السبت 28/سبتمبر/2024

التقرير الاستخباري الصهيوني السنوي… قراءة تحليلية

التقرير الاستخباري الصهيوني السنوي… قراءة تحليلية

اشتمل التقرير الاستخباري السنوي الذي قدمه إلى الحكومة كل من جهاز الأمن العام (الشاباك)، وجهاز المخابرات الخارجية (الموساد)، وشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) رؤية أجهزة الاستخبارات الصهيونية لمجمل التحديات والأزمات التي تشكل خطراً استراتيجياً على الأمن القومي لدولة الكيان الصهيوني الغاصب. واللافت في توقيت تقديم التقرير الاستخباري تزامنه مع فشل آلة الحرب الصهيونية في تدمير صمود أهل غزة ومقاومتها إبان الاجتياح الإسرائيلي الأخير الذي استهدف جباليا بوجه خاص، وقطاع غزة بأكمله بوجه عام.

وفي الوقت الذي تتواتر فيه الأنباء عن عقد هدنة (مؤقتة) بين فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة والجيش الصهيوني؛ تمهيداً لعقد تهدئة شاملة لكافة الملفات الأمنية والمعيشية لسكان القطاع، وفي ظل اعتراف صهيوني رسمي بفشل العملية العسكرية الأخيرة في تحقيق أهدافها المتمثلة في إيقاف إطلاق الصواريخ على المستعمرات الصهيونية القريبة من قطاع غزة، وضرب المقاومة الفلسطينية، وإنهاء الخطر الاستراتيجي الفلسطيني المتمثل في سيطرة (حماس) على كامل القطاع، فإن التقرير الإسرائيلي.

وفي نزعة تطمينية لجمهوره المرتعد من عجز آلته الحربية عن تأمين الأمن والاستقرار له، يؤكد بأن احتمال “اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة في 2008 ضئيل، إلا إذا تمّ المس بأماكن دينية، وخصوصاً بالمسجد الأقصى، أو في حال اتسع حجم المسّ بالفلسطينيين وسقوط أعداد كبيرة من القتلى”. بحسب تقديرات جهاز الشاباك.

ولعل الإعلان عن ضعف احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة في أعقاب العلمية العسكرية الأخيرة إذ يطمئن الناخب الإسرائيلي إلى عدم وجود ردات اهتزازية أخرى (بالإضافة إلى عملية القدس الأخيرة)، فإنه يرسم مستقبلاً (وردياً) عن طموحات وآمال الشعب الفلسطيني عندما يعتبر أن الشعب الفلسطيني يريد إجراء انتخابات عامة مبكرة للرئاسة وللمجلس التشريعي، وأن الفلسطينيين قلقون من المشاكل الاقتصادية التي يواجهونها وأنه ما زال يولي ثقته للرئيس محمود عباس.

لكن نزعة (التطمين) المصطنعة إبان الفشل العسكري الذريع الأخير وما كشف عنه من عجز خطير في القدرة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، لم يكن ليسمح لقارئيه الصهاينة بالاسترخاء والدعة في ظل تركيز التقرير على قدرة المقاومة الفلسطينية المتعاظمة على قصف المستعمرات الصهيونية بالصواريخ محلية الصنع، والتي اعترف التقرير باتساع مداها إلى أكثر من 17 كيلو متر، وأن (حماس) قد “استولت على مخزون الأسلحة وأرشيف المواد الاستخبارية التابعة للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة، وتزايد نشاطها في الضفة الغربية وخصوصاً في مدينتي نابلس وقلقيلية”.

وفيما يخص العلاقة مع سورية، أشار التقرير إلى إمكانية “إبعاد” سورية عن المحور الإيراني “الراديكالي” في المنطقة، على حد تعبير التقرير، لكن الثمن بالنسبة “لإسرائيل” سيكون إعادة هضبة الجولان إلى سورية و إيجاد دعم أميركي لسورية. وهو ما قلل التقرير، كعادته، من إمكانية حصوله في العام الحالي على أقل تقدير، دون أن يغفل التقرير تخويف جمهوره الصهيوني من القدرات العسكرية (الصاروخية بالذات) للجيش السوري.

واللافت في التقرير توسع الجهات التي يعتبرها الكيان الصهيوني “عدواً” استراتيجياً له، فبحسب تقديرات كل من (الموساد) و(أمان) فإنه “توجد خمس جبهات عسكرية معادية (لإسرائيل) هي: سورية ولبنان وقطاع غزة وإيران وحركة الجهاد العالمي (تنظيم القاعدة)”. وانسياقاً مع المحور الأمريكي الذي يقود حملة دولية لمواجهة الطموحات النووية الإيرانية، فإن التهديد الإستراتيجي المركزي على (إسرائيل) يكمن في (إيران)، وذلك لسببين هما: استمرار (إيران) في تطوير برنامجها النووي، والدور المركزي لها “كزعيمة محور الشر”. فضلاً عن مواصلتها تطوير صواريخ طويلة المدى.

وعليه، فإن الصراع الدائر حالياً في الشرق الأوسط وفق الرؤية الإستراتيجية الصهيونية، هو صراع إقليمي بين “المحور الراديكالي” بزعامة إيران و”المحور المعتدل”. محذراً من نشاط تنظيم القاعدة في دول الشمال الإفريقي، وتغلل عناصر من هذا التنظيم العالمي في قطاع غزة، الأمر الذي بات من وجهة نظرهم، يبرر ضرب عناصر المقاومة وتصفيتها بحجة مقاومة تنظيم القاعدة وعناصره في قطاع غزة، مما يكسب الكيان المحتل تغطية دولية و”رضا” أمريكياً عن ضلوع (إسرائيل) في حرب الرئيس بوش على “الإرهاب” حول العالم.

ما كان التقرير الاستخباري الإسرائيلي لينال كل هذه الضجة الإعلامية لولا توقيته المعتّم على نتائج عمليات جيش الاحتلال في قطاع غزة منذ فترة وجيزة، فاللعب على وتر التهديدات الاستراتيجية المحيقة بالكيان الصهيوني، وحث حلفائه الغربيين على التدخل وتخفيف الضغط عن القيادة السياسية والعسكرية إبان هزائمها المتوالية على الجبهتين الشمالية (في تموز 2006) والجنوبية مؤخراً، بات ورقة مستهلكة ومناورة مكشوفة حتى بالنسبة للمقربين من الكيان الغاصب، فهل ينجح التأجيج الصهيوني لحالة العداء في المنطقة لوجوده في زيادة أزمات منطقة مأزومة أصلاً؟!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات