزة، مع أحرار غزة، مع أطفالها ونسائها وشيوخها، هؤلاء جميعاً الذين جسّدوا أمام العالم أجمع، روح العزة، ومعنى الكرامة الإنسانية”.

ورأى عبد الله أنّ “في غزةَ مشهدين متلازمين؛ مشهد الضحايا والأشلاء، الدمار والأنقاض، ومشهد العزّة والكرامة، الصمود والتشبّث بالحرية”. وقال “هذا يؤكد لنا مجدَّداً أنّ الإنسان الفلسطيني لم ينكسر رغم ضراوة القصف وبشاعة المجازر وفظاعة الانتهاكات. لم ينكسر الإنسان في غزة، رغم العدد الهائلِ من الضحايا والحجم الواسع من الدمار. لم ينكسر الإنسان لأنه مؤمن بربِّه، متمسِّك بحقِّه، لم ينكسر لأنّ قضيّته عادلة، ولأنّ الاحتلال وآلتَه الحربيّة هما عنوان الظلم والطغيان”.

وقد توجّه المطران عطا الله حنا برسالة متلفزة إلى المهرجان الذي التأم في فيينا، أعرب فيها عن تحياته لهذه المبادرة. كما استضاف المهرجان متحدثين كان من بينهم الشيخ رائد فتحي، من الداخل الفلسطيني المحتل سنة 1948.

وقد نقلت عدد من القنوات التلفزيونية وقائع المهرجان بالبث المباشر، بينما واكبه الملايين في تركيا، عبر القناة الخامسة.

تواصل مباشر مع غزة

وقد تواصل المهرجان الخيري بشكل مباشر مع قطاع غزة، عبر الأقمار الصناعية، فاستضاف إمام مسجد دمّره الجيش الصهيوني في الحرب الأخيرة، ومواطناً فلسطينياً شاهداً على الفظائع الصهيونية، وطفلين أحدهما الطفلة ألماظة السمّوني، التي فقدت ثلاثين من أفراد عائلتها على مرأى منها ومسمع.

وفي حوار مفعم بالشجون أداره الإعلامي الفلسطيني عبد الناصر أبو عون من غزة؛ روى هؤلاء الكثير من مشاهداتهم في سياق الحرب، لكنهم أثاروا إعجاب الجماهير المحتشدة في مركز المؤتمرات الدولي بفيينا، لما أبدوه من تماسك ومعنويات عالية، ما جعل موجات التصفيق والتكبير تتوالى.

وقد توالت تبرّعات المشاركين والمشاركات في غضون ذلك، وأفرغ العديد من الأطفال حصّالاتهم، بينما قدّمت النساء حليّهن الذهبية من أجل غزة، بينما عكف فريق موسع على توثيق التبرعات في سجلات إلكترونية تم إبرازها في القاعة، مع رصد تنامي الأموال المجموعة.

وقال عدد من المتحدثين إنّ غزة تمنح اليوم أملاً في كل مكان، ومن أهلها نستقي العزة ونتعلم الكرامة. وبينما تعهّد عادل عباد الله بالقول “لن نترك غزةَ وحدها، لن نترك أطفال غزة وحدهم”، فقد أكد بالمقابل أنّ “غزة ستواصلُ إمدادنا بالكثير الكثير من العزّة والكرامة ومعاني الحرية والمجد”.

ومما لفت الانتباه، المشاركة التركية الغفيرة في هذا المهرجان، حيث قدّمت المؤسسات الإسلامية التركية وجمهورها مئات آلاف اليوروات، كما قدّمت منظمة الشباب المسلم بالنمسا وحدها مائة ألف يورو. وساهم المسلمون العرب والبوسنويون والبنغاليون والنمساويون الأصليون بمبالغ لفتت الانتباه.

وشكّلت الفرق الفنية التي أحيت المهرجان الضخم، مشهداً من الفسيفساء التي رأى فيها الحاضرون لوحة تضامنية مميّزة مع غزة، لم يسبق أن ائتلفت على هذا النحو. فقد شاركت فرقة “النور” القادمة من أم الفحم، إلى جانب الفنان التركي مصطفى جهاد، وفرقة “هلال” النمساوية للأطفال، وفرقة “باد فوسلاو” النمساوية التركية للأطفال، علاوة على فرقة بوسنية لم يتسع لها البرنامج الزمني.
 
تتويج لسلسلة متلاحقة من الفعاليات

جاء ذلك المهرجان، ليمثل ذروة تفاعلات الموسم في النمسا مع القضية الفلسطينية، ومع قطاع غزة الذي واجه الحرب الصهيونية عليه بالتزامن مع الحصار المشدّد. فقد شهدت النمسا على مدى شهرين سلسلة واسعة من المظاهرات والمسيرات والاعتصامات، جمعت عشرات الألوف من الأشخاص، هتفوا جميعاً “كلنا غزة”.

ولم يتوقف التفاعل عند هذا الحد. فقبل شهر فقط من ذلك، كان ملتقى فلسطين السنوي، الذي تنطمه رابطة فلسطين والمجلس التنسيقي لدعم فلسطين، يحشد نحو ألف وخمسمائة مشارك، تفاعلوا مع غزة بصورة منقطة النظير.

وكان أحد المتفاعلين في ملتقى فلسطين الأم التركية مزيّنة يازجي، التي قامت بتطريز ملاءة بيضاء محلاّة بالورود الحمراء والأوراق الخضراء. وأعلنت يازجي للجمهور المحتشد، أنها اختارت الألوان بعناية، وأنّ كلّ غرزة تطريز صاحبتها دمعة انسكبت على وجنتيها، بينما كانت تواكب أخبار العدوان على غزة. واتضح من حديثها للجمهور أنّ اللون الأحمر الخاص بالورود مستوحى من دماء الشهداء والمصابين الفلسطينيين، وأنّ اللون الأخضر مستقى من الرايات التي يرفعها الفلسطينيون.

وقد تنافس الحشد في شراء الملاءة التي خُصِّص ثمنها لأطفال غزة في مزاد خيري، إلى أن بيعت بعشرة آلاف يورو، حيث اشتراها النمساوي من أصل مصري ثروت الصوابي، معرباً عن امتنانه لصنيع هذه الأم التركية واعتزازه بالشعب الفلسطيني في غزة. أما مزيّنة يازجي فلم تملك سوى أن تذرف الدموع.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات