إيقاف الهدنة.. قراءة في الأسباب والتبعات

صحيفة الوطن القطرية
قررت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وبالتنسيق من الأجنحة المسلحة للحركات الفلسطينية الأخرى إيقاف العمل بالهدنة من طرف واحد. ستة أشهر على توقيع هذه الهدنة برعاية مصرية. لم يتوقف مسلسل التصعيد بين الحركات الفلسطينية المقاومة وبين “إسرائيل”، لكن العنوان الأبرز هو أن الحكومة الإسرائيلية كانت حريصة على استمرار هذه الهدنة، وهذا لم يخفه وزير الدفاع جنرال الاجتياحات على غزة. ورغم تصريحات مسؤولين أمنيين وسياسيين إسرائيليين عن هشاشة الهدنة فإن الحرص الإسرائيلي بقي على استمرارها لدرجة أن الحكومة الإسرائيلية أوفدت موفدها إلى القاهرة للبحث في تجديدها قبل أسبوع من انتهائها. الأمر الآخر في نفس السياق أن الهدنة وفرت لحماس المزيد من الوقت لترتيب نفسها في غزة بعد سيطرتها عليها بشكل يعزز من وجودها ليس على المستوى المقاوم أو الخيري بل على مستوى إدارة شؤون غزة في ظرف من الحصار ربما لا يشابهها إلا الحصار الذي فرض على الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات والذي انتهى بانتهاء حياته.
الهدنة كما أظهرت الفهم الأمني الجديد في “إسرائيل” عن عدم جدوى الاستمرار في الاجتياحات والاغتيالات، أظهرت في الوقت نفسه قدرة حماس على إقناع فصائل المقاومة الأخرى بالإبقاء على الهدنة رغم حصول بعض الاختراقات المحدودة، الأمر الذي فسره الإسرائيليون بأنه مكتسب جديد لحماس يعكس النضج الذي وصلت إليه الحركة، فإن الإسرائيليين لا يخفون قلقهم من السيطرة المتزايدة لحماس والقدرات السياسية التي أظهرتها خلال الأشهر الست الماضية.
إيقاف الهدنة يبدو أنه أصبح ضرورة سياسية لحماس بقدر ما كان الإبقاء عليها ضرورة آنذاك. حماس التي قدمت نفسها كحركة مقاومة مسلحة تجد نفسها اليوم في وضع قريب من الحرج، لا سيما أن “إسرائيل” لم تحترم التزاماتها كفتح المعابر ووقف اعتداءاتها التي اعتبرتها حماس مبرراً للخروقات التي حصلت من الجانب الفلسطيني، حماس لم تنجح في نقل الهدنة إلى الضفة الغربية، ف”إسرائيل” لم تتوقف عن اجتياح بعض مدن الضفة والزج بمزيد من الفلسطينيين في السجون. الأمر الآخر الذي لم يتحقق ليحفظ ماء وجه حماس أمام الشعب الفلسطيني هو موضوع إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين أو على الأقل أعداد منهم بناء على أساس الهدنة. لم يتحقق ذلك وبالتالي استمرار الهدنة مع الاستمرار في محاصرة غزة بشكل أو بآخر طرح أسئلة عن جدوى الهدنة. لقد كانت الهدنة رسالة سياسية إلى الداخل الفلسطيني والإقليم بأن حماس لا تتكلم عن المقاومة فقط لتنفيذ أجندتها السياسية، بل إن أولوياتها هي ليست بعيدة عن أولويات بقية الحركات المقاومة، فذهاب الجميع للهدنة عكس الإجماع الفلسطيني لتلك الحركات وهو ذاته الأمر الضامن الذي ضمن للهدنة أن تبقى بحد أدنى من الخروقات.
الأمر الآخر الذي ربما ترى حماس أنها حققته هو النجاح في تجاوز جدران العزلة الدولية التي فرضت عليها. دولياً حافظت على علاقة مع روسيا لا يمكن تجاهلها، أما إقليمياً فقد فتحت نقاشاً مع لبنان، وحواراً آخر مع الأردن كما تزايدت الدعوات القادمة من الاتحاد الأوروبي لفتح حوار جدي مع حماس. هذا التواصل الخارجي ربما ترى حماس أنه معرض للاختبار في ظل وقف الهدنة، الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر اجتمع مع مدير مكتبها السياسي خالد مشعل وقد كان واضحاً أن الرئيس وراء بعض الإشارات الإيجابية لينقلها للرئيس الجديد باراك أوباما، لكن لا يبدو أنه حصل على كل ما يريد.
إنهاء العمل بالهدنة سيكون له تأثيره على المشهد الفلسطيني المتأجج أصلاً، فهناك الجدل القائم حول الانتخابات الرئاسية أو التمديد للرئيس محمود عباس والذي تعارضه حماس. موقف حماس هذا سيعرضها إلى مزيد من الضغوط الإقليمية والدولية التي ربما لا تقل عن الضغوط التي تلت انتخابات 2006. في سياق متصل إنهاء الهدنة سيلقي بظلاله على الانتخابات الإسرائيلية في فبراير 2009، والقراءة الأولية أن التيار الأكثر تشدداً وهو في هذه الحالة تيار بنيامين نتنياهو وبقية التيارات الدينية المتطرفة ربما سيحصد فرصاً أكبر للفوز في الانتخابات المقبلة.
إن إيقاف الهدنة في غزة سيزيد من تعقيد المشهد السياسي الفلسطيني، لكن هذا التعقيد في الصورة سيطال المشهد السياسي الداخلي الإسرائيلي وكذلك المشهد الإقليمي.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...

جيش الاحتلال يفرض إغلاقًا على قرية المغير في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام فرضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، إغلاقًا على قرية المُغَيِّر شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة...

بوريل: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بغزة بقنابل من أوروبا
المركز الفلسطيني للإعلام أكد المسؤول السابق للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وأن نصف...

الاحتلال يواصل الإبادة بغزة موقعاً 147 شهيدًا وجريحًا خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم السبت، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 23 شهيدا، و124 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...