السبت 10/مايو/2025

فخ المبادرة العربية

إبراهيم أبو الهيجاء

لقد تحولت القمة العربية المنعقدة في السعودية من الحاجة لموقف عربي ضاغط يرفع الحصار عن حكومة الوحدة الفلسطينية إلى موقف عربي ضاغط يريد من العرب تعديل المبادرة العربية أو تأكيد تمسكهم بها ، لقد تورطت الدول العربية من حيث لا تدري أو تدري في فخ الدفاع عن ثباتهم على المبادرة العربية في ظل إغراء الأحاديث الإسرائيلية عن بعض ميزاتها وتلميحات الإدارة الأميركية لأهمية تعديلاتها …

ولا ادري ما قيمة تأكيد العرب في قمتهم على مبادرة لازالت فرضية لم توافق ولازالت تناور إسرائيل بالموقف منها … فإصرار العرب الرسميين على فرضية سياسية دون دواعٍ واقعية أو إستراتجية …لا يعد إلا هرطقة سياسية ، والمقصد الإسرائيلي الأميركي من خلف ذلك هو بالأساس حرف الأولويات العربية من جعل القمة العربية إلى رافعة لحكومة الوحدة إلى ضاغطة عليها لكي تعطي مواقف مبكرة من مبادرة ذات إشكالية نظرية وعملية … فواهم من يظن أن إسرائيل أو الاميركان يمكنهم ابتلاع المبادرة العربية على سلبياتها … لقد دفعوا العرب إلى موقع الدفاع وهذا تكتيكهم وقد نجحوا مؤقتاً …، ويريدون الآن جر السعودية لتفاوض مباشر عليها يضّيعنا بالتفاصيل … والذين يجادلون بعكس ذلك عليهم النظر لخارطة الطريق أليست أكثر انتصاراً لمطالب إسرائيل ؟ أليست صياغة أميركية ؟ ولكن أين الموقف العملي الإسرائيلي منها ؟ لقد نسفت وضيّعنا الإسرائيليون مرة أخرى بالتفاصيل … إذاً على ماذا يراهن العرب بتأكيد فرضية الموافقة على المبادرة العربية ؟! هل سيكون أحرص من الأميركيان على إسرائيل أم ستكون إسرائيل أكثر ايجابية مما يطرحه العرب بينما هي ترفض ما طرحه الاميركان …

ليس مهماً الموقف العربي الرسمي من المبادرة العربية فهو بالنهاية ولادة عربية رسمية قيصرية … والمهم برأيي أن تصمد الحكومة الفلسطينية الجديدة في أول اختبار لها قبالة مغريات الاحتضان العربي فتوافق على المبادرة العربية أو تصمت على سلبياتها … ومن المهم أن تصيغ الحكومة الفلسطينية موقفاً متوازناً من هذه المبادرة فالقبول الإسرائيلي المستبطن بالرفض لا يعني بأن توافق ما يرفضه عدوك … فالأصل أن يجري قياس المبادرة على مقياس المصلحة الفلسطينية والثوابت الوطنية فما يتوافق نقبله وما يتعارض نرفضه … لأن اتفاق مكة الذي مثّل مرونة فلسطينية كبيرة لم يقابل حتى الآن بمرونة دولية ولا حتى عربية وبقينا ندور في الحلقة المفرغة ذاتها … فتارة تريد الولايات المتحدة توضيحات لاتفاق مكة وتارة تريد بعض الدول الأوروبية رؤية أفعالنا قبل الحكم علينا على قاعدة ” الاتهام والشك قبل إعطاء صك البراءة ” … والآن يريد بعض العرب جر الحكومة الفلسطينية للتورط بالموافقة على المبادرة العربية وهي لازالت فرضية لا وزن لها في التطبيق العملي

وبالمناسبة فان المبادرة العربية لا تعني كما يسوق إعلاميا قبول إسرائيل بالانسحاب لحدود ( 67 ) وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف مقابل تطبيع عربي كامل مع إسرائيل … فهي قد ربطت ذلك وبوضوح بقرارات الشرعية الدولية ومرجعية مدريد وكلاهما تسليم مبدئي بمرجعية أوسلو، واعتراف فصيح بإسرائيل … ولذا فالضغط على الحكومة الفلسطينية للقبول بها يستهدف أساساً الضغط على حماس للقبول بها بقصد جرها للاعتراف بإسرائيل من البوابة الخلفية دون أي مقابل أو ضمانات والواهمون أن في هذا خلاص ل ( حماس ) يؤكدون على قراءة سياسية مراهقة في أفضل الروايات … والأصل أن تأخذ حماس موقفاً متوازناً لا يضيق عليها الخناق الدولي ولا الفسحة العربية وفي ذات الوقت لا ينتقص من ثوابتها … لذا عليها أن تبقى مصرّة على تعظيم بعض الايجابيات في المبادرة العربية وفي ذات الوقت أن ترفض بقوة أي نصوص أو محاولات تربطها بما يسمى قرارات الشرعية الدولية أي (242 أو 338 ) أو مرجعية مؤتمر مدريد ، وان تطالب بتوضيح النصوص المتعلقة بحق عودة اللاجئين والقدس والأرض ، لأن الشيطان يمكن في التفاصيل، والغموض الذي في المبادرة لا يؤهلها أن تكون مبادرة شاملة ودقيقة وتعبر عن موقف عربي جمعي يتناسب مع طموحات الشعب العربي والإسلامي ولا آمال وتطلعات الشعب الفلسطيني.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات