الدعوة لتدريس الهولوكوست!

في آخر تقليعة: طالب أحد السفراء الفلسطينيين في إحدى دول العالم بتدريس “المحرقة اليهودية” الهولوكوست من جيل إلى جيل. جاء ذلك في مقابلة له مع الصحفي الإسرائيلي باراك ريفيد. ووفقاً للمجلة الإلكترونية “دنيا الوطن” ومواقع إلكترونية كثيرة أخرى: فإن المقابلة جرى نشرها باللغتين العبرية والإنجليزية في صحيفة هآرتس في (يوليو) الماضي. جاء على لسان السفير مايلي: “يتوجب أن نُعلّم أبناءنا جيلاً بعد جيل عن المحرقة اليهودية كحدث مؤلم ورهيب. كي لا يتكرر مثل هذا الحدث مطلقاً. المحرقة مأساة إنسانية أصابت اليهود”.
من ناحية ثانية: قبل أسبوعين زار أحد المسؤولين الفلسطينيين مكان الهولوكوست في بولندا ووضع إكليلاً من الزهور. على صعيد آخر: أحد السفراء الفلسطينيين السابقين في إحدى الدول أحيا ذكرى المحرقة: أقام حفلة وداع للسفير الصهيوني في تلك الدولة دافيد بيلغ.
للأسف يتصور هؤلاء المسؤولين وكأنهم يعيشون في المريخ! وكأنهم لا يعيشون معاناة شعبنا الفلسطيني الذي ذاق مئات المذابح وعشرات الاعتداءات والحروب وكافة أشكال الويلات على أيدي العدو الإسرائيلي والحركة الصهيونية. منذ ما يقارب المئة عام وحتى اللحظة. هؤلاء يتساوقون مع الضغوطات الأمريكية والأوروبية والغربية على الدول العربية (بمن فيها السلطة الفلسطينية) وعلى وكالة الغوث (الأونروا): من أجل تدريس الهولوكوست في المناهج العربية والفلسطينية. يتساوقون مع كل تلك الضغوطات إضافة إلى الإسرائيلية بالطبع من أجل عدم تدريس النكبة الفلسطينية للطلاب. “إسرائيل” سنّت قوانين يخطر بموجبها على أهلنا في منطقة 1948 إحياء ذكرى النكبة تحت طائلة السجن لسنوات طويلة.
تأتي هذه الدعوات في الوقت الذي سنّت فيه العديد من الدول الأوروبية قانوناً يعرف “بقانون غيسو” وبموجبه يُحظر على الباحثين والمؤرخين: التشكيك في الرواية الصهيونية للهولوكوست (ليس من زاوية صحة رواية الحدث. وإنما من حيث أرقام الرواية الإسرائيلية عن الضحايا اليهود). تحت طائلة السجن لفترات طويلة. كل من الذين شككوا في صحة الرواية الصهيونية: تعرضوا للطرد من مناصبهم. والامتناع عن طباعة مؤلفاتهم. ومحاربتهم في لقمة عيشهم، وتغريمهم مبالغ مالية باهظة. ومنهم: المؤرخ روجيه غارودي والمؤرخ البريطاني ديفيد ايرفينج. النازيون اقترفوا المجازر بحق كافة الشعوب الأوروبية: أحرقوا آلاف المدن والقرى.
الاتحاد السوفيتي خسر 20 مليونًا من أبنائه على أيدي النازيين. كذلك خسرت شعوب أوروبية كثيرة أعداداً هائلة من أبنائها: فلماذا التركيز فقط على الضحايا اليهود؟ الحركة الصهيونية ضخمت المحرقة لإيجاد المسوغ القانوني لاغتصاب فلسطين وطرد أهلها وجلب المهاجرين وإقامة دولتها. ولابتزاز الدول الأوروبية وبخاصة ألمانيا. الكاتب اليهودي نورمان فلنكشتاين قال عن هذه المحرقة بأنها صناعة للصهيونية وإسرائيل. في كتابه القيمّ “صناعة الهولوكوست”.
لقد تآمرت الحركة الصهيونية مع النازية ضد اليهود: عقدت اتفاقية الترانسفير في عام 1933 مع ألمانيا. من أجل تسهيل هجرة اليهود في ألمانيا إلى فلسطين. وتشجيع الصادرات الألمانية وتسويقها في فلسطين بمساعدة الحركة الصهيونية وذلك في اتفاقية ثانية في عام 1934(عبد الرحمن عبد الغني، ألمانيا النازية وفلسطين، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1995 ص69). توالت الاتصالات بين الحركة الصهيونية والنازية: ففي تشرين أول عام 1937. وفي فلسطين. التقى أيخمان وهاغن عن النازية مع بولكيسي ممثل المنظمة الإرهابية: الهاجناة. وتم الاتفاق بين الطرفين: على “تزويد الحركة الصهيونية للجستابو بأية معلومات عن التنظيمات اليهودية في الدول الأوروبية وعن أية نشاطات لها ضد النازيين. مقابل دعم هؤلاء لإقامة الدولة الصهيونية” (غالدر، المذكرات الحربية، دار التقدم، موسكو، 1993، ص39-46).
هذا غيض من فيض التعاون بين الطرفين، وللمهتمين يمكن الاطلاع على تفاصيل أخرى في بعض الكتب التي تتناول هذه القضية.
لقد اعتمدت محكمة نورمبرغ ستة ملايين يهودي من الضحايا رسمياً استناداً إلى شاهدين اثنين فقط، هما هويتل ولويزليسني. وهما ضابطان نازيان. وهذا لا يكفي. كما أنه لم يتم العثور على أية وثيقة ممهورة بتوقيع هتلر، أو أحد الزعماء النازيين تقضي بإبادة اليهود.
(أنظر لوسي دافيدوفيتش، الحرب ضد اليهود، دار التقدم، موسكو، 1975، ص21-25). كثيرون من الكتاب والباحثين أجمعوا (وبعد زيارات ميدانية لأمكنة المحارق) على أن من المستحيل أن تتسع لتلك الأعداد الهائلة من الأشخاص. وعلى افتراض أنها استخدمت فعلياً. لكانت قد احتاجت إلى عشرات السنين من أجل إتمام عملية الحرق. أما بالنسبة للغاز الذي جرى استخدامه في الحرق. وهو السيانيد فهو غالي التكاليف ويحتاج إلى احتراس شديد في استخدامه ممن يستعمله (روجيه غارودي، الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية، دار الغد العربي، القاهرة، 1996، ص56).
بالمناسبة وربما الكثيرون من أبناء جلدتنا من العرب لا يعرفون التفاصيل التالية: حول الويلات التي ذاقها عشرات الآلاف من العرب على أيدي النازية نعم، هناك (67400) معتقل عربي غالبيتهم من شمال إفريقيا كانوا معتقلين في السجون النازية في عام 1940. وإن الكثيرين منهم ماتوا جرّاء التعذيب والأهوال التي لاقوها، وعديدون منهم أصيبوا بعاهات دائمة، كما أن النازية أجرت عملية تعقيم لأبناء إقليم الراين. وكان هؤلاء أبناء تم إنجابهم من ملونين، وفيهم أبناء شمالي إفريقيا ونساء ألمانيات. هذا التعقيم جرى في عام 1937. (أنّا فريدمان، الضحايا الآخرون، دار النهضة، دمشق 2005، ص39.).
إن الصحفي الإسرائيلي الذي أجرى المقابلة مع السفير الفلسطيني المعني وصف تلك المقابلة وصاحبها: بالصدق والنزاهة والوضوح… مستطرداً: أنه فوجئ في هذه الأقوال أحد سفراء فلسطين في إحدى الدول الإفريقية وقبل عامين أقام وليمة لأحد الوفود الصهيونية التي زارت ذا البلد في ظل مقاطعة مؤيدي القضية الفلسطينية هناك (وما أكثرهم). ومقاطعة العمال والمؤسسات الأكاديمية لنشاطات الوفد يبقى القول: إن الدعوة لتدريس الهولوكوست يتوجب أن تستبدل بالدعوة للتركيز على تدريس النكبة.
كاتب أردني
صحيفة الشرق القطرية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس تردّ على اتهامات السفير الأمريكي: أكاذيب مكررة لتبرير التجويع والتهجير
المركز الفلسطيني للإعلام رفضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تصريحات السفير الأمريكي لدى الاحتلال، مايك هاكابي، التي اتهم فيها الحركة بالتحكّم...

استشهاد مقاوم باستهداف الاحتلال في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاوم بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين كاكوب...

حماس تثمّن قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال الصهيوني وحظر التجارة والاستثمار مع...

صاروخ من اليمن يعلق الطيران بمطار بن غوريون
المركز الفلسطيني للإعلام توقفت حركة الطيران بشكل مؤقت في مطار بن غوريون، بعد صاروخ يمني عصر اليوم الجمعة، تسبب بلجوء ملايين الإسرائيليين إلى...

27 شهيدًا و85 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 27 شهيدًا، و85 إصابة إلى مستشفيات قطاع غزة، خلال الـ 24 ساعة الماضية؛ جراء العدوان...

عشرات الآلاف يؤدون صلاة الجمعة في الأقصى
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام أدى عشرات آلاف الفلسطينيين صلاة الجمعة، في المسجد الأقصى المبارك وباحاته، وسط تشديدات وإجراءات مكثفة فرضتها...

الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم لليوم الـ103
طولكرم – المركز الفلسطيني للإعلام تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينة طولكرم ومخيميها لليوم الـ103 على التوالي، ولليوم الـ90 على مخيم...