التعمق في اغتصاب التاريخ والرواية..!

ربما تكون المرحلة التي تمر فيها القضية الفلسطينية حالياً، هي الأخطر منذ أيام النكبة والتهجير واغتصاب الوطن، فحينما يصل التغلغل والتعمق الصهيوني في اجتياحات التهويد إلى قلب الأقصى وتحويل ساحاتها إلى أماكن عامة تابعة لبلدية القدس الصهيونية، فإن ذلك يحتاج إلى وقفة حقيقية.
فربما لم تشهد القضية والنكبة والذكرى والذاكرة والحقوق العربية الفلسطينية المشروعة في فلسطين، هجوماً صهيونياً بلدوزرياً تجريفياً شاملاً بهدف الإجهاز عليها، كما تشهده في هذه الأيام التي تنتقل فيها الصهيونية إلى شن ما يمكن أن نسميه حروب الوجود التراثي.
فالجغرافيا الفلسطينية باتت بكاملها تقريباً تحت أنياب الاستيطان والتهويد، والهجوم الصهيوني أصبح إلى حد كبير على الرواية والذكرى والذاكرة والوعي الجمعي، بل تشن تلك الدولة مدججة بكل أسلحتها ومنها الإدارة الأمريكية هجوماً استراتيجياً على الذاكرة بهدف تفكيك القضية ومصادرة أحلام العودة والاستقلال والتخلص من الاحتلال..!
كتب الدكتور وليد سيف في هذا المضمون: “إن الطرف الأقوى يفرض تعريفاته وتأويلاته على عقول الآخرين، فلا يكتفي الإسرائيلي بتحريف الرواية التاريخية عن سلب الوطن الفلسطيني بل يوغل أكثر ليحاول مصادرة أحلام التحرير والعودة وإعادة تعريفها لتعني الأوهام غير القابلة للتحقق”، ويؤكد: “أنه ليس أفظع من اغتصاب الأرض إلا محاولات اغتصاب التاريخ والرواية، ولا أشد من التهجير القسري من الوطن، إلا محاولات تهجير الوطن من الذاكرة.. وليس أخطر من الصراع على الأرض إلا الصراع على المعاني”.
ويقول أورن يفتاحئيل (أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة بن غوريون) “إن مشاهد القتل والدمار في غزة فظيعة” وأن “هذه الحرب- الأخيرة – استمرار للمشروع والسلوك الإقليمي الإسرائيلي الذي تبنى هدفاً متشدداً ووحشياً يتمثل في إسكات الزمن الفلسطيني، أي محو التاريخ الكامل لهذه البلاد، إسكات التاريخ يشكل أيضاً محواً للمكان الفلسطيني ومعه الحقوق السياسية الكاملة القائمة بمشروعيتها وليس بمنة من إسرائيل، إن الغزو الإسرائيلي هو استمرار لإستراتيجية مديدة السنوات من إنكار ومحو وشطب أي ذكر لتاريخ هذا المكان في العصور الأخيرة، ومشروع المحو هذا ينخرط فيه الجميع تقريباً: السياسيون والفنانون ووسائل الإعلام والباحثون في الجامعات والمثقفون الإسرائيليون”.
واستناداً إلى قول عجوز السياسة الإسرائيلية شمعون بيريز أحد رواد الاستيطان والبرنامج النووي الإسرائيلي، الذي ما زال يكرر حتى اليوم مقولة غولدا مائير بأنه “لم يكن هناك شعب فلسطيني في الـ 67″، فان المؤسسة الإسرائيلية بكاملها تعمل لتكريس ذلك عبر إسكات التاريخ الفلسطيني.
ما تؤكده دراسة إسرائيلية جديدة حينما تستخلص “أن إسرائيل تمعن في إقصاء تاريخ النكبة”، وتوضح الدكتورة نوغة كدمان في دراستها المعنونة بـ”على جنبات الطريق وهوامش الوعي: إقصاء القرى الفلسطينية المهجرة من التخاطب والحوار في إسرائيل”: “أن السلطات الإسرائيلية تواصل بشكل منهجي طمس المعالم العربية الإسلامية للبلاد من التاريخ والذاكرة الجماعية بعد محوها من الجغرافيا”، وتؤكد”المنهجية الإسرائيلية المعتمدة منذ النكبة في محو تسميات الأمكنة الفلسطينية أو عبرنتها، وإزالتها من الخرائط الرسمية وتجاهل تاريخها”.
وفي هذا السياق حصراً، يقولون هم ويراهنون على “أن الكبار يموتون والصغار ينسون”، ونستحضر هنا ثانية ما كان موشيه ديان قد كثفه هذا المضمون مبكراً في مقابلة أجرتها معه مجلة “دير شبيغل” الألمانية قائلاً: “في تشرين الثاني عام 1947 رفض العرب قرار التقسيم (الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة) وفي عام 1949 (بعد التوقيع على اتفاقيات الهدنة) عادوا إلى المطالبة بتنفيذه”، “وفي عام 1955 كانت جميع الدول العربية المعنية ترفض اتفاقيات الهدنة، وبعد حرب حزيران 1967 عادوا إلى المطالبة بانسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من حزيران”، و”لن أفاجأ – يؤكد ديان – بعد حرب أخرى تسيطر فيها إسرائيل على مناطق عربية جديدة في الأردن أو سورية إذا ما طالبوا بالعودة إلى الحدود الحالية..”.
إذن- في الصميم والجوهر أن ما يتحدث ديان عن حالة التفكك والعجز والاستخذاء العربي أولاً، ثم يتحدث عن ضعف الذاكرة العربية وحالة عدم الاكتراث واللامبالاة من جهة ثانية، بينما يمكننا أن نستشف من أقواله من جهة ثالثة أن الصراع الحقيقي ليس فقط على الأرض المحتلة وإنما على الرواية والأحلام والذكرى والذاكرة.
ولكن، إن كان المشروع الصهيوني يسطو على التاريخ والجغرافيا، فإنه لا يمكنه يشطبهما.
ما ينطق به لسان حال كل عربي فلسطيني على امتداد مساحة الوطن والشتات وكأنه يقول:
“سأبقى دائماً أحفر
جميع فصول مأساتي
وكل مراحل النكبة.. من الحبة.. إلى القبة…
على زيتونة في ساحة الدار..”.
[email protected]
صحيفة العرب اليوم الأردنية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...

حماس: المؤسسات الأممية هي الوحيدة المختصة بتوزيع المساعدات بغزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة حماس، إن المجاعة في قطاع غزة تشتدّ بشكل كارثي وسط استمرار الحصار ومنع دخول الغذاء والدواء. وأكدت في بيان...

إطلاق الأسير ألكسندر يفجر غضب عائلات باقي الأسرى على نتنياهو
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام فجّر قرار حركة حماس إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر من قطاع غزة غضب عائلات باقي الأسرى...

حرّاس الأقصى يحبطون محاولة ذبح “قربان تلمودي” في باحات المسجد
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أحبط حُرّاس المسجد الأقصى المبارك، صباح اليوم الاثنين، محاولة مستوطنين إدخال "قربان حي" إلى باحاته عبر باب...

مرصد عالمي: نصف مليون شخص يواجهون خطر الموت جوعًا بغزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام قال مرصد عالمي لمراقبة الجوع الاثنين إن سكان قطاع غزة بأكمله لا يزالون يواجهون خطر المجاعة الشديد وإن نصف مليون شخص...

تحذير من انهيار القطاع الصحي بغزة مع تعمق النقص الحاد بالتجهيزات الطبية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة في غزة، أن أقسام العمليات والعناية المركزة والطوارئ باتت تعمل بأدوات طبية مستهلكة وفي ظل غياب أصناف...

سجن جندي احتياط إسرائيلي لرفضه القتال في الضفة الغربية
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت هيئة البث الإسرائيلية إن جندي احتياط إسرائيليا سجن 5 أيام بعد رفضه المشاركة في القتال في الضفة الغربية...