ممنوع التنديد بالعنصرية الإسرائيلية في المنظمات الأممية!

صحيفة الوطن العمانية
ستعقد منظمة الأمم المتحدة في الشهر القادم مؤتمر (دوربان) الثاني بعد ثمانية أعوام من عقد مؤتمر (دوربان) الأول في سبتمبر 2001. وللتذكير فإن اختيار هذه المدينة في جمهورية إفريقيا الجنوبية له سببان: الأول هو أنها تقع في بلاد تغيرت من الضد للضد فبعدما كانت جنوب إفريقيا على مدى عقود دولة التمييز العنصري المنبوذة دولياً والمسلط عليها أطول عقاب أممي بالحصار تحولت بفضل كفاح البطل الأسطوري نيلسون مانديلا إلى جمهورية عصرية يتعايش فيها البيض والسود، وانتقلت إلى عصر الإنسان الحر والمواطن الكريم. أما السبب الثاني فهو لكون الماهاتما غاندي رجل السلام وتحرير الهند كان عاش في مدينة (دوربان) وبدأ فيها كفاحه الطويل.
ولعل بعض القراء العرب الكرام نسوا الجدل الجياش الذي أثير في أعقاب (دوربان الأول) الذي هز الأوساط العالمية بمجرد اتفاق أغلبية الدول المشاركة على أن الصهيونية تشكل نوعاً من أنواع العنصرية، أي أن دولاً كثيرة زكت وأيدت القرار الأممي 3379 القاضي باعتبار الصهيونية نوعاً من العنصرية. وقد كان المؤتمر في الأصل مخصصاً لبحث المظاهر والأنماط الجديدة والمبتكرة لممارسة التمييز العنصري أو العرقي أو الجنسي أو الديني في العالم. واهتدى ذلك المؤتمر إلى أن سياسات “إسرائيل” تفتح الباب واسعاً أمام التفرقة بين مواطنيها على أساس العرق والدين، لأن قوانين “إسرائيل” المعلنة وليست الخفية تؤكد بأن هذه الدولة يهودية ولليهود فقط وليست دولة كل مواطنيها بل إنها دولة كل اليهود أينما كانوا حتى ولو لم تطأ أقدامهم أرض فلسطين! وكما يقول المثقف الإسرائيلي شلومو صاند فإن مواطناً أستراليا يهودياً مولوداً في أستراليا ولا يعرف كلمة بالعبرية ولا يدري أحياناً أين تقع “إسرائيل” يعتبر أفضل في نظر القانون الإسرائيلي من مواطن فلسطيني الأصل مولود في الناصرة أو في بئر السبع ويحمل جنسية “إسرائيل”!
بالطبع كما كان متوقعاً فإن واشنطن غضبت من هذا التصنيف وأدانت (دوربان) والذين خلفوا (دوربان) وتبعتها دول أوروبية وكندا وأستراليا. وبدأ العمل الدبلوماسي الغربي المستعمل للضغوط والتهديد في أروقة المنظمة الأممية حتى تراجعت المنظمة سنة 1990 عن هكذا مقررات والتي أعاد إحياءها ودعمها وكرسها مؤتمر (دوربان) الأول.
وكما كان متوقعاً فتحت “إسرائيل” أبواباً أخرى لقمع الشعب الفلسطيني في معزل عن كل تنديد وكل مساءلة! وتواصل خرق “إسرائيل” للقانون الدولي بلا رادع بل بالتشجيع الأميركي والأوروبي الخفي، فمثلاً بعد إدانة محكمة العدل الدولية بلاهاي لبناء جدار الفصل العنصري في فلسطين واصلت “إسرائيل” بناءه ليقطع أوصال ما يمكن أن تنشأ عليه دولة فلسطين الافتراضية! والذي حدث في غزة من حرب إبادة ليس سوى الضرب بكل القوانين والأعراف عرض حائط العار المذكور، وعملية نسف استباقية للسياسات الجديدة التي ينوي الرئيس البركة بن الحسين أوباما انتهاجها في الشرق الأوسط وما لغة الخطاب التي استعملتها السيدة هيلاري كلنتون في القدس باتجاه قادة “إسرائيل” سوى نموذج منها.
واليوم يستعد المجتمع الدولي لتنظيم (دوربان) الثاني فتنادت الدول الحليفة ل”إسرائيل” بمقاطعته أصلاً لأسباب واهية منها أن اللجنة يرأسها دبلوماسي ليبي وفي عضويتها دبلوماسي باكستاني وآخر إيراني! إلى غير هذه الأعذار والدول الداعية إلى المقاطعة تعلم بأن تشكيل هذه اللجان الأممية يخضع إلى سنة التداول حسب التقسيم الإقليمي للعالم لا إلى اختيارات سياسية أو أيديولوجية. ويبقى السبب الأهم للمقاطعة هو احتمال إدانة دولية ل”إسرائيل” بعد حرب غزة. إلى حد كتابة هذا المقال فإن “إسرائيل” والولايات المتحدة وكندا وإيطاليا وأستراليا أعلنت مقاطعتها للمؤتمر والقائمة مرشحة للاتساع بالنظر إلى الحملة المنظمة لدى اللوبيات اليهودية في العواصم الغربية لشن الهجوم على (دوربان).
نعم! يجب ألا نعلق نحن العرب جميع أخطائنا على الشماعة الإسرائيلية ونعفي أنفسنا من مراجعة سياساتنا وخياراتنا وقوانيننا وسلبياتنا ومشاكلنا العالقة منذ عقود. فالقيم الإنسانية قيم كونية ولا بد أن ندخل فضاء احترام كرامة بني آدم من أبوابه الواسعة المفتوحة لا أن نختبئ وراء الخصوصيات الثقافية أو العقائدية لنمارس تحت جنح الظلام تعديات سافرة على الفئات الأضعف والأكثر هشاشة في مجتمعاتنا أي الأقليات والمرأة والطفولة بينما نجد في كتابنا العزيز وفي السنة النبوية المشرفة أروع آيات تكريم بني آدم وحفظ حياته وحرمة جسده وصيانة عرضه وماله ورزقه وحريته. فإن اتهام “إسرائيل” بما ترتكبه من خروقات لهذه القيم الكونية لا يصح عندنا سوى حين نحرص نحن على صيانتها.
* رئيس الأكاديمية الأوروبية للعلاقات الدولية بباريس
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...

جيش الاحتلال يفرض إغلاقًا على قرية المغير في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام فرضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، إغلاقًا على قرية المُغَيِّر شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة...

بوريل: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بغزة بقنابل من أوروبا
المركز الفلسطيني للإعلام أكد المسؤول السابق للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وأن نصف...

الاحتلال يواصل الإبادة بغزة موقعاً 147 شهيدًا وجريحًا خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم السبت، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 23 شهيدا، و124 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...