السبت 10/مايو/2025

مدقق لغوي يروي تفاصيل رحلة غير سعيدة إلى منتدى الرئاسة

مدقق لغوي يروي تفاصيل رحلة غير سعيدة إلى منتدى الرئاسة

ملقى على السرير لا يقوى على الحركة، هكذا بدا مشهد أسامة أبو مسامح وهو على أسرّة المرضى في المستشفى الأوروبي بمدينة خان يونس، بعدما أصابه الرصاص التابع لحرس الرئاسة، لا لشيء فعله سوى أنه أطلق لحيته التي حثّ عليها النبي عليه الصلاة والسلام.

أبو مسامح الذي يعمل مدققاً لغوياً في صحيفة “الرسالة” الفلسطينية، لم يكن يعرف أنّ لحيته ستكون سبباً في محاولة إعدام شاء الله أن ينجو منها وهو في طريقه إلى أسرته، بعدما أنهى عمله في مدينة غزة.

وقد جاء ذلك في ظل حالة انفلات أمني شهدها القطاع من قبل مجموعات مسلحة يقول المراقبون إنه لا يروق لها أن تهدأ الساحة الفلسطينية، وأنها تتصرف بلغة الاحتلال وفكره، حتى أنها تعدم كل من يحاول نقل الحقيقة ليخرجها للعيان. فبعد أن أعدمت تلك المليشيات الصحفيين العشي وعبدو والجوجو؛ اعتدت على أسامة أبو مسامح، المدقق اللغوي لصحيفة الرسالة، ويبدو أنّ الهدف هو طمس الحقائق، في حالة الصحافيين، أو على الأقل لحية المدقق اللغوي التي لم تحز على الإعجاب.

أبو مسامح أفاد بأنه وهو في طريق عودته إلى بيته؛ واجهته تلك المليشيات في منطقة الشيخ عجلين بالقرب من مسجد خليل الوزير، وبسبب لحيته أوقفوا السيارة التي كان يستقلها، وأنزلوه منها وأخذوا يسألونه عن اسمه ومكان عمله، وعندما عرفوا أنه موظف في صحيفة “الرسالة”؛ أمروا السائق تحت تهديده السلاح بأن يتحرك بقولهم “تحرّك وإلاّ ..”، متلفظين بألفاظ نابية لا تخرج عن عقلاء، ثم أخذوا يكيلون له الاتهامات بأنه يعمل في “صحيفة كاذبة لا تعرف كيف تغطي الأحداث”.

وبهذا؛ أصبح أبو مسامح في نظرهم متهماً بتهمتين؛ الأولى إطلاقه للحيته وما لذلك من دلالات على التزامه الديني، والأخرى العمل بصحيفة “الرسالة”، حيث تعرض للتفتيش الدقيق من قبل حرس الرئاسة، وتمت سرقة هاتفه الجوّال وأمواله، وكل ما يملك من منقولات، بل وحتى أوراقه الخاصة لم تسلم منهم.

وسرعان ما فوجئ أبو مسامح بقيام المسلحين بعصب عينيه ثم نقله في سيارة من نوع “فولكس فاغن”، هو ومجموعة من الشبان قدّر عددهم بثمانية، وذلك إلى موقع قوات الرئاسة، الشهير باسم المنتدى.

إنه المكان سيئ السمعة، الذي تدور حول روايات الهول وحفلات التعذيب، وقد وصلت إليه مجموعة المواطنين الفلسطينيين معصوبي الأعين، وبعدها وُضع كل شخص في غرفه لوحده، وأُغلق بابها عليه، ليبدأوا معه مشوار التعذيب والتنكيل، وكيل الاتهامات الباطلة. وأخذوا بتعذيبه وضربه بالحبال والعصي والخراطيم، وركله بأقدامهم في جميع أنحاء جسده، ليجبروه على الاعتراف بأنه ينتمي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”. وقد استمر أولئك بتعذيبه بغلظة لمدة ثلاث ساعات متواصلة، وهم يتلفظون بألفاظ نابيه؛ مصحوبة بعبارات الكفر والإلحاد، والتي لا تخرج إلا عن سفهاء.

وقد شكّك أبو مسامح في أن يكون من عذّبوه من الفلسطينيين، فهم يتحدثون العربية لكن هم أبعد ما يكون عنها، بل هم كما قال “وحوش مدرّبة”. ثم تابع هؤلاء المشوار معه بعصب عينيه مره أخرى، وقالوا له “لقد انتهى موضوعك”، وعندما سألهم “كيف انتهى؟!”؛ أجابوه بأنه سيرى ذلك “بعد قليل”.

وقد اتضح له أنّ “موضوعه” قد انتهى على طريقتهم في القتل بدم بارد، فنقلوه بسيارتهم وهو معصوب العينين ومكبل اليدين، إلى مكان يقدِّر أبو مسامح بأن يكون دوار حيدر وسط مدينة غزة، فيما بادروا عندها بإطلاق رصاصهم الغادر على ساقه اليمنى ومن ثم ساقه اليسرى، لتتهشم عظام فخده، ولتخترق عظام ركبته في قدمه الأخرى. وعندها تركوه على هذا ليصارع الموت وغادروا، وشاء الله أن تحضر إلى الموقع سيارة مدنية لتنقله إلى مستشفى الشفاء بغزة، قبل فوات الأوان.

أبو مسامح يروي أنه سمع لدى محاولة إنقاذه، أصوات أناس من حوله يقولون إنّ شخصاً آخر كان إلى جانبه وعانى مما عانى منه؛ قد فارق الحياة “فلننقذ الشخص الذي لازال على قيدها”، أي أبو مسامح.

وقد شخّص الأطباء حالة المدقق اللغوي الفلسطيني المنكوب، بأنها كسر في الساق اليسرى مع انقطاع في الوريد، وهو أخف الضررين وأهون الشرّين بعد أن رأى الموت بعينيه.

أما أبو مسامح فيأمل أن يتمكن من استئاف السير على قدميه مرة أخرى ليواصل عمله ويحاول نشر الحقيقة، وهي الحقيقة التي هناك من يسعى جاهداً لإخفائها، لكن أنّى لغربال التزييف والتضليل أن يطمس شمسها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات