قرن أمريكا ؟ أم قرن الإسلام

مع مطلع القرن الميلادي الواحد والعشرين، حدثت لأمريكا “قارعة سبتمبر 2001”. وبصرف النظر عن الفاعل الحقيقي لهذه “القارعة” فلقد كانت الفرصة التي انتهزتها أمريكا لتعلن عن مشروع الهيمنة الذي كانت تمارسه منذ سقوط الشيوعية – في مطلع العقد الأخير من القرن العشرين – مشروع الانفراد بالهيمنة على العالم، وإحلال “الشرعية الأمريكية” محل “الشرعية الدولية” والقانون الأمريكي محل القوانين والمواثيق والاتفاقات الدولية… والمؤسسات الأمريكية محل المؤسسات الدولية، تحقيقاً للسيطرة المنفردة على مفاتيح الثروات الاستراتيجية في العالم، للتحكم بمقدرات التكتلات الدولية والأمم والحضارات، وذلك حتى لا تظهر قوة دولية أخرى تنافس الإمبراطورية الأمريكية في قيادة العالم، بالمدى المنظور على أقل تقدير.
وإذا كان تاريخ أمريكا في محاولات “استغلال” الإسلام في الحرب الباردة هو تاريخ قديم فإن سعيها لتكريس انفرادها بقيادة العالم قد جعلها تعلن – عقب “قارعة ” سبتمبر- الحرب على الإسلام، صريحة حيناً، وتحت مسمى “الإرهاب” حيناً آخر، باعتبار أن الإسلام – وفق نظرية صِدَامِ الحضارات – هو أول القوى الدولية المستعصية على العلمنة وعلى القبول بعولمة منظومة القيم ” الأمريكية – الغربية…”
لقد كشفت أمريكا – عقب “قارعة سبتمبر – عن مشروع هيمنتها المنفردة هذا، وكتب كتاب الاستراتيجية فيها، وصرح صقور إدارتها أن القرن الواحد والعشرين “هو قرن الإمبراطورية الأمريكية” بل “الإمبريالية الأمريكية…”
وقبل مطلع القرن الواحد والعشرين بثلاثة عقود… ومع تصاعد اليقظة الإسلامية، وسقوط مشروعات التحديات على النمط الغربي في مختلف بلاد العالم – وخاصة العالم الإسلامي – وانعطاف المسلمين إلى “الحل الإسلامي” وأسلمة الفريضة… أعلن كثير من رواد اليقظة الإسلامية أن القرن المقبل – الخامس عشر الهجري… الحادي والعشرين الميلادي هو قرن الإسلام.
فأي الشعارين هو الأصدق في التعبير عن القراءة العلمية للمستقبل المنظور؟… وعما نريده لهذا المستقبل المنظور؟…
هل هذا القرن هو قرن “إمبريالية” الإمبراطورية الأمريكية، بقيمها الغربية. ورأسماليتها المتوحشة؟
أم هو قرن الصعود والسيادة والظهور والتمكين للإسلام، والنموذج الإسلامي في الحضارة والتقدم والتجديد؟
في الإجابة على هذا التساؤل الذي كاد أن يقسم ساحة الفكر إلى “فسطاطين” تود هذه الدراسة أن تطرح هذه القضية من منظور جديد… وذلك من خلال إشارات إلى عدد من الحقائق والأفكار.
أولها: أن “جنون القوة الذي تفرض به أمريكا مشروع هيمنتها، سيجعل عمر هذه الهيمنة قصيراً… خصوصاً أن هذه “الإمبراطورية الأمريكية” تغلب على قيادتها عقلية “رعاة البقر الذين تقودهم أساطير اليمين الديني البروتستانتي… الذين يفتقرون إلى تاريخ حضاري يسلحهم بدبلوماسية الهيمنة التي تمتعت بها الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية السابقة.
كما أن “شعب” هذه الإمبراطورية الأمريكية ليس “أمة” بالمعنى العملي لمصطلح الأمة – وإنما هو خليط من الأمم والثقافات، جمعته قيم “حلم النجاح “الاقتصادي” والليبرالية السياسية… حتى هذه القيم “حلم النجاح الأمريكي” فإنها تتعرض للتآكل بعد “قارعة” سبتمبر سنة 2001.
يضاف إلى هذا أن “رحم” العالم تتخلق فيه الآن أجنة مشروعات لمراكز قوى وأقطاب لن يطول عليها الحين حتى تفسد على الحلم الأمريكي تحقيق مقاصده في التفرد والانفراد.
وثاني هذه الحقائق: أن حال المسلمين اليوم ليست كحالهم مع مطلع القرن العشرين عندما أُخضعوا لمشاريع هيمنة الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية – الإنجليزية… والفرنسية… والهولندية – فلقد بدأ القرن العشرون والدولة الإسلامية الجامعة” – الخلافة العثمانية – في سنوات احتضارها السياسي والإداري والحضاري… وبدأ والنموذج الحضاري الغربي في ذروة تألقه وإبهاره لقطاعات واسعة من عقول النخب المفكرة في بلادنا، ومن أخطر أسباب ذلك عند مقارنة هذا النموذج “بالحال العثمانية” حتى لقد كانت هذه المقارنة من أشد مغريات التغريب ومن أخطر أسباب التمكين لهيمنة تلك الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية في بلاد الإسلام. أما الآن، ومع مطلع القرن الواحد والعشرين فإن الوضع مختلف اختلافاً “نوعياً “وجذرياً.”
فالقرن العشرون. وإن كان قرن اكتمال وعموم بلوى استعمار أوروبا للعالم الإسلامي… فلقد كان – أيضاً قرن اليقظة الإسلامية… يقظة العقل بالاجتهاد والتجديد… ويقظة السواعد بالحركات السياسية الإسلامية… وقرن التحرر الوطني الذي نهض فيه الإسلام بالدور الريادي في الربط بين تحرير الأرض وبين الاستقلال الحضاري الأمر الذي أدى إلى أن يشهد ذلك القرار تصفية الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية جميعاً.
كما كان القرن العشرون قرن إعلان إفلاس المشروع التحديثي الغربي فسقطت فيه “حداثته” التي أرادت إقامة قطيعة معرفية كبرى مع الموروث الديني، وجعل الإنسان سيد الكون، لا خليقة لسيد الكون… ومع نهاية هذا القرن العشرين ماتت – أيضاً في مهدها عبثية وعدمية وتفكيكية “ما بعد الحداثة” الغربية…
وهكذا نجد أنفسنا في العالم أجمع… وخاصة في العالم الإسلامي – مع مطلع القرن الواحد والعشرين – أمام “متغير نوعي بالمقارنة مع الحال في مطلع القرن العشرين.
لقد سقط النموذج الغربي، في التقدم والنهوض والتحديث، وارتفعت فوقه علامات الاستفهام حتى في بلاده ولم يبق من مقويات الهيمنة الغربية، لدى المشروع الأمريكي، إلا “جنود القوة الفرعونية” و”توحش مشروع حضاري مقبول” أو قابل للحياة.
ومع سقوط المشروع الغربي للتحديث وانكشاف تهميش عملائه في بلادنا أخذت معالم المشروع الإسلامي في التبلور وانحازت إليه جماهير الأمة. على النحو الذي أسفرت وتسفر عنه انتماءات الجماهير… وحالات التنظيمات السياسية… ونتائج “صناديق الاقتراع. حيثما تكون هناك حرية في الاقتراع!
وإذا كان هناك من يشك في صدق هذه الحقيقة فيتطرق إليه اليأس والقنوط أمام شدة ضربات “جنون القوة الأمريكية” في امتداد أقطار العالم الإسلامي، فإن الحقائق الصلبة والعنيدة تطارد هذا اليأس والقنوط.
فشدة الضربات الاستعمارية دليل على أن أمتنا في حال تململ ورفض وتمرد ويقظة، وليست في حال نوم أو سبات أو موت… وإلا فلو كانت ميتة لما التفت إليها أحد، ولا ضربها ضارب إذ الضرب في الميت حرام ولا يستحق جهد الضاربين ولا نفقات الضربات!
ثم إن المعيار الفارق بين “اليقظة… والحيوية… والصعود” وبين “السبات… والموت” هو “الإرادة” وليست “الخسائر المادية” في المعارك والصراعات… فاليابان التي انكسرت إرادتها منذ أن ضربتها أمريكا في سنة 1940… ومنذ ذلك التاريخ لم تعد اليابان تمثل أكثر من “مصنع” ناشط في الإنتاج المادي… بينما أمتنا الإسلامية تتزايد صلابة إرادتها وتتعاظم كراهيتها للبغي الأمريكي ويتصاعد رفضها للظلم والجور، حتى ليخشى تيارها الوسطي العريض من نمو فصيل العنف والغضب والاحتجاج والأنياب والأظافر في مواجهة التحديات التي فرضتها علينا قوى الهيمنة الأمريكية…
ثم إن خلود الخيرية في هذه الأمة الإسلامية الخاتمة، مرتبط بخلود نبأ السماء العظيم – القرآن الكريم – وبكونها أمة الرسالة الخاتمة والشريعة الخالدة، وبارتباط تجددها الحضاري بالدين المطلق الخالد… وبجعل الله سبحانه وتعالى هذه الأمة شاهدة شهيدة على العالمين… وصدق الله العظيم.
(إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) – يوسف: 87
لكن… هل معنى هذا أن القرن الواحد والعشرين هو قرن الإسلام وليس قرن أمريكا؟
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

صاروخ يمني فرط صوتي يستهدف مطار بن غوريون ويوقفه عن العمل
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، إن القوات الصاروخية استهدفت مطار "بن غوريون" في منطقة...

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...

لازاريني: استخدام إسرائيل سلاح التجويع جريمة حرب موصوفة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، إن استخدام "إسرائيل"...

24 شهيدًا وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام اسشتهد 24 فلسطينياً وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر استهداف إسرائيلي بأحزمة...

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...

علماء فلسطين: محاولة ذبح قربان في الأقصى انتهاك خطير لقدسية المسجد
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت "هيئة علماء فلسطين"، محاولة مستوطنين إسرائيليين، أمس الاثنين، "ذبح قربان" في المسجد الأقصى بمدينة القدس...