كورونا هزت الفكر الليبرالي

قد تكون مقالة التحرير في الأسبوع الماضي لصحيفة فايننشال تايمز المعروفة بتوجهاتها الاقتصادية الليبرالية وتأثيرها الكبير على النخبة الاقتصادية العالمية، شاهداً جديدا على اهتزاز الفكر الليبرالي والناتج عن فشل النظام العالمي الواضح في مواجهة فيروس كورونا (كوفيد 19).
فقد أشارت المقالة الافتتاحية إلى هشاشة العقد الاجتماعي وتعاظم اللامساواة وتهاوي التضامن وانفضاح المنظومات البحثية، ودعت إلى إصلاحات اقتصادية جذرية تدعو لتدخل الحكومات والنظر في الخدمات العامة-الإنفاق العام كاستثمار وليس كعبء.
من الواضح أنّ أحد أهم أسباب فشل المنظومات الصحية في الدول الغربية في مواجهة كورونا كان تراجع الإنفاق والتخطيط الحكومي في مجال الصحة، ففي “إسرائيل” على سبيل المثال والتي تتعامل مع نفسها كجزء من النظام الغربي ومجموعة OECD وصلت نسبة الإنفاق الحكومي على الخدمات العامة في سنوات الثمانينات حوالي 70 % من الميزانية وهذا كثير، ثم تراجعت بصورة كبيرة لتصل اليوم إلى 39 % وهذا قليل نسبيا، والضابط هنا هو مدى مناسبة أوضاع البنية التحتية والصحة والتعليم التي بدأ تراجعها وزادت متطلباتها منذ سنوات، وجاءت كورونا لتكشف عيوبها وعدم ملاءمتها لمواجهة التحديات.
تقليص الإنفاق الحكومي على الخدمات العامة إذن لا يعني بالضرورة تشجيع الاقتصاد وارتفاع النمو، بل قد يعني العكس تماما، فقد أظهرت كورونا مدى علاقة وتأثير الصحة بالاقتصاد على سبيل المثال، فإغلاق وحصار بل وحظر تجول في مناطق ومدن بأكملها كوسيلة بديلة عن توفر المستلزمات الطبية لمواجهة الأمراض قد أدى إلى خسائر فادحة في الاقتصاد، قد يؤدي إلى أزمة اقتصادية وما يتبعها من ركود وكساد.
كان بإمكان الحكومات تجنب أزمة كورونا الاقتصادية لو أحسنت مواجهتها صحياً في الإنفاق والتخطيط المسبق والأوفر، لكنها اضطرت اليوم إلى دفع ما بين 6 إلى 28% من الناتج المحلي كحزم للإسعاف والمساعدات، ولو تعاملت مع الانفاق العام كاستثمار وليس مجرد عبء لما اضطرت لدفع مثل هذه المبالغ.
يذكر أن ألمانيا هي الدولة الأكثر إنفاقاً لمواجهة كورونا، حيث وصل حجم حزم المساعدات التي قدمتها إلى 28 % من الناتج، تليها إيطاليا 21 %، وبريطانيا 17 % وأقلها “إسرائيل” 6 %، أما أمريكا ف 10%.
قد يكون مقال الفايننشال تايمز مؤشرا واضحا على تزايد فهم وإدراك النخبة الاقتصادية الليبرالية المسيطرة والمقررة لتوجهات العالم الغربي الاقتصادية لضرورة إجراء اصلاحات جذرية وجوهرية في النظام الحالي متأخراً، ولا يدل على قدرة هذه النخبة على التنبؤ والانتباه قبل الأزمة وليس بعد أن اتضحت للعيان.
ومع ذلك فإن مثل هذا الفهم وتلك الإصلاحات سيسهم بوضوح في رفع احتمالات الحفاظ على استمرار هذه النخبة في قيادة العالم.
فهل ستنجح؟ وماذا سيتبقى من الليبرالية إن حدثت تلك التغيرات والإصلاحات الجوهرية، وتحديدا في مجالات السياسة الاقتصادية وعلاج اللامساواة، وتشكيل عقد اجتماعي أكثر متانة وأقرب للعدالة الاجتماعية.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

أنصار الله: الملاحة في المطارات الإسرائيلية غير آمنة
صنعاء- المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت القوات المسلحة اليمنية "أنصار الله"، أن الملاحة الجوية في المطارات الإسرائيلية باتت غير آمنة، مشيرة إلى أن...

جيش الاحتلال يقصف مطار صنعاء الدولي ومصنعا للإسمنت ومحطة كهرباء مركزيّة
صنعاء - المركز الفلسطيني للإعلام شنّ جيش الاحتلال الإسرائيليّ، اليوم الثلاثاء، هجوما استهدف من خلاله مطار صنعاء الدوليّ، ومصنعا للإسمنت في منطقة...

مستوطنون يحرقون مساحات زراعية واسعة في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام أضرم مستوطنون، اليوم الثلاثاء، النار في أراضٍ زراعية، شمال شرق مدينة رام الله. وأفادت مصادر محلية، بأن عشرات...

حماس: ترامب يردد أكاذيب نتنياهو لتبرير التجويع الممنهج لغزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة حماس، أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي اتّهم فيها الحركة بالسيطرة على المساعدات الإنسانية في...

48 شهيدا و142 جريحا في غزة خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم الثلاثاء، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 48 شهيدا، و142 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

حماس: قرار الاحتلال توسيع الحرب تضحية صريحة بأسراه
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة حماس، إن مصادقة المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر "الكابنيت" على خطط توسيع الاحتلال عمليته البرية في غزة، ...

الأونروا: 66 ألف طفل في قطاع غزة يعانون سوء تغذية خطيرا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، إن أكثر من 66 ألف طفل في قطاع غزة يعانون سوء تغذية خطيرا"،...