السبت 10/مايو/2025

من يتحمل مسؤولية بقاء الأسرى في الأسر لفترة طويلة؟

فؤاد الخفش

من يتحمل مسؤولية بقاء الأسرى في الأسر لفترة طويلة؟،

وهل يعقل أن يحرر القدس من لا يستطيع أن يحرر أسير واحد ؟

ومتى تدرك الفصائل أن كلمة أسير تعني الحرية لا البسكويت والعصير؟!

من يتفنن ببطولات الأسرى وماضيهم على التلفاز والصحف أن يتفنن في طريقة إخراجهم من السجن والقيد

أسئلة وتساؤلات كثيرة نضعها أمامنا وأمام كل من له عقل سليم وإدراك أن هناك أناس أموات في قبور صممت للأحياء يموتون فيها ألف مرة ويتقلبون على زيت يغلي وهم ينظرون.. والناس تنظر إليهم بعين الشفقة لسان حالهم يقول( الله يصبرهم الله يكون في عونهم)

هذا هو لسان حال أبطال وقادة الأمس أموات ومنسيي اليوم …من كانوا يصنعون الأخبار العاجلة والابتسامة على شفاه أمهات وزوجات وأخوات الشهداء والجرحى… وهم ينتظرون ويترقبون من يرجع إليهم أرواحهم وحياتهم بعد ممات قصري.

إن هناك محاولات قليلة ونادرة تلك التي عملت على انتزاع حرية الأسرى لان الفصائل تتعامل مع الأسير كحالة إنسانية تستدعي الشفقة والعطف وتستوعب النفقة والصرف، لذلك قيلت أناشيد وأغانٍ كثيرة في صمود وألم وتضحيات الأسرى لكن لم يتل نشيد واحد على أنغام بنادق المقاومة يدعو إلى تحريرهم .

إن من يتحمل مسؤولية تحرير الأسرى هم الفصائل والتنظيمات وإخواننا الأسرى المحررين الذين عاشوا الألم والمعاناة والجرح (نسوا أو تناسونا) .

وهنا اسأل وأقول كيف لنا أن نحرر القدس ونحن غير قادرين على تحرير أسير واحد.

 إن التنظيمات المعارضة والمؤيدة للسلطة هي المسئولة الأولى عن فقدان الأسير لحريته لأنها تطلب من الأسير أن يشاركها أفراحها وأحزانها وهو حر طليق ، لكن أحزانه وآهاته عندما يصبح أسيراً بنبعي أن تبقى في داخله لأنه عار على الرجال أن تظهر أحزانها وضعفها … والمحزن بالأمر أن آلاف العمليات كانت تحدث من عام  1965 حتى اليوم بينما لا يحظى  الأسرى إلا بعمليات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة   وان دل هذا على شيء إنما يدل على غياب مفهوم وثقافة تحرير الإنسان ومثال على ذلك لما ذهب بيرس على طابا وهو جاهز لإنهاء ملف الأسرى تفاجأ بأن المفاوض الفلسطيني غير معني به وينظر إليه بلا مبالاة و بصورة غير معقولة.

ان نهج حزب الله في احتجاز جنود وللمساومة عليها من اجل الأسرى سهل تطبيقه على ارض الواقع في فلسطين المحتلة ولا توجد مشكلة مطلقا في هذا الموضوع لكن المشكلة الكبرى تكمن في انه لا توجد سياسة أو إستراتيجية عند التنظيمات لهذه القضية بل إن قضية الأسرى هي بالنسبة للتنظيمات للدعاية والاستقطاب وهي لا تتعامل مع القضية من منطلق شرعي و لأنه لزاماً عليها أن لا يبقى أسير من الأسرى عند أعدائه وإخوانه ينظرون إليه.

ومثال تجربة حزب الله عندما وضع أمامه الهدف ( هدف تحرير الأسرى ) استدرج العقيد من وسط كيانهم وخطف الجنود من قلب قلاعهم فتلك حجة على القاعدين المقصرين واللامبالين لحياة وحرية أنساهم.

إن التنظيمات هي التي تتحمل الوزر الأكبر ، وكان حقا لمن قارع الاحتلال سنوات طويلة وأذاقها المرارة والحسرة أن يكون في الخارج لا في داخل جدران إسمنتية وقضبان حديدية لأن الأسرى هم طليعة من قدم وقاوم ولم ينسوا أحدا ولكن عندما جاء دور الآخرين نسوا كل شيء حتى من تذكرهم وهو في شدة وكرب ونسوا أن قدسية الإنسان هي أقدس من مكة المكرمة.

إن السلطة الفلسطينية انشغلت من بطاقات ال ( VIP ) وانشغلت بورق وكرتون ونسيت الإنسان وقدسيته وحرمته، إن حركة حماس هي الحركة الوحيدة التي عملت لقضية الأسرى ولكن للأسف لم تستمر في هذا الطريق طويلاً وانقطعت بعد الإفراج عن الشيخ الشهيد احمد ياسين لتعود وتعيد القضية من جديد بعد عملية الوهم المتبدد والتي أسرت من خلالها الجندي جلعاد شاليط،  ولم تسر التنظيمات الأخرى في هذا الطريق بل أن الكل نام وأنام معه كل من هو مستيقظ.

على كل من امتشق السلاح أن يعمل على تحرير الأسرى بكل ما أوتي من قوة وليعلم مطارد اليوم انه أسير الغد وأسير اليوم محرر الغد وعلى كل الفصائل أن  تتحمل مسؤوليتها اتجاه الأسرى (عندما أسر عثمان رضي الله عنه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يحضروا له اثنين من المشركين)

إن هناك فزاعة خلقها الاحتلال ورسخها في قلوبنا وجعلها جزء من ذاتنا انه سيطرق بيد من حديد كل من يحاول أن يمس جنوده وان كل محاولة لاختطاف أو اسر أي صهيوني لن تنجح لأن مقومات النجاح في فلسطين لا يكتب لها النجاح وان طرق حزب الله لن تطبق عندنا ، ودعا إلى أن يتغير مفهوم وحاجة الأسرى عند الناس والذي يمثل لهم حاليا أن الأسير يحتاج إلى اعتصام أمام الصليب الأحمر وهتاف في الشوارع وكلمات معاناة ومواساة على صفحات الجرائد.

على من يتفنن ببطولات الأسرى وماضيهم على التلفاز والصحف أن يتفنن في طريقة إخراجهم من السجن والقيد لأن الاحتلال لا يقدم الهدايا ولا حسن النوايا وان الاستشهادي الذي يضحي بروحه ويقدم أغلى شيء عنده إذا تم توجيهه إلى قضية لن تجده إلا مقبلاً بعزيمة أشد وبأس لا يلين.

إن المشكلة في التقصير بحق الأسرى هي التربية التي يتربى عليها الإنسان العربي الفلسطيني ،وهذا الشيء يفتح جرحاً لا يمكن له أن يندمل لأن كل يوم أو شهر أو سنة أو عقد يمر على الأسرى في الأسر ليس بسبب استحالة تحريرهم وإنما بسبب التقصير واللامبالاة من قبل من اقنع نفسه بأن الأمر مستحيل .

إن قدسية الإنسان أقوى وأرسخ من قدسية الأرض فلسنا بحاجة إلى ارض محررة بدون حرية الإنسان وأرى أن جميع الأسرى بداخل قلاع الأسر مجمعون أن فصائل المقاومة هي التي تتحمل المسؤولية الكبرى لأنها تفتقر إلى إستراتيجية واضحة تجاه الأسرى وأنها اكتفت بالتمجيد بهم كأبطال وحولتهم لتاريخ يكاد الغبار أن يطمسه.
 
* فؤاد الخفش – كاتب وباحث متخصص في شؤون الأسرى الفلسطينيين

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات