صكوك الغفران الفلسطينية

لابد أن كل فلسطيني أراد أن يتوظف أو يصبح سائقا أو حتى بقالا سمع عن الورقة السحرية ” حسن السير والسلوك ” … التي لا يحصل عليها الفلسطيني مرة واحدة بل انه مستوجب عليه أن يحصل عليها  في بعض الوظائف مرة تلو المرة بل وفي كل سنة… نحن هنا لا نعترض على مفهوم حسن السير السلوك بمعناه الجنائي فمن حق السلطة الفلسطينية بل هو واجبها ، نظرا لظروفنا المعقدة في ظل الاحتلال أن يكون هناك تقييم امني جنائي لكل الحالات المتقدمة لوظائف أو لأشغال حساسة … ولكن من المحظور على احد أن يستخدم هذا السلاح بالمعنى السياسي فيحرم الموالي سياسيا ويمنع المعارض سياسيا من الحصول على هذه الورقة العادية … و الأنكى هنا  أن بعض المندوبين الأمنيين يستخدم هذه الورقة لتصفية حساباته الشخصية أو التلذذ بعذابات الآخرين أو دفعهم لبذل التوسلات أو إنفاق الرشوات للحصول عليها …

هذه الصياغة ليست بصياغة وطنية ولا وحدوية ولا مهنية وهي لا تصنع وطنا ولا مواطنا كما لا تنجز ولاء … لقد كانت حركة فتح تتحكم بالسلطة ومفاصلها سنوات كثيرة تملك فيه النفوذ والسطوة والقرار، ولكن  ماذا أنتجت هذه الصياغة سوى الندم في الانتخابات التشريعية الأخيرة … وهي كما لم تصلح بالأمس وفي زمن الهيمنة والقطبية الأحادية السياسية فإنها ادعى للفشل في ظل حكومة الوحدة وحالة القطبية الثنائية  … طبعا هذه الصياغات لم تكن  في يوم من الأيام قانونية وهي لا تستند بالأساس لقانون فلسطيني لأن أي مشرع لا يمكن أن  يجرؤ على إقرار قانون يعطي صكوك الغفران بناء على الولاء السياسي أو المزاج الشخصي …

لكن بعض مراكز الداخلية الفلسطينية لازالت تتلاعب بالقانون كما تشاء فتحيل أوراقك إلى موظفين كانت وظيفتهم التأكد من وضعيتك الجنائية فتحولوا مع انعدام الضوابط القانونية وتشكل مراكز القوى  إلى جلادين سياسيين يملكون بأيديهم صكوك الجنة والنار التي تفتح أو تمنع  بواسطتها أو بسببها  أبواب الرزق أو أسباب الحياة … هذه الوضعية التي تؤرق كل مواطن فلسطيني حر تزيد من الأحمال على وزير الداخلية الجديد الذي ينبغي له أن يصدر قراراته الفورية لكي توضع أوراق حسن السير والسلوك في مسارها الجنائي والأمني … دون فلسفات أو فذلكات من قبل بعض الأجهزة الأمنية … وإلا فما قيمة حكومة الوحدة إن لم تكن شراكة وثقافة …؟ !

ولا يتوقف الأمر عند وزير الداخلية لكن ينبغي أيضا للمجلس التشريعي أن يشرع قانونا يوضح فيه التباسات قانون السلامة الأمنية أو ينجز قانونا يوضح فيه الوصف الوظيفي لكل جهاز امني … كما ينبغي على رئيس الوزراء أن يفعّل لجنة لاستقبال التظلمات الفردية … كما ينبغي على الفصائل المراقبة لوقف التصعيد بين الطرفين أن تستقبل طلبات من كل المظالم التي يمارسها أي طرف أو شخص أو جهاز امني بحق أي فلسطيني …. من المهم أيضا على قادة الأجهزة الأمنية أن تنجز تحقيقات جدية تجاه المسيئين لسمعتها ولوطنيتها وحياديتها … فتعيد صياغة الأمن في الشارع الفلسطيني على أرضية وطنية لا حزبية وعلى ثقافة الصالح العام لا الخاص.

بالعموم لا يختزل الوطن بمشاكل فردية تحدث هنا أو هناك ، ولكن عندما تصبح أرزاق الناس كما إبداعاتهم وحرياتهم مرتبطة بتقرير مندوب امني في إحدى الأجهزة الأمنية أو متوقفة على ولاء الشخص وتوجهاته الحزبية عندها المشكلة تصبح مشكلة وطن … حتى لو بقيت هذه المشكلة إحدى مشاكل الوطن فإنها تهون لو عرفنا أنها المشكلة الوحيدة التي تواجه المشروع التحرري الفلسطيني ، فبدل أن تهتم المنظومة الأمنية الفلسطينية  بمعالجة جذور الاحتلال وأذنابه والفساد وملحقاته والإجرام وتداعياته فان بعضها لازال  يشرع تقاريرها أو  “أسلحتها السرية ” لتمنح بعض الموالين والمنافقين صكوك الغفران وتمنعها عن  الموالين والمناكفين …  كل ذلك عقوبة لهم على ما اقترفت أيديهم  من حب أو شعور أو رأي يخالف ولاءهم الحزبي  أو الشخصي على قاعدة ” من ليس معي فهو ضدي ” … هذه الصياغة كارثية سيدفع ثمنها الشعب الفلسطيني وقضيته ككل … ” و الأيام دول ” .