الإثنين 12/مايو/2025

قوات عربية.. برسم الموافقة الإسرائيلية

قوات عربية.. برسم الموافقة الإسرائيلية

صحيفة القدس العربي اللندنية

كثر الحديث مؤخراً، عن فكرة إرسال قوات عربية إلى غزة، في سياق البحث عن سبل المصالحة الوطنية وإنهاء حالة الانقسام بين الضفة والقطاع، وذلك من أجل إعادة بناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية على أسس مهنية ووطنية بعيداً عن الفصائلية..، والملاحظ هنا أن الحديث عن قوات عربية بدأ فلسطينياً (الرئاسة في رام الله) وانتهى عربياً على لسان وزير خارجية مصر، مما جعل الحديث عنها يأخذ أبعاداً تتجاوز المناكفات السياسية الحاصلة بين فتح وحماس.

وهذا يدفعنا إلى البحث والسؤال عن الهدف الحقيقي الذي يقف خلف فكرة إرسال قوات عربية إلى غزة؟ فهل إعادة بناء أجهزة أمنية لسلطة حكم ذاتي محدود، يحتاج إلى قوات عربية قد يصل تعدادها إلى المئات أو الآلاف؟

أليس إعادة بناء الأجهزة بحاجة إلى خبراء وفنيين وليس قوات عربية عتيدة؟!

ولماذا غزة فقط، دون الضفة الغربية؟ أليست الأجهزة الأمنية كلٌ لا يتجزأ؟ أليست الأوضاع الأمنية الداخلية في الضفة الغربية مضطربة أكثر من غزة؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟

وزير الخارجية المصري السيد أحمد أبو الغيط كان واضحاً في مقابلته مع مجلة “أكتوبر” المصرية (31/8/2008) عندما تحدث عن هدف إرسال تلك القوات بالقول: “يمكن أن تساعد على منع الاقتتال، ووقف الصدام الإسرائيلي الفلسطيني، ويمكن أن تتيح للفلسطينيين إعادة بناء إمكانياتهم داخل القطاع وبشكل يحقق الوئام”.

وهنا لا بد الوقوف على قوله: “وقف الصدام الإسرائيلي الفلسطيني”، فما هو معنى وقف الصدام، هل يعني أن القوات العربية ستكون قوة فصل بين المقاومة والاحتلال؟! أم أنها ستضرب بيد من حديد على يد المقاومة إن هي قاومت الاحتلال إيماناً منها بأن الكفاح المسلح هو الطريق الصحيح لاستعادة الحقوق بعد الحصاد المر لمسيرة التسوية السياسية العاثرة؟! أم أن المطلوب قوات عربية في غزة لوقف حركة حماس عن معارضتها لأي اتفاق سياسي “اتفاق رف” المزمع عقده بين عباس وأولمرت إرضاء لسيد البيت الأبيض؟!

ولمزيد من التوضيح نعود بالقارئ إلى نص الرسالة الجوابية التي بعث بها الرئيس عباس إلى الرئيس مبارك بخصوص مقترح الحوار والمصالحة (صحيفة “القدس 29/8/2008)، حيث يقول الرئيس عباس في معرض رده على الدعوة المصرية ما يلي: “..فلن نمانع في الإقدام على أية خطوة يتطلبها الحفاظ على هذا المشروع، بما في ذلك قيام حكومة توافق وطني يتوفر فيها أولاً وأخيراً شرط إنهاء الحصار على شعبنا وليس الوقوع فيه”، (أي القبول بشروط الرباعية كشرط لرفع الحصار). وتضيف الرسالة: “..ولكي يتحقق ذلك لا بد في المرحلة الأولى من تواجد قوات عربية في قطاع غزة تتولى مساعدة الحكومة في إعادة بناء الأجهزة الأمنية..”

وهنا وضع الرئيس عباس مهمة القوات العربية في إطارها السياسي، أي أنها قوات تساعد في إعادة بناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية في إطار برنامج التسوية السياسية، التي تُلزم الأجهزة الأمنية الفلسطينية حفظ أمن الاحتلال أو وقف المقاومة كشرط ومدخل لأي مشروع تسوية وهذا ما نصت عليه “خارطة الطريق” الأمريكية، واتفاقية “أوسلو” عموماً. وهذا ما أكدت عليه رسالة الرئيس عباس المذكورة أعلاه، عندما طالب فيها الفصائل وكل تشكيل سياسي أو أي قوة مستقلة “الالتزام بقرارات منظمة التحرير واتفاقاتها، وتعهداتها في المجالات كافة”.

وبالتالي فإن مهمة القوات العربية ستكون بالدرجة الأولى، إعادة بناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية على أساس “خارطة الطريق” واتفاقيات التسوية، تمهيداً لوقف المقاومة، وذلك كما يُفهم من الموقف المصري المبني على طلب الرئاسة الفلسطينية.

ومن هنا كيف يُطلب من المقاومة الفلسطينية قبول فكرة قوات عربية بهذه المواصفات وبتلك المهام غير البريئة؟! هذا من جانب ومن جانب آخر، كيف يأمن الفلسطينيون لقوات عربية قادمة بموافقة الاحتلال الإسرائيلي، الذي لن يقبل بقوات عربية إلا إذا كانت تخدم مصالحه بشكل مباشر وقطعي.

الغريب أن مصر العروبة، هي الدولة العربية الأولى والوحيدة التي تتحدث عن هذه الفكرة التي خرجت من رحم الفشل السياسي الذي تعيشه رام الله. ألا يكفي مصر أن صورتها قد تشوهت أمام الرأي العام العربي بسبب إغلاقها لمعبر رفح تلبية لرغبة الرئيس عباس، حتى تنزلق أكثر في تساوقها مع مقترحات عباس بإرسال قوات عربية إلى غزة.

إن مصر أكبر من ذلك، والفلسطينيون ما زالوا ينظرون إليها ويأملون منها أن تبقى الظهير والمظلة الحامية لهم ولغزة المحاصرة، ويربأون بها أن تنساق وراء الفاشلين من الفلسطينيين الذين لا يجدون حرجاً في المساومة على أوطانهم. فما لمصر وهؤلاء الذين لا يتورعون دفعها إلى مشاريع مشبوهة؟

مصر مطالبة اليوم أن تنحاز إلى القضية الفلسطينية، وأن تقف على مسافة واحدة من الفرقاء الفلسطينيين، في الوقت الذي تستضيف فيه القاهرة الفصائل تمهيداً للشروع في حوار المصالحة الوطنية، ومن هنا فإن الحديث عن قوات عربية بموافقة إسرائيلية، لا يخدم الحوار ولا المصالحة، وبما لا يخدم القضية.

* كاتب فلسطيني مقيم في دمشق

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات