عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

اللعب على الانقسام

اللعب على الانقسام

اللعب على الانقسام، هذا الأمر لم يعد محذوراً فلسطينياً بل غدا وضعاً يكرسه الاحتلال بالأعمال وبنتائج شاخصة للعيان، وفي أبرز النتائج لم يعد الاحتلال يذكي استمرار الانقسام السياسي الفلسطيني بين حركتي “فتح” و”حماس” والساقط على الأرض في الضفة الغربية وعلى قطاع غزة وحسب، بل إن اللعب والتلاعب الصهيوني على هذا الوضع الانقسامي دائر على الطرفين في آن.
لمجرد الاستدلال جمعت الأيام القليلة الماضية “المنقسمين” باستهدافهم صهيونياً، لكنهم مع الأسف لم يظهروا ولو قدراً من التململ العملي لمغادرة الانقسام.
على غزة جرت الضربات الجوية الوحشية والتدميرية بتواصل وتصاعد واستمرت في وتيرة جهنميتها عدة أيام ترافقت مع حرمان القطاع من الوقود وما يترتب على أوجه الحياة وبخاصة تعطيل خدمات الكهرباء من نتائج.
وفي الضفة كانت قاطرة الاستيطان تزيد من سرعتها بإطلاق مشروع جديد في مستوطنة “كارنية شمرون” وبوشر العمل في بناء 50 وحدة سكنية على أرض مصادرة بآلاف الدونمات وهي من أخصب الأراضي الفلسطينية في هذه المنطقة الواقعة شرق قلقيلية، وترافق هذا مع نشاط سياسي ودبلوماسي صهيوني لمواجهة تحرك السلطة الفلسطينية لفضح الجرائم ضد الإنسانية التي تقترفها قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين والتي تنال من حقوقهم وتطال حياتهم، والتي تمكنت من انتزاع قرار من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في شأن السياسة والممارسات الصهيونية تجاه الفلسطينيين.
القرار رفضته الولايات المتحدة، والكيان الصهيوني لم يرفض وحسب بل قطع علاقته بالمجلس وذهب وزير الخارجية “الإسرائيلية” لبيرمان إلى وصفه ب”الهيئة المنافقة لا علاقة لها بحقوق الإنسان”، على حد زعمه. “إسرائيل”، وفي خطوة وصفت بالعقابية للسلطة الفلسطينية، لوحت بتجميد تحويل أموال الضرائب للسلطة وأعلن نائب وزير خارجيتها داني أيالون أن “السلطة الفلسطينية لا يمكنها التعاون مع “إسرائيل” واتخاذ مواقف ضدها في الهيئات الدولية”.
بالطبع المسألة هنا أن بين دورية العدوان على غزة وبين الضغط والابتزاز على الضفة فإن الاحتلال يتعامل مع مترتبات الانقسام، وفي هذا الشأن يمكن القول إن الكيان الصهيوني يدير لعبة انعزالية بين الضفة والقطاع. تجاه السلطة الفلسطينية يواجه الكيان الصهيوني تململاً جدياً وتحركاً ولو محدوداً، لكنه يؤشر للخروج من دوامة التسوية الأمريكية التي دارت على هذه الأزمة منذ أعقاب مؤتمر مدريد للسلام على قاعدة تطويع الموقف العربي لواقع الاحتلال، الاحتلال في هذا الاتجاه يجد مساعدة من أطراف عربية وإقليمية ودولية تدفع باتجاه إبقاء هذه الأزمة في حال انتظار الحل الذي لن يأتي، وهذا الانتظار غير كابح للاحتلال في سياسته وبخاصة الاستيطان، لكن هذا لم يمنع التحرك الفلسطيني من تحقيق نتائج ولو معنوية كما كان في شأن قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية وقرار المجلس الدولي لحقوق الإنسان.
تجاه غزة يتعامل الاحتلال مع التهدئة من حسابات أن حركة “حماس” تمر بحالة انتقال من حركة مقاومة وطنية للاحتلال إلى حركة سياسية يراد لها باسم التسوية أن تكرر لا أن تستفيد من تجربة “فتح” التي تحاول الخروج من متاهة الضياع الأمريكية. العمليات العسكرية على غزة تضع حماس راهناً في ظل التهدئة في عنق الزجاجة، وهذا ما بدا واضحاً بما أطلقته من موجة اتهامات بالتآمر عليها حين واجهت خليطاً من العدوان والضغط والابتزاز في فترة الضربات الجوية “الإسرائيلية” على غزة.
السؤال الآن.. ما الإشكالية التي حالت دون أن تتحول اتفاقات إنهاء الانقسام إلى أعمال؟ هل يعود الأمر إلى أن الأسباب التي قادت إلى الانقسام مازالت حاضرة وهي أيضاً مازالت فاعلة، أم إلى طبيعة مواجهة الانقسام التي لم تستوعب مترتباته الكارثية على الشعب الفلسطيني وقضيته، والأهم وحدته التي بقيت مصيرية لأبناء هذا الشعب داخل الوطن وفي الشتات؟ أو لأن حلول التقاسم السياسي في ظل الاحتلال لا تحتمل غير إعادة انتاج الانقسام؟
لاشك أن كل هذا وارد، غير أن المشهد الفلسطيني راهناً ترسمه مترتبات الانقسام، في هذا المشهد هناك نفعيون من هذا الوضع، وهؤلاء خليط من الداخل الفلسطيني والمحيط الإقليمي العربي والمدار الدولي هم في استماتة لكي يبقى الانقسام متداعياً وفي أحسن الأحوال أن يبقى في ثبات واستمرار.
هنا يمكن القول إن الإفراط بهذه التوجهات هو من حيث لا يريد أصحابها تسريعاً بإحداث التغيرات، والمؤكد أن الوقت القريب سيحمل الكثير من التطورات التي تضع فلسطينياً نهاية حاسمة للانقسام والتقاسمات التي لم يستفد منها سوى الاحتلال، لأن تقاسم سلطة في ظل الاحتلال هو تعايش بمهانة وإذلال ولأن الانقسام السياسي الساقط على الأرض بوابة نفق الضياع.
كاتب وصحفي من اليمن
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات