تهويد القدس في ظل الانقسام الفلسطيني

صحيفة السفير اللبنانية
الحقيقة إن تهويد القدس العربية (أي استكمال تهويد القدس الكبرى) قد بدأ منذ العام 1967، في ظل الهزيمة العربية، ثم استفحل أمره تماماً بعد اتفاقيات كامب دافيد، التي وضعت كل الحقوق العربية في فلسطين، تحت رحمة المشروع الصهيوني. لكن ما يجري الآن في القدس (تعبيراً عما يجري في كل أرض فلسطين)، وصل إلى ذروة الخطر، لأن المخطط الصهيوني الذي لم تتخلَّ عنه “إسرائيل” يوماً واحداً، كان دائماً يحدد وتيرة تقدمه أو تجميده، بعد حساب قوة الممانعة أو الاعتراض أو المواجهة أو المقاومة، التي قد تصدر عن العرب عموماً، أو عن الفلسطينيين بشكل خاص. فلما وجدت “إسرائيل” أن العرب بدأوا منذ سنوات طويلة أصلاً، ينسحبون من أي مواجهة معنوية أو مادية لما تخططه وتنفذه “إسرائيل” في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أصبحت هذه الأخيرة تحدّد مدى التوسع في مخططات التهويد (في الضفة عموماً والقدس خصوصاً)، ومدى جرعة التهويد ومدى تسريع الوتيرة، وفقاً لصعود وهبوط المقاومة الفلسطينية (المدنية في معظمها) للإجراءات التنفيذية التي تقتضيها هذه الخطط .
لقد بقيت هذه حال المواجهة الإسرائيلية – الفلسطينية في مسألة تهويد الضفة الغربية والقدس بالذات، تتصاعد وتتراجع وفقاً لميزان القوى الفعلي بين الاندفاع الإسرائيلي (المدعوم بالمساعدات الأميركية)، واللامبالاة الأوروبية الرسمية، والعجز العربي الرسمي .
لكن عندما تمضي أشهر على نجاح خطة الحصار التجويعي لشعب فلسطين في الضفة وغزة، وتؤدي لتفجير الخلافات بينهم على السلطة التي ليس لها وجود حقيقي فعلي، إلى الحدود المزرية التي تطل علينا يومياً عبر الفضائيات، وهي حدود وصلت إلى حد إطلاق نار فلسطينية، على سيارات إسعاف فلسطينية ذاهبة لإنقاذ الجرحى، فيموت بعض الجرحى من الفلسطينيين، لعدم تمكن سيارات الإسعاف من اقتحام زنار النار التي تطلق عليها (تشبهاً بما عوّدتنا “إسرائيل” على ارتكابه)، عندما يحدث كل ذلك، فإن من الطبيعي أن تشعر القيادة السياسية الإسرائيلية، أنه لم يكن يخطر في أحلامها، أن تكون الظروف الفلسطينية (إضافة إلى الظروف الدولية والعربية) أكثر ملاءمة، مما هي عليه اليوم، لاستكمال أصعب مراحل خطوات التهويد (التي كانت تبدو مستحيلة في مراحل سابقة) أي تهويد القدس العربية بالكامل، سكاناً وأحياء ومواقع مقدسة، إسلامية ومسيحية، مع التركيز أولاً على المواقع الإسلامية (المسجد الأقصى وحائط البراق)، لأن الارتكان الإسرائيلي للعجز العربي أكثر ثباتاً على ما يبدو من ارتكانها للامبالاة الأوروبية .
كان يبدو في الثلث الأول من القرن العشرين، وحتى قبيل منتصفه بقليل، أن أبشع ما يمكن أن يحدث لأرض فلسطين وشعبها، هو الصورة المبهمة إلى حد ما، المرسومة في رسالة بلفور الشهيرة لروتشيلد، والتي كانت (ادعاء للموضوعية والتوازن والتعقل) تشير إلى أن إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، يرتبط بشرط ضروري وحتمي، هو عدم المساس بمصالح السكان الأصليين (في نص رسالة بلفور لم يرد أي وصف لهؤلاء السكان يشير إلى كونهم عرباً، بل هم مجرد «سكان أصليين») .
لكن من المؤكد أن المخططين الذين كانت رسالة بلفور الوثيقة الدولية الأولى في ملفهم (قبل اتفاقية سايكس – بيكو، وقبل وثيقة الانتداب البريطاني على فلسطين في مؤتمر فرساي) كانوا يدركون أن الأهمية الكبرى، ليست لهذه العبارة أو تلك التي ترد في هذه الوثيقة أو تلك، وإن ظلوا دائمي السعي لتدجيج الوثائق الدولية بأي عبارة يمكن أن تدعم خططهم، وتتحول مع الأيام إلى «شرعية دولية وقانونية» تدعمها، لكن الأهم من ذلك المهم، كان دائماً السعي إلى تغيير حقيقي في ميدان المواجهة لميزان القوى بين أصحاب المشاريع والخطط الخارجية، وأصحاب الأرض الأصليين .
إن ملف المرحلة الأولى من نجاح المشروع الاستعماري – الصهيوني باغتصاب أوسع مساحة ممكنة من أرض فلسطين تتجاوز حتى ما نصّ عليه قرار التقسيم ذاته، وتأسيس دولة “إسرائيل” عليها في العام 1948، هو نفسه ملف الاختلال في توازن القوى بين المعسكرين :
– القوات الصهيونية، مدعومة بالانتداب البريطاني، والمساندة الدبلوماسية الكاملة في المحافل الدولية من دول الغرب والشرق الكبرى والصغرى يومها .
– ومجموعات المجاهدين الفلسطينيين مدعومة بما حسبت علينا يومها، أنها سبعة جيوش عربية دخلت «لتسحق شراذم وفلول العصابات الصهيونية» .
كذلك، فإن ملف المنعطف الثاني في المواجهة، حرب 1967، هو نفسه ملف ميزان القوى المختل بين المعسكرين المتواجهين، المحسوبة طبعاً بقوة امتلاك كل من المجتمعات المتصارعة، لكل أدوات العصر، التي تعتبر القوات المسلحة جزءاً منها فقط .
وأخيراً، فإن ملف التهويد، الذي بدأت “إسرائيل” تمارسه في الضفة الغربية بالذات، وجزء من قطاع غزة الشديد الضيق أصلاً، هو نفسه ملف التراجع الكامل لحيوية أي دور عربي في الصراع العربي – الإسرائيلي، إلى حد التلاشي الكامل، ثم تراجع حيوية النضال الفلسطيني، السياسي قبل العسكري، إلى درجة تحوّل فيها إلى قوة تفجر نفسها من داخلها. لكن هذا، فإن خطط التهويد بدأت تتجاوز (وهي تجاوزت قبل ذلك) الخطوط الحمر كلها، دون أي ردة فعل (فما بالك بالفعل؟)، وليس لأن القرار 242، نصّ في نسخته الإنكليزية على الانسحاب من «أراضٍ محتلة» وليس من «الأراضي المحتلة». تلك كانت ملهاة لفظية ظللنا نلهو بها منذ العام 1967، ما الجد (بل التراجيديا)، فهو ما يجري الآن، في غزة والضفة الغربية، وخاصة في القدس .
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مجزرة دامية .. 6 شهداء باستهداف الاحتلال بيت عزاء في بيت لاهيا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الصهيوني، اليوم الجمعة، مجزرة دامية بعدما استهدفت بيت عزاء لشهداء من عائلة المصري في بيت لاهيا،...

استشهاد الشاب عمر أبو ليل برصاص الاحتلال عقب محاصرة منزل في مخيم بلاطة
نابلس- المركز الفلسطيني للإعلاماستشهد الشاب عمر أبو ليل، صباح اليوم الجمعة، برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي عقب محاصرة منزل في مخيم بلاطة شرق مدينة...

الصليب الأحمر: الاستجابة الإنسانية في غزة على وشك الانهيار التام
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن الاستجابة الإنسانية في غزة على وشك الانهيار التام، جراء حرب الإبادة الجماعية التي...

الاحتلال يحاصر منزلا في مخيم بلاطة ويصعّد عدوانه شرق نابلس
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلامحاصرت قوات الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم الجمعة، منزلا على مدخل مخيم بلاطة، وذلك في سياق تصعيد عدوانها في...

عدوان إسرائيلي يستهدف سفينة أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قصفت طائرة إسرائيلية مسيرة الليلة الماضية، إحدى سفن أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة، قرب مالطا، مما أدى إلى اندلاع حريق...

إسرائيل تقصف محيط القصر الرئاسي في دمشق
دمشق - المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي - الجمعة- عدوانًا على سوريا، واستهدفت محيط القصر الرئاسي في دمشق، في تصعيد لسياسة...

استشهاد شاب برصاص الاحتلال في بيتا جنوب نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد الشاب علاء شوكد أحمد اخضير، مساء اليوم الخميس، إثر إصابته برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحامها بلدة...