الأحد 04/مايو/2025

المقاومة والتفكير الجمعي

محمد غازي الجمل

لعلم النفس إسهامات هامة في علم السياسة، وهناك حقل خاص باسم “علم النفس السياسي” يختص بتحليل السلوك السياسي بناء على نظريات علم النفس المتنوعة، والتي من أشهرها نظرية “التفكير الجمعي” لـ”إيرفنغ جانيس”.

والتفكير الجمعي -كما يعرّفه صاحب النظرية- هو “عملية تؤدي بالجماعة إلى الوصول إلى إجماع متسرع أو سابق لأوانه، وتغلق الباب على نفسها عن أي أفكار تأتي من الخارج”، ويظهر هذا الشكل من التفكير حينما تكون رغبة أعضاء الجماعة في توحيد الكلمة والوصول إلى إجماع أقوى من رغبتهم في تقويم الخيارات المتاحة تقويما واقعيا.

وقد حدد “جانيس” ثمانية أعراض لهذه العملية، أُوردها تالياً، وأسقطها على واقع تيار المقاومة، للحثّ على تجنبها:

1- توهم الحصانة، وتفاؤل مفرط يشجع الجماعة على المخاطرة:

 يحصل هذا أحيانا بفعل الإسقاط الخاطئ لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، كتأويل قول الله عز وجل “وإن جندنا لهم الغالبون” وقوله “كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي”، إذ يعتقد البعض أن غَلَبة الله عز وجل تقتضي غَلَبة فصيل أو حزب في مواجهة ما أو في مشروعه بشكل عام، وكذلك الحال في إسقاط حديث الطائفة المنصورة وربطها بحركة أو جماعة، والصحيح أن هذه الطائفة قد تكون عدّة جماعات وقد تكون متوزعة ومتحركة بين العديد من الجماعات وقد تتحول من جماعة إلى أخرى وفقا لسنّة الاستبدال.

2- التبرير الجمعي، وتجاهل التحذيرات وعدم البحث فيما يكمن خلفها من افتراضات جوهرية:
 إن المناخ الرافض للنقد الذاتي ينمّي “صَنعة التبرير”، والآيدولوجيا القائمة على الدين تخلط في كثير من الأحيان بين الوحي المطلق وبين اجتهادات واضعيها، وهو ما يجعل عملية نقد افتراضاتها الجوهرية أمرا شائكا وبالغ الصعوبة.

3- الاعتقاد بالصلاح الأخلاقي للجماعة، إذ يتطور لدى الأعضاء اعتقاد بأن قضيتهم صحيحة أخلاقيا، ويسيؤون تقدير التبعات المحتملة لقراراتهم من الناحية الأخلاقية:

يمكن بسهولة ملاحظة شعور بالصلاح الأخلاقي لدى جمهور تيار المقاومة الإسلامية، وبغضّ النظر عن مدى صوابية هذا الشعور؛ فإنه يشكل أحيانا مبررا لاتخاذ قرارات وسياسات غير أخلاقية، وهو سلوك يستبطن قاعدة: “الغاية تبرر الوسيلة”، مما يعود بالضرر على صورة المقاومة حينما يدرك العامة جوهر هذه السياسات.
 
4- النظرة النمطية المفرطة في تبسيطها وسلبيتها للجماعة الأخرى “الأعداء”:
 تسيطر هذه النظرة على قطاع من جمهور المقاومة الإسلامية، بفعل توسيع مفهوم “الفسطاطين” وإسقاطه على المخالفين سياسيا، وهو ما يظهر في شيوع تخوين الخصوم، وتكفيرهم أحيانا.

5- ممارسة الضغط المباشر على من يخرجون على آراء الجماعة:

من الشائع ممارسة الضغط المباشر على من يخالف توجهات المقاومة، وأقل ما يحصل في هذه الحالات وسم صاحبها “بالتساقط عن الطريق”، وهو تشبيه لطريق المقاومة أو الدعوة بالصراط الموصل إلى الجنة والمارّ فوق النار، ووفقا لهذا التشبيه فإن من يلتزم بقرار المقاومة فمصيره إلى الجنة، ومن يخالفها ساقط في النار.

إذ أنه في أي ثقافة أخرى تتم الإشارة إلى المخالفة بالانحراف عن الطريق وليس “التساقط عنه”.

6- إحجام الأعضاء عن التعبير عن شكوكهم واختلافهم مع ما تجمع عليه الجماعة، بفعل “الرقابة الذاتية”:

يترتب على حجم العقوبة المعنوية للمخالف أو المختلف ردعاً نسبيا لقاعدة المقاومة عن التصريح باختلافها مع التوجهات الرسمية لفصائل المقاومة.

7- يسود “وهم الإجماع” رغم أن بعض الأعضاء يشكّون بصحة الرأي الذي تتبناه الجماعة:

إن وجود خطاب رسمي واحد في الكثير من الأحيان، بالتوازي مع الرقابة الذاتية التي يمارسها جمهور المقاومة على آرائه يؤدي إلى خلق وهم بالإجماع في بعض القضايا المتعلقة بالمقاومة.

8- يأخذ بعض الأفراد على عاتقهم مهمة “حراسة فكر الجماعة” وذلك بحماية الجماعة وقيادتها من وجهات النظر المخالفة ومن المعلومات التي قد تهدد الإجماع المفترض لدى الجماعة:

يتطوع الكثيرون من أعضاء وجمهور المقاومة للقيام بهذا الدور “بإخلاص”، بما يطور آلية تلقائية لرفض المعلومات التي لا تتفق مع الصورة المثالية لفصائل المقاومة وقياداتها، بما يشبه حالة “الإنكار” التي تعدّ انفصالاً عن الواقع واستسلاماً لصورة ذهنية متخيلة.

إنّ انطباق هذه الأعراض أو بعضها، جزئيا أو كليا، على حال المقاومة يدعو إلى الحذر من الوقوع ضحية للتفكير الجمعي الذي يؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة مع فقدان القدرة على تصحيحها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

مقتل جنديين وإصابة 4 آخرين بكمين في رفح

مقتل جنديين وإصابة 4 آخرين بكمين في رفح

رفح - المركز الفلسطيني للإعلام قتل جنديان صهيونيان وأصيب 4 آخرون - اليوم السبت- بكمين في رفح جنوب قطاع غزة. وأفاد موقع حدشوت لفني كولام، بمقتل...