الثلاثاء 29/أبريل/2025

مسلسل المراهنات

مسلسل المراهنات

صحيفة الخليج الإماراتية

احتفاء بعض المسؤولين الفلسطينيين بفوز تسيبي ليفني برئاسة حزب “كاديما”، يذكرنا بابتهاج أكبر بعد فوز إيهود باراك على بنيامين نتنياهو برئاسة الوزراء في “إسرائيل” نهاية التسعينات، ولم تخل انتخابات “إسرائيلية” أو أمريكية من إشاعة حالة من الترقب المشحون بالميول والمراهنة على هذا الحزب أو القائد أو ذاك، ومن يتابع ردود الفعل في الشارع الفلسطيني أو العربي يمكنه أن يلمس موقفاً أكثر دقة وقرباً من التشخيص الموضوعي لنتائج أية انتخابات “إسرائيلية” سيسمع من المواطن العادي تلخيصاً لرؤيته في ثلاث كلمات “وجهان لعملة واحدة”، من دون أن يعني هذا انتفاء الفروق بين الأحزاب والمرشحين، وهي فروق لا تهم الفلسطيني والعربي في شيء.

ظاهرة المراهنة على الانتخابات “الإسرائيلية” نشأت مع ظهور حالة الاستقطاب الحزبي في “إسرائيل” التي أوصلت حزب “الليكود” (ويعني التكتل)، بزعامة مناحيم بيجن لأول مرة إلى الحكم عام 1977 على حساب حزب “العمل” مؤسس “إسرائيل” المفتوحة على مشروع أوسع.

كانت صورة الليكود كممثل لمعسكر “اليمين” والتطرف كفيلة بإظهار “العمل” كنقيض له وممثل للمعسكر المعتدل. وهنا جرى إسقاط التصنيف العام للخرائط الحزبية وتقسيمات الواقع الاجتماعي السياسي للشعوب، من دون ملاحظة أو مراعاة خصوصية “إسرائيل” ككيان لا تنطبق عليه قوانين التطور التاريخي الاقتصادي، ومسيرة تكون الأمم فلم تنشأ أمة في التاريخ بقرار وإطلاق وعد وعقد مؤتمر، لكن هكذا نشأت “إسرائيل” التي حوّلت طائفة دينية إلى “أمة” رغم أنف السياق التاريخي، ولعب الاقتصاد ونفوذه مع نشوء الرأسمالية الحديثة دوراً مهماً لمصلحة هذا المشروع الذي أصبح مصلحة رأسمالية أيضاً، الأمر الذي عنى تجييش دعم دولي وكثير من الرياح التي أتت بما تشتهي السفينة الصهيونية.

استناداً لهذا الواقع الخاص، لا يمكننا أن نتعامل مع الفروق بين الأحزاب في “إسرائيل” بمعزل عن الأرضية الأيديولوجية التي تتربع عليها هذه الأحزاب بمجملها، وفي تشخيص هذه الحالة لا نذهب لنفي هذه الفروق أو نعتبر المشهد الحزبي “الإسرائيلي” مجرد لعبة توزيع أدوار، ولكننا يجب ألا نذهب أكثر مما ينبغي في النظر إلى هذه الفروق لدرجة تضليل أنفسنا وشعبنا وأمتنا والدخول في دوامة من المراهنات العبثية.

ولعل من المفارقات أن حكومة إيهود أولمرت، وعبر ليفني، أكثر حكومات “إسرائيل” جلوساً مع السلطة الفلسطينية إلى الحد الذي أخذت معها اللقاءات الثنائية طابعاً دورياً، ولكن النتيجة كانت صفراً، رغم كل التقزيم الذي جرى للمطالب الفلسطينية في سياق تحول مشروع التحرير إلى مشروع تسوية تحت مسمى “المشروع الوطني”، وكأن كل ما عداه غير وطني.

ولا ندري كم سنستغرق من الوقت والدم حتى تتبخر هذه المراهنات تحت شمس الحقيقة الساطعة التي تقول إن من العبث جمع النسر والحمام في قفص واحد.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات