السبت 10/مايو/2025

من قتل ناجي العلي؟

من قتل ناجي العلي؟

تكتملُ، الأسبوع الجاري، 25 عاماً على رحيل ناجي العلي، بعد جريمة اغتيال غامضةٍ في لندن. وفيما ليس الفقيدُ الكبير وحدَه، بين فلسطينيين وعربٍ كثيرين قضوا اغتيالاً لم تنكشف حقائقُ تغييبهم، فإِن ثمّة من هم باقين على تصديقِ إِشاعةٍ ذاعت عن مسؤوليةِ ياسر عرفات في قتل ناجي، من دون قرائن موثقةٍ أَو أَدلةٍ مؤكدة، والاكتفاءِ باعتبار قلّةِ الود بين الرجلين شاهداً، وقد بلغت حالةَ غضبٍ حادٍّ من الزعيم الفلسطيني الراحل لما أَشهر الفنان البديع رسماً كاريكاتيرياً، جارحا وساخراً، في شأنٍ شخصي، رأى عرفات، وكثيرون معه،شططاً زائداً فيه، قيل، تالياً، إِنَّ تهديداً وصل إِلى ناجي من عرفات بعدَه.
ومؤكدٌ أَنَّ تقصيرَ المؤسسةِ الفلسطينيةِ الرسميةِ كان، ولا يزال، فادحاً بشأن الوصولِ إِلى حقيقةٍ حاسمةٍ في مسألة الاغتيال. وبدا أَنَّ الأجهزةَ البريطانية المختصّة لم تجهد نفسَها كثيراً في هذا الأمر، ولم تنتهِ تحقيقاتُها إِلى تعيين مرتكبي الجريمة، ثم محاكمتهم وإِقامة العقوبة عليهم، وإِنْ تردَّدت شكوكٌ من جانبِها، ومن غيرِها، في فلسطينييْن اثنيْن، جاءَ لاحقا على اسميهما وماضيهما وسيرتِهما فيلمٌ توثيقيٌّ محكمٌ عن ناجي العلي، أَنجزته المخرجة ساندرا الأبرص، وبثته “الجزيرة” قبل ثلاثة أَعوام، وأَفاد بأَنهما “مشبوهان”، ربما ارتكبا الاغتيالَ لصالحِ جهةٍ ما.
حدث قبل اثني عشر عاماً أَن “يديعوت أَحرونوت” نشرت أَسماءَ فلسطينيين قتلهم جهاز المخابرات الإسرائيلية “الموساد”، بينهم ناجي العلي، وربما أَمكن التخمينُ بأَنَّ الجهاز المذكور عثر على توقيتٍ مناسبٍ له لاقترافِ الجريمة، ساعدَ في إِثارة التشويش إِياه.
ومع الميل الأَكثر إِقناعاً عن المسؤوليةِ الإسرائيلية، مباشرةً أَو غير مباشرة، في اغتيال فنان الكاريكاتير الفلسطيني الذي يظلُّ أَيقونةً خالدة، وقامةً عالميةً إِبداعيةً شديدةَ الفرادة، فإِن على رفاق ناجي ومحبيه والناشطين في نشر تراثِه، ومن يدأبون على التذكيرِ بمنجزِه الفنيِّ في ذكرى رحيله سنويا، عليهم، وعلى كثيرين غيرهم، أَنْ يعملوا على إِبقاء ملف جريمةِ الاغتيال مفتوحاً، بحيث يبقى الحرصُ على الوصول إِلى الإجابة الحاسمةِ على سؤال من قتل ناجي قائماً ومتواصلاً، بالسعيِ إِلى تشكيل قوةٍ معنويةٍ ضاغطةٍ في الرأي العام الفلسطيني، والعربي بالضرورة، لكي لا يُنسى هذا الملف، كما ملفات غيره.
يظلُّ تكريم ناجي العلي، بإبقائه حياً في الذاكرة الوجدانية العربية، منقوصاً إِذا لم يتوجّه جهدٌ جدّي، صعبٌ وعويصٌ بالضرورة، إِلى إِشهار حقيقةٍ مكتملةٍ وموثقةٍ بشأن واقعة الاغتيال التي لا يجوز، أَخلاقياً ووطنياً وإنسانياً، أَنْ يطويها التقادم، وأَنْ يستسهلَ بعضُنا بشأنِها الثرثرةَ، المرتجلة كيفما اتفق، عن ضلوعِ ياسر عرفات فيها، وهو الشهيدُ الذي نتابع في هذه الأسابيع طوراً جديداً في مسار البحث عن حقيقةِ قتله، في جهدٍ محمودٍ، تجدرُ التثنيةُ على كل من يُساهم فيه، ويحسنُ أَنْ يصيرَ تدشيناً لرحلةٍ طويلةٍ ومعقدة في سبيل البحث عن حقائق أُريدَت التعميةُ عليها بالإهمال والتناسي والتشويش، تتعلق بجرائمَ تغييب رجالات وزعامات غير قليلة، قتلاً وتسميماً وإِخفاء، منهم ناجي العلي الذي لم يتسلح بغير ريشته، حين مضى بثباتٍ وجسارةٍ، وبإبداعية فنية بالغةٍ، في إِشهار مواقفِه الانتقادية الجريئة، ما صيَّره واحداً من ضمائر فلسطين الكبار، الباقين دائماً في ذاكرتِها وحاضرِها. ولأنه كذلك، لا نملُّ، ولو بعد خمسةٍ وعشرين عاماً على رحيله، من سؤالنا عن من قتله، ومن حماية هذا السؤال من النسيان، ولو بعد أَلف عام.
صحيفة الدستور الأردنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات