عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

عدم الانحياز وتصريح إسرائيلي

عدم الانحياز وتصريح إسرائيلي

ليس هناك من وصف يناسب قرار “إسرائيل” برفض دخول وزراء خارجية أربع دول أعضاء في لجنة فلسطين المنبثقة عن منظمة عدم الانحياز إلى الضفة الغربية للمشاركة في اجتماع كان مقرراً في رام الله الأحد، سوى الوقاحة السياسية والأخلاقية. ليس هناك فائدة يمكن ل “إسرائيل” أن تحقّقها من وراء إحباط عقد اجتماع يحضره وزراء أربع عشرة دولة، سوى أنها أرادت السخرية من أكبر منظمة دولية بعد الأمم المتحدة، وأن تقول لها إن الاحتلال الرابض على صدر الفلسطينيين هو صاحب الأمر والنهي على هذه الأرض، وإن المحاولة الفلسطينية المتجددة لنيل اعتراف ب “دولة”، وإن غير عضو في الأمم المتحدة، لن يكتب لها النجاح مرة أخرى حين يأتي وقت نقاشها في سبتمبر/ أيلول المقبل.
لكن الوقاحة بدت أكثر سفوراً عندما كشف مسؤول فلسطيني أن موقف “إسرائيل” الحقيقي من المسألة ليس هو ذاته الذي أعلنته وقالت فيه إنها ترفض دخول دول لا تعترف ب “إسرائيل”، في حين أنها عرضت على السلطة الفلسطينية مقايضة رخيصة تقضي بالسماح بعقد اجتماع رام الله مقابل التزام الرئيس الفلسطيني محمود عباس عدم المشاركة في مؤتمر قمة دول عدم الانحياز في طهران نهاية الشهر الحالي. ما هذه الصفاقة؟ وما هذا العالم الذي يحتمل كياناً متعجرفاً وذميماً كهذا؟
هذا السلوك الذي تأنف السياسة والدبلوماسية أن ينسب لها يقذف الرسائل للعالم يميناً ويساراً، ويعبّر عن “أنا” احتلالية فوقية عنصرية متبجّحة لا ترى العالم إلا ريشة تحملها رياحاً “إسرائيلية”. هذه “المخلوقة” هي التي أسست لظاهرة الاتهام الإعلامي السريع والموجه لخصوم مستهدفين بعد دقائق من وقوع أي حادث يحمل في كثير من الأحيان بصماتها.
هذه المساومة التي وضعت “إسرائيل” القيادة الفلسطينية أمامها تختزل رؤية الصهاينة لمجمل ما درج العالم على تسميتها، دبلوماسياً وتدليسياً، ب”عملية السلام”، باعتبارها عملية ديكورية وشكلية لا مضمون لها. إنها تريد العملية أن تستمر ولكن بلا أفق ولا سلام. العملية تحوي لقاءات وصوراً وابتسامات وعدسات مصورين، وبالتالي انطباعاً دولياً بأن الأمور بين “إسرائيل” والفلسطينيين “سمن على عسل”، وهذا يحقق لها اختراقات دبلوماسية ومكاسب اقتصادية لدى دول متردّدة وتأخذ القضية الفلسطينية بعين الاعتبار، أو تريد أن ترى “عملية سلام” جارية، لكي تقول “لن نكون ملكيين أكثر من الملك”.
هذه الواقعة تظهر إلى أي مدى تبدو فيه حركة السلطة الفلسطينية رهناً بموافقة “إسرائيل” كقوة احتلال، وإلى أي مدى يصل التضليل بمن تحدّث عن استعادة أرض وإقامة سيادة على أركان اتفاقات التسوية. فهذه الضفة الغربية التي أقيمت عليها، وغزة، سلطة فلسطينية، وهذه رام الله التي تعتبر العاصمة السياسية للسلطة، والمصنّفة ضمن مناطق “ج” حسب اتفاق أوسلو، لا تملك السلطة أن تدعو لاجتماع سياسي ليست لها تبعات تتجاوز البيان الذي يمكن إصداره من أي صالون حلاقة.
“إسرائيل” تعرف ذلك لكنّها تحرص دائماً على تكريس نفسها كصاحبة القول والفصل، ليس فقط على الفلسطينيين، وإنما على دول أخرى ترفض أن تقيم معها علاقات دبلوماسية. لم تقل الولايات المتحدة، كراعية لعملية التسوية، شيئاً ينم عن انتقاد أو تقطيب حاجبين أمام هذه العجرفة. ولم يصدر عن دول “الديمقراطيات” الغربية ما يوحي بأنها تشعر بالخجل لتبنيها هذه المدللّة. ما يؤسف له رؤية حركة عدم الانحياز التي كانت الأرض تهتز تحت أقدامها، تقف بانتظار تصريح “إسرائيلي”. ومن حسن حظ “إسرائيل” أنه لم يعد هناك عبدالناصر وتيتو ونهرو، وإلا لكنا أمام مشهد مختلف.
[email protected]
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات