عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

هزل أم جد؟

هزل أم جد؟

صحيفة الخليج الإماراتية

في ظل الاستثمار الصهيوني النازي لحالة الانقسام الوطني الفلسطيني بارتكاب كل أشكال الإرهاب، وشن حرب استئصالية وصفها حتى عتاة الصهاينة بالمحرقة “الهولوكست”، وفي ظل أوضاع فلسطينية وإقليمية مرتبكة، وفي ظل الانسدادات السياسية على غير صعيد وفي غير ساحة أطلق الرئيس محمود عباس منذ شهرين (5/6/2008) مبادرته للحوار الوطني لإنهاء حالة الانقسام ولملمة الجراح. حينها تباينت ردود الفعل على المبادرة بين الترحيب والتشكيك والتحذير، ولكن الترحيب كان الغالب في الشارع الفلسطيني الذي أنهكه الانشطار القائم بين أبناء الوطن الواحد.

ردود الفعل الإيجابية جاءت لتؤكد أن الشارع الفلسطيني يدرك أن الاحتلال لن يقدم شيئاً سوى التحريض والفتنة و”الهولوكوست”، كما يدرك أنه لا بديل عن الحوار الوطني لرأب الصدع وإقامة شراكة حقيقية تضع مصالح الناس والشعب والثوابت في صدارة أولوياتها، ولا بد من التوحد لمواجهة المصير بعيداً عن الارتهان للاحتلال.

إلا أن هذا التفاؤل ظل حذراً بسبب تجارب فاشلة سابقة من اتفاق القاهرة عام 2005 إلى وثيقة الوفاق الوطني عام 2006 ثم اتفاق مكة عام 2007، فضلاً عن اتفاقات أخرى، فكثير من المحللين والمراقبين آثروا التحفظ ريثما ينجلي غبار الأفق الفلسطيني المشحون، في حين أبدى آخرون خشيتهم من أن تكون المفاجأة التي أعلنها الرئيس موقفاً تكتيكياً وليس موقفاً استراتيجياً، خاصة أن معظم الأوراق التفاوضية لأصحاب هذا النهج قد احترقت أمام الاستعصاءات الصهيونية والمراوغات الأمريكية. ولعل في تطور الأحداث في ما بعد المبادرة ما يبرر كل الحذر والتحفظ وحتى الشكوك التي أثيرت حولها.

قبل أن يجف “حبر المبادرة” بدأت المفارقات تتكشف والعصي تعرقل دوران العجلة. ففيما كان الرئيس عباس يدعو إلى مباشرة حوار وطني غير مشروط مع حركة “حماس”، انطلقت مواقف قيادية من دائرة صنع القرار في سلطته بتصعيد الموقف وتسخينه، فنجد ياسر عبد ربه يطالب حماس ب”إنهاء الانقلاب” والقبول بانتخابات مبكرة، والالتزام ببرنامج منظمة التحرير وما وقعته من اتفاقيات، كما راح نمر حماد مستشار الرئيس يطلق الاشتراطات والاتهامات يمنة ويسرة.

ولعل من المفارقات التي أثارت الاستهجان قيام وفد حركة فتح الذي زار غزة في إطار تفعيل المبادرة بإلغاء اللقاء الذي كان مقرراً عقده بناء على طلب رسمي من الوفد نفسه في (19-6) مع رئيس الحكومة المقالة وعدد من قادة حركة “حماس”، وفي ذات السياق يقع تجنب عباس اللقاء بخالد مشعل في دمشق التي زارها بهدف تفعيل مبادرته، في حين نراه يلتقي إيهود أولمرت في باريس بعد دمشق مباشرة، ويرعى مصافحة تطبيعية علنية بين جلال الطالباني وإيهود باراك، وفي ثالثة يؤكد لكوندوليزا رايس ثباته على مواقفه السابقة من “حماس”.

إذن، هي سلسلة من المفارقات والتناقض بين التصريحات الإعلامية والأفعال الميدانية. ومن خلال تطور الأحداث لم نجد ما يدعو للتفاؤل والاطمئنان، بل نجد كل ما يدعو للخوف والشك، فما يجري لا يعدو أن يكون دوراناً في حلقة مفرغة تبقي الجميع معلقين في حبال الهواء بانتظار تحويل الكلمات والأماني إلى أفعال حقيقية على الأرض، لا أن تكون مناورات سياسية تكتيكية لأهداف خفية تضيع بين سطورها القضية الأساس.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات