السبت 10/مايو/2025

جنستون من ذهب… فلماذا جعلوا عماد غانم من تنك ؟؟

أ. حسن القطراوي

لربما من شدة فرحي لم أنم تلك الليلة التي أفرج في فجرها عن الصحفي البريطاني المختطف في غزة منذ أربعة أشهر السيد ألن جنستون ، لا بل قمت بالاتصال على الكثيرين من الصحفيين أصدقائي لأبلغهم خبر الإفراج عن الصحفي البريطاني وكأني أمارس عليهم شيئاً من السبق الصحفي بإخبارهم الإفراج عن هذا الصحفي الذي أصبح أشهر صحفي بريطاني في أربعة أشهر فقط وإيقاظهم من نوهم ليعيش كل منا على حدة سهرة ممتعة مع خبر غاية في السعادة، تلك الأجواء التي ترى فيها إفراجاً عن صحفي مختطف يتولى العالم بأكمله بصحفييه وإعلامييه سيما قنواته الإعلامية الفضائية العربية والأجنبية التي أيضاً تناقلت الخبر كما النار في الهشيم ، كانت فعلاً لحظات ممزوجة بالفرح.

لكن وأنت تنظر إلى تلك اللحظات لا بد وانك تتذكر تلك الازدواجية التي تتعامل فيها الدول الغربية بين الصحفيين على مختلف جنسياتهم ومواقعهم وأعمالهم والوكالات التي ينتمون إليها فبعد مرور تلك اللحظات السعيدة وأنا أشاهد وأستمع للتغطية الإعلامية على مختلف المحطات والإذاعات تبادر إلى ذهني ذكريات بعض الصحفيين الذين ابتلعتهم الصحافة فلم توليهم واحداً على عشرة من الاهتمام التي أولته لجنستون.

وليس ذلك غريبا لأنه لربما جاء في وضع مختلف وواقع جديد لكن السؤال : ما الذي يدفع العالم الحر والذي يتغنى بالديمقراطية والحرية أن يتجاهل قضية صحفيين أصيبوا وأعدموا على شاشات التلفاز ؟ ليس فقط خطفوا كما جنستون لا بل أكثر والعالم يتفرج ، كان آخرهم عماد غانم الذي نجا من الإعدام بأعجوبة بعد أن اعتقد قاتلو الحرية والديمقراطية انه قد اعدم لكن الله أبقاه حيا ليغيظ به قلوبهم وليدركوا أنهم افشل من أن يقتلوا في صحفيينا روح المقاومة الإعلامية الحربية ، تلك الأمانة الصحفية والخطيرة التي اقسموا على أن تصل إلى العالم رغم انف دعاه الديمقراطية العرجاء.
 
وهنا نسأل من جديد: ماذا لو كان هذا الصحفي إسرائيليا والمقاومة الفلسطينية هي التي استهدفته ؟ أنا باعتقادي أن الشعب الفلسطيني كان عليه أن ينتظر عقاباً شديداً على الصعيدين السياسي والعسكري ، وسيقف العالم كله وقفة رجل واحد لإدانة هذا العمل والوقوف إلى جانب الصحافة الإسرائيلية الحرة والديمقراطية ولاستخدمت إسرائيل الحدث إعلاميا واطلعت القاصي والداني في أوروبا وأمريكا وبعض العرب على إرهاب الفلسطينيين الذي تجاوز الطبيعي ، بمعنى أن الإرهاب الفلسطيني قد أصبح إرهابا يستهدف الصحافة عن قصد فهل هناك قصد أكثر من ذاك القصد الذي جعل مصور فضائية الأقصى تحت مرمى قناصة المدرعة الإسرائيلية التي قصدت قتله وأمام العالم ؟ فأين العالم ؟ عن أي عالم نتحدث؟ عالم الغوغائيين عالم المتخلفين والمتباكين على ديمقراطية لا ترتقي لتعلو كعب جزمه الطفل الفلسطيني “أعزكم الله” هل تعلمون لماذا لا تعلو كعب جزمه الطفل الفلسطيني !! لأنه عندما استضافت إحدى القنوات الفضائية ذاك الأمريكي رئيس حملة الدفاع عن الصحفيين العالمية بعد استهداف عماد وسئل السؤال التالي: لماذا يتم التعامل بازدواجية مع الصحفيين ؟؟ أجاب بكل وقاحة أنا لا اعتقد انه يتم التعامل بازدواجية مع الصحفيين !! من سيقنع هذا الرجل بهذا الطرح؟ أنا اعتقد انه بحديثه هذا لن يقنع زوجته !! فهو يعلم ويثق بأن التعامل ليس بازدواجية فقط بل بانتقائية لأن جميعكم يعلم بما جرى عندما تم اختطاف الصحفيين الايطاليين بالعراق كيف هب العالم ومنهم العالم العربي للدفاع عنهم بالاحتجاجات تارة والإضرابات تارات أخرى.
 
أما عن البكاء العربي عليهم فحدث ولا حرج فلم يتبق هناك دولة عربية واحدة وعلى المستوى الرسمي لم تطالب بإطلاق سراحهم أما عن التدخل لإطلاق سراحهم فنخوة إخوانكم العرب لا يعادلها نخوة فمباشرة بدأت الاتصالات بهيئة علماء المسلمين في العراق سيما شيخنا الجليل ” حارث الضاري ” لكي يتدخل شخصيا في الأمر ثم الوفود الأجنبية المختلفة التي تلتقيه وتتباكى أمامه على الصحافة والديمقراطية وأن مهمة هؤلاء الصحفيين الايطاليين إبراز معاناة الشعب العراقي المسكين ، وبعد تدخل مباشر منه ومن غيره وافقت المجموعة الخاطفة على أطلاق سراحهم جميعا.
 
اليوم لا شيء مما سبق تحقق لعماد غانم أسد الأقصى فلا إدانة ولا تحقيق ولا جريمة هناك أصلا تستحق الاستماع إليها وإذا ما فتحت لجنة تحقيق فالمدان هو عماد فمن أذن له بالتصوير في منطقة أمنية مغلقة ولماذا أصلا التصوير !! هل يعقل بأن إسرائيل سترتكب جرائم تستحق التصوير ؟ فالمشكلة ليست بالجيش الإسرائيلي أبداً فالجيش يقوم بعمليات عسكرية احترازية خوفا من الإرهاب الفلسطيني!

نعم يا عماد لم يقتلوك لكنهم قتلوا فينا الإيمان بديمقراطيتهم وشفافيتهم وإنسانيتهم التي تجردوا منها وتعروا من القيم الأخلاقية التي يحملون فديمقراطيتهم أصبحت كزنا المحارم يا عماد فهم لم ينصفوك بل ألماً زادوك ، أعرف انك جبل مؤمن، لا يؤثرون في عزيمتك لكنهم سرقوا منا بإجرامهم أسدا هصوراً وجرأة صحفية بلا حدود ، نعم أتذكر تلك الكلمات التي قلتها لمراسل فضائية الأقصى وهو يعيدك في مشفاك ويحاول أن يخفف عنك مصابك وأنت تقول متناسيا إرهابهم وإجرامهم لقد التقطت لك صوراً غاية في الروعة، كدت ابكي وأنا استمع إلى مراسل الأقصى وهو يقول لي بأن هذه كانت كلمات عماد عندما زرته في المستشفى، لن تذهب يا عماد ستبقى صحفيا كما عهدناك ستبقى أسداً كما عرفناك ، فالصحافة مشتاقة إليك لربما أكثر من اشتياقك لها يا عماد .

* كاتب وباحث فلسطيني

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات